الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية الحياة

نورس محمد قدور

2010 / 6 / 16
الادب والفن


هذا الصباح هو أول أيام الصيف لكن الجو معتدل في أغلب الأحيان، ومن وقت لآخر يتخلل الجو الحار نسمات تأتي محملة برائحة البنفسج والسوسن وتارة برائحة الليلك والريحان وبين السوسن والريحان قطرات ندية تتراشق على وجنتيها وضفائر شعرها، تلك القطرات تأتيها مُحملة بعبق الفل من تلك الحديقة التي تطل عليها وتسمى "حديقة العاشق البريء" لجمال تصميمها ودقة بنائها واحترام زوارها لقوانينها. وفي هذا الهدوء والسكينة وقد خلى المنزل من سكانه ولم يبقى سواها ، فقد خلت بعشيقها الذي يلازمها في كل الأوطان، ذلك المرسم لم يفارقها لا بسفر ولا بحضر، وتلك الريشة الناعمة كنعومة أناملها اللتين أنهكتهما قسوة الحياة كانت تعز عليها كما لو أنها إحدى بناتها، فحملت تلك المرسم على الشرفة الصغيرة التي تطل على الحديقة المجاورة وأحضرت كوب ليمون بارد عله ينعش ما تبقى من قلبها النائم وعينيها الدامعتين. وقبل أن تلامس يدها الريشة، سرحت مع ذكرياتها التي لا تتخلى عنها، تذكرت غربتها ووحدتها وكيف أنها تعيش في برج لايُلقي الجار على جاره تحية الصباح فيما لو قابله، وزادها ألماً ذلك الببغاء الذي تركته في بيتها القديم قبل أن تعزم على الرحيل لا أقول مجبرة لكن كارهة أن تترك بيتها الذي عاشت فيه طفولتها التي ترافقها في كل لحظة، تذكر صديقاتها، معلمتها، وبنات جيرانها، إخوانها وأقاربها، وجدها العملاق الذي يصعب عليها أن تنسى شيئاً من حكايته الجميلة كيف وقد كانت في كل ليلة لا تنام إلا في أحضانه لتسمع منه الشاطر حسن، ليلى والذئب ، سارق الأحذية، الملك واللصوص، فيكون جدها متعب أحياننا لكنها لا تتنازل عن حقها فتقدم له المغريات، تأتي له بالفول السوداني والمقرمشات التي يهواها، وأحياناً تأتي له بدفترها الذي وضعت عليه معلمتها كلمات الثناء، وقليلاً ما كانت تقول له لو حكيت لي اليوم حكاية سنذهب غداً معا للحديقة ونأكل آيس كريم ولم يكن أمام الجد سوى أن يجيب رغبات حفيدته المدللة وقد أحبها كثيراً ولا أخفيكم أحبها أكثر من كل أحفاده لأنها وُلدت على يديه كما يقولون أي عاش معها طفولتها منذ اللحظات الأولى. وبرمشة عين وغفوة ذاكرة طوت تلك الذكريات ورمت بها في شباك قلبها النظيف لأنها ستعود لها بعد أن تنتهي من رسم لوحتها. فأمسكت الريشة بأيدٍ مرتجفة قليلاً لكنها لم تخطى خطاً حتى شعرت بالاطمئنان فبدأت برسم مسرح كبير ورغبت في أن تخلو جدرانه من أي شيء إلا الزوايا العلوية فأعطت الأولوية للزاوية اليمنى بزهرة النرجس، وخصت الزاوية المجاورة بالبيلسان أما الثالثة فكانت من نصيب التوليب زهرتها المحببة لقلبها الذي يعشق الأزهار، واحتارت في رابع زاوية إلى أن أسعفتها رائحة الياسمين التي أتت من الحديقة التي تطل بمرسمها عليها، فرسمت في تلك الزاوية ياسمينتين صغيرتين تتعانقان بلهفة وحنان تتناثر عليهما خيوط شمس أتتهما من بعيد، وبعد أن فرغت من أعلى الزوايا رسمت على الأرض سجادة تحوي كل الألوان التي تستخدمها في لوحاتها، وفوق تلك السجادة طاولة وُضع فوقها كتابين كتاب مفتوح في صفحاته الأولى وهو من كتب الخيال العلمي والآخر كان رواية روسية جميلة قرأتها مؤخرا وبجانب الكتابين فنجان قهوتها الطازج التي تثير رائحته كل من يمر من أمام بيتها لشرب القهوة ، ورغيف خبز مع طبق زيت زيتون، وفي الجهة المقابلة للطاولة سرير يكفي لشخص واحد متوسط الطول، وفوق السرير مشجب عُلق عليه ثياب أبطال المسرحية وغرفة لتبديل الملابس وستارة بيضاء وكتب خلف الستارة " الحياة مسرحية علّنا نتقن أدوارها بمهارة، وبعد أن فرغت من تلك العبارة فجأة تذكرت عيد ميلاد حبيبها يصادف هذا اليوم فأسرعت بتعليق لوحة على جدار المسرح مع أنها كانت لا ترغب في تعليق شيء إلا أنه هذا حبيبها وتفديه بكل ما عندها وليس فقط تعديل فكرة من أجله، وكتبت عليها بخط عريض وباللون الأحمر على قلب حب جميل يحمله عصفورين "كل عام وأنت حبيبي".

10-6-2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟