الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعذيب .. ليس فقط وسيلة إخضاع و لكنة تفسير سياسي أحيانا !

عمرو البقلي

2010 / 6 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


حادث الإسكندرية الذي أصاب الرأي العام بهزة عنيفة خلال الأيام الماضية ربما لا يكون جديدا في سجل الإعتداءات الدائمة من قبل الجهاز الشرطي في مصر و الذي يعبر عن القوة العمياء التي يستخدمها النظام السياسي في فرض الأمن.

ربما يكون الحادث لا يزال ملفوفا بمساحة من التضارب و الغموض و لكن الثابت حتي الأن هو مقتل مواطن يتنازع طرفان علي سبب وفاتة، هل هو عنف متعمد من قبل إتنين من رجال الشرطة السريين أو إبتلاعة للفافة بها مادة مخدرة أدت إلي اختناق القتيل أو الشهيد علي حد تعبير البعض.

بيد أن العامل الذي رجح كفة الإحتمال الأول هو سلسلة الأكاذيب التي ساقها بيان رسمي غامض لوزارة الداخلية اكدت فية علي لسان مصدر أمني " غامض أيضا " أن المجني علية مطلوب في تنفيذ أحكام قضائية و متهرب من التجنيد، ليتضح لاحقا كذب إدعاءات وزارة الداخلية بالوثائق التي كشفتها بعض الصحف و المدونات الإلكترونية.

و لكن لندع كل هذا جانبا لنقرأ ما وراء الحادث و نحاول البحث عن إجابة سؤالين يطرحان نفسهما لدي بكل وضوح

- لماذا تحديدا هذة المرة التي ثار الرأي العام بهذة الصورة و التي دفعت النائب العام لإعادة التحقيق بواسطة جهة تحقيق قضائية ذات صفة أعلي و إعادة تشريح الجثة ؟

إجابتي علي هذا السؤال تقتضي بحثا في الخلفية الشخصية للمجني علية، فهو شاب من أسرة متوسطة، يدل منزل عائلتة علي وضع إجتماعي طبقا لمقاييس الخطط التسويقية متوسطا، شغوف بالموسيقي، سبق لة السفر و التعايش مع الحياة الغربية في الولايات المتحدة، غير غائب عن استخدام التكنولوجيا، ببساطة لا يختلف كثيرا عن شريحة كبيرة من الشباب المصري المتوسط الحال،

في رأيي ان الحالة الإجتماعية و الإقتصادية للضحية فجرت غضبا كبيرا في وسط شريحتة، فدائما ما كانت إنتهاكات الشرطة موجهه ضد الفقراء و المهمشين نظرا لضعف حالتهم الإقتصادية و بالتالي الإجتماعية التي تجعلهم مصيدة للسلطة المتوحشة بلا رادع إجتماعي و بلا أي نوع من أنواع الحماية.

بإختصار كان السبب الرئيسي لحالة الغضب التي قفزت واضحة و تحديدا في الشريحة الإجتماعية القريبة من ضحية الإسكندرية، سببها تضخم الشعور بأن تلك الشريحة أيضا أصبحت في دائرة عنف الشرطة المباشر، بعد أن كانت تلك الشريحة تعتقد في نوع من الحماية نظرا لأوضاعهم الإقتصادية و الإجتماعية التي تكفل لهم علي الأقل القدرة علي إيجاد محامي يدافع عنهم حال وصولهم الي حالة عداء مع الجهاز الشرطي أو ربما صلة قرابة تحميهم من بطشه.

- السؤال الثاني هو لماذا تورطت وزارة الداخلية في التغطية علي جريمة، مستبقة نتائج نهائية للتحقيقات و مجتزأة لتقرير الطب الشرعي الأول، بل و بادرت بتشوية الضحية بتهم كاذبة ؟

لنبدأ بالفقرة الأخيرة من السؤال، التهم الكاذبة التي ساقتها وزارة الداخلية، اربعة تهم أولها التهرب من الخدمة الوطنية، ثانيا تعاطي المخدرات، ثالثا السرقة، رابعا التعرض لأنثي!

اربعة تهم، اولهم التخوين الوطني، ثانيهم و ثالثهم و رابعهم تهم تتعلق بالإعتداء علي المجتمع و الأخلاق العامة و منظمومة الأفكار السائدة، اربعة تهم كفيلة بنفي صاحبهم إجتماعيا، تهم لا تختلف عن تلك التهم التي كالوها لمعارضي النظام في خمسينات القرن الماضي و بقايا النظام الليبرالي الديموقراطي و إغتالوا بيها النظام الملكي و الطبقة السياسية الحاكمة، و من يري مثلا التهم التي ساقوها للملك فاروق ذاتة و اغلب الطبقة السياسية قبل إنقلاب يوليو، لن تجدها تخرج كثيرا عن الأربعة تهم التي ساقتها الداخلية في باينها، و لنأخذ الملك نموذجا الخيانة الوطنية في قضية السلاح الفاسد المكذوبة، إدمان الخمر و ما إتضح لاحقا أنها كذبة صحفية، سرقة مال الشعب و الحديث عن طائرات نقلت ذهبا إلي سويسرا قبل الإنقلاب، رابعا العلاقات النسائية المتعددة !

هل حقا هي صدفة إلي هذا الحد ؟ لا أقصد هنا أن اضع ضحية الأسكندرية في حجم ملك مصر السابق أو شخصية سياسية كبيرة من شخصيات العهد البائد، لكنها نفس الطريقة السخيفة التي تم استخدامها سابقا لكل المعارضين السياسيين الذين بطش بهم النظام بدءأ من تشوية صورة الملك و محاكمات محكمة الشعب و نهاية بمقالات و قضايا التعريض الشخصي للمعارضين الحاليين، علي الرغم من ان ضحية الأسكندرية لا كان مشتغلا بالسياسة ولا مهتما بها من الأصل، لكن لأن الحادثة أثارت غضبا عاما فأعتبر النظام حالة الغضب بمثابة تهديد مباشر حتي و إن كان ضعيفا و غير قادر علي التأثير !

بقي وجه أخير يدل علي صدق التحليل السياسي الذي يصف النظام الحاكم في مصر بنظام شمولي في أحد مراحلة تحول إلي نظام سلطوي لاحقا، في الحقبة الناصرية كان عنف جهاز الدولة ينصب علي معارضي نظام الحكم في صورة تعذيب في مقار إعتقال سرية مورست فية بشائع لم تظهر افلام السينما منها إلا القليل نظرا للمحظورات الرقابية و رغبة القيادة الساداتية التالية في تدمير التجربة الناصرية دون اي رغبة في تدمير صورة دولة العسكر المركزية الوطنية، لقد كان نظام ناصر ديكتاتوريا شموليا يتمتع بدعم شعبي ناتج عن أداة إعلامية و سياسات إقتصادية إستطاعت مصادرة حريات الأفراد في مقابل حفنة من المصالح الإقتصادية للأفراد وفتها مصادرة الرؤوس الأموال اليهودية و الغربية و الطبقة المصرية الأرستقراطية الحاكمة قبل يوليو، و لكن بنفاذ هذا الفائض التاريخي لم يبقي للنظام سوي وجهه القبيح الذي فقد دعمة الشعبي و تحول لنظام سلطوي لعدم قدرتة علي تقديم مصالح إقتصادية جديدة للأفراد الذين فقدوا حريتهم، فلم يبقي للنظام سوي القوي العمياء الباطشة في التعامل مع المصريين، في البداية كانت موجهه ضد المهمشين و المطحونين إقتصاديا و إجتماعيا و الأن إتسعت لتشمل طبقات إجتماعية أعلي بدأ التذمر ايضا ينسحب عليها، و بعد أن كان التعذيب في مقار سرية أصبح تعذيبا في أقسام الشرطة بصورة سرية، ثم بصورة علنية بالصوت و الصورة و بإخراج أفراد الجهاز الشرطي نفسة، و اخيرا اصبحت في الشوارع و علنا و بلا رادع !

إن التتبع التاريخي لمسار سياسة التعذيب الممنهج ليس إلا تتبعا لمسار نظام سياسي لم يعد أمامة سوي الإنهيار !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|