الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ينقذ الصابئة المندائيين من عمليات القتل المبرمج ؟؟

فائز الحيدر

2010 / 6 / 16
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


تعتبر الديانة المندائية من أقدم الديانات التوحيدية في بلاد وادي الرافدين والتي يمتد تأريخها لآلاف السنين ، وتشير المصادر التأريخية إلى أن هذه الديانة قد إنتشرت هناك قبل أكثر من ألفي عام ، ويعتبر المندائيون إن بلاد الرافدين موطنهم الأصلي حيث تقـدس ديانتهـم ميـاه نهري دجلة والفرات كما ورد في نصوصهم الدينية ، لذا فقد فضلوا العيش منذ القدم في جنوب العراق حيث تتوفر الانهار الجارية .

وتشير الأحصائيات إلى أن عدد المندائيون في العراق قبل عام 2003 كان قد بلغ حوالي 70 ألفا" أما الآن فإن عددهم قد تراجع إلى أقل من خمسة آلاف بعد إضطرار غالبيتهم إلى الهجرة لخارج العراق بسبب تعرضهم للقتل والتهجير والخطف والأبتزاز والضغط لتغيير الدين . وتشير منظمة حماية الأقليات في تقرير نشرته مؤخرا" إن هذه الأقلية الدينية مهددة بالأنقراض لأن تعاليمها الدينية تحرم أتباعها حمل السلاح للدفاع عن النفس أو ممارسة العنف أو القتل ، أضافة إلى أنهم لا يملكون أي مليشيات ولا عشائر تدافع عنهم ولا أرض خاصة بهم يمكن اللجوء لها عند الحاجة أسوة ببقية الأقليات الدينية ، ولذلك كانوا ولا زالوا هدفا" سهلا" للعصابات الأجرامية والقوى التكفيرية ومليشيات الأسلام السياسي .

يدرك جميع العرتقيين إن المندائيين لعبوا دورا" هاما" في تاريخ العراق السياسي والثقافي والفكري ، وقد إشتهروا منذ القدم بالنتاجات الادبية والعلمية ، فبعد تكوين الدولة العراقية الحديثة في العشرينات من القرن الماضي شارك المندائيين بفعالية في بناء أسس الدولة ومؤسساتها وأحزابها السياسية ومنظمات المجتمع المدني منذ السنوات الأولى ، وإنخرطوا بنشاط في الحياة الجديدة ، وإندفع شبابهم نحو العلم والمعرفة وأصبح بينهم العلماء والأطباء والمهندسين والحرفيين والشعراء والأدباء والفنانين الذين وضعوا كل تلك طاقاتهم وأمكانياتهم العلمية والمعرفية والحرفية التي إكتسبوها من أجل المساهمة في بناء العراق الحديث وفي الوقت الوقت برع المندائيون أكثر من غيرهم بمهنة صياغة الذهب والفضة والنقش على الفضة بمادة «الميناء» وهي من جملة أعمالهم التي ورثوها عن آبائهم وتميزوا بها عبر عشرات السنين ، وأنتشرت محلاتهم التي ساهمت في دعم الأقتصاد الوطني في العديد من مناطق بغداد والمحافظات العراقية . ناهيك عن تقديمهم المئات من الشهداء الذين سقطوا سواء في الحروب العبثية للنظام السابق أو في ساحات النضال من أجل الحرية والديمقراطية والتقدم الأجتماعي

لقد مر المندائيون طيلة تأريخهم الطويل بالعديد من الهجرات الأجبارية والقسرية بسبب الأضطهاد الديني والأجتماعي الذي تعرضوا له من قبل جيرانهم ، وتشير البحوث المندائية على أن المندائيين قاموا بأول هجرة لهم سنة 70 ميلادية من أورشليم في فلسطين الى موطنهم الأصلي وادي الرافدين كما مبين في أحد كتبهم المسمى ( حران كوثيا ) بعد الإضطهاد الذي تعرضوا هناك له على يد رجال الدين في تلك المدينة التي كانت تحكم من قبل الرومان ، تبعتها العديد من الهجرات لأسباب مختلفة .

لا يمكننا أن ننكر إن الكثير من المندائيين قد هاجروا الى دول عديدة في أوربا وأمريكا ولأسباب مختلفة وبشكل فردي منذ بداية الستينات من القرن الماضي ، لكن أعداد المهاجرين قد إزدادت في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات أسوة ببقية العراقيين بسب الظروف السياسية التي مر بها العراق ، أما ظاهرة الهجرة المندائية القسرية قد زادت خلال فترة الحصار الدولي على العراق بعد إحتلال الكويت في التسعينات من القرن الماضي وما تبعها في السنوات الأخيرة من النظام الدكتاتوري السابق حيث بدأ الحملة الأيمانية التي دعى أليها الطاغية المقبور وما بعده حيث الغزو الأمريكي للعراق وإحتلاله في عام 2003 إضافة الى الصراع الطائفي الذي اشتد في عامي 2005 و 2006 وطالت الأقليات الدينية بشكل عام والمندائيين بشكل خاص ، وقد تم أستغلال هذه الظروف من قبل بعض رجال الدين في خطبهم خلال صلاة الجمعة لمهاجمة الأقليات الدينية ومنهم المندائيين تحت عنوان ( الكفرة ) و ( عبدة الكواكب والنجوم ) ، مستغلين دعم النظام الحاكم لهم ، وبعملهم هذا قد أعطوا القوى الأرهابية والتكفيرية الضوء الأخضر لمواصلة عمليات القتل المبرمج والتصفيات الجسدية بحق أبناء الطائفة ، مما أدى الى هجرة الآلاف من العوائل المندائية إلى الخارج
ونتيجة لذلك فقد تعرض المندائيون الى التصفيات الجسدية حيث تجاوز عدد القتلى 600 مندائي بريئ وطال الخطف أكثر من 200 من الرجال والنساء والمطالبة بفدية كبيرة لأطلاق سراحم وفي حالات عديدة تم قتل المخطوفين بعد دفع الفدية ، كما وتم أجبارهم على تغيير ديانتهم الى الأسلام تحت التهديد أو موجهة الموت كما جرى للعشرات من العوائل المندائية في قضاء الفلوجة والذين عاشوا في هذه المدينة منذ عشرات السنين ، كما وتم تزويج الشابات المندائيات إلى المسلمين عنوة ..

ولم يكتفي الأرهابيين والمليشيات المرتبطة بالأحزاب السياسية الحاكمة بذلك بل تعدت أعمالهم الأجرامية الى معبدهم الوحيد في مدينة البصرة والذي تم تدميره من قبل مليشيات محلية معروفة ومشاركة في السلطة. وتم الأعتداء على مقبرتهم هناك وتم بيع رفات موتاهم الى الجانب الأيراني بحجة إنهم من الجنود الأيرانين ضحابا الحرب ، كما وتم التجاوز على هذه المقبرة وتحويلها الى محلات تجارية وسكنية لعوائل المليشيات ، وتشير دراسة منظمة الشعوب المهددة بالانقراض إن المليشيات المسلحة قد لجأت أخيرا" إلى عمليات القتل بإعتبارها عملية سهلة وفعالة وذات كلفة أقل بعد أن مرت جرائمها السابقة دون عقاب .

ان جرائم القتل والخطف والأغتصاب والإكراه لتغير الدين والتهجير القسرى التي تمارس ضد المندائيين هي بالتأكيد أفعال تدخل فى اطار جريمة الإبادة الجماعية ( Genocide ) حسب المادة الثانية من الإتفاقية الدولية التي أقرتها الجمعية العامة للامم المتحدة في أجتماعها المنعقد بباريس في 9 كانون الاول 1948. فتكفير المندائيين من قبل الأرهابين وميليشيات ومتطرفي الأسلام السياسي المشاركين في السلطة وخارجها هي ذريعة لإبادتهم لكونهم جماعة عرقية وأقلية دينية ليس لها وجود في العراق .
ونتيجة لهذه الجرائم فقد هاجرت الآلاف من العوائل المندائية عبر الحدود الى دول الجوار مثل سوريا والاردن حيث الأمان النسبي والتخلص من الموت كمرحلة اولى ... ، وهم يمرون اليوم بظروف سيئة للغاية حيث العوز المادي والتعليمي والأجتماعي والصحي وينتظرون عطف المؤسسات الأنسانية وسفارات دول اللجوء لقبولهم لاجئين في تلك الول حيث لا حل لمعاناتهم في المستقبل المنظور.

بلا شك إن ضعف الدولة وفشلها في فرض الأمن والنظام قد أدى إلى خلق البيئة الملائمة لنشاط المليشيات وعصابات الخطف والقتل والنهب والسلب ، حيث توجهت أنضار العراقيين ومنذ السنة الماضية إلى عمليات القتل المبرمج للصاغة المندائيين من قبل المليشيات والتكفيرين والذين تصفهم الحكومة بالأرهابيين للتغطية على سلوكهم وأحزابهم السياسية ، فالهجوم على محلات الصاغة أصبح من العمليات المبرمجة والسهلة لهؤلاء القتلة طالما إن الأجهزة الأمنية لا تقوم بمسؤوليتها في ملاحقة المجرمين خصوصا" وإن عمليات السطو والإغتيال تجري في أسواق الأحياء الشعبية في وضح النهار حيث تنتشر دوريات للشرطة والجيش وعادة ما يغلق التحقيق بعد معرفة الجهة المنفذة لتلك الجرائم والمرتبطة بالمليشيات والمقربة من الحكومة أو المساهمة بها ، ومما يؤكد صحة ذلك نرى إن محلات الصاغة المندائيين هي المستهدفة في الغالب وذلك من خلال العمليات الأجرامية التي جرت في الأشهر الأخيرة ضدهم ، في الوقت الذي نرى إن هناك العشرات من محلات الصاغة من غير المندائيين موزعة في أحياء عديدة من بغداد ، وهي تعرض المصوغات الذهبيه والفضية ولكننا لم نرى أو نسمع عن أية عملية سطو مسلح واحدة وقعت عليها .
وهنا يمكننا القول إن هذه العمليات الأجرامية بحق المندائيين تجري وتنفذ وفق أجندة خفية تساهم بها إحدى دول الجوار لأجتثاث المندائيين من أرضهم وإفراغ العراق من أحد مكوناته الأساسية وأقامة الدولة الأسلامية المخطط لها على غرار ما جرى في أيران..

فقبل أشهر أُبيدت عائلة من عشرة أفراد في دارها في مدينة الكوت على أيدي أحدى المليشيات ، وقيدت الجريمة ضد مجهول ، رغم أن الجهة التي ينتمي إليها القتلة معروفة للجهات الحكومية .
وشهدت العديد من محلات الصاغة الى عمليات سطو مسلح راح ضحيتها العديد من المندائيين الأبرياء وسرقت محلاتهم . ففي قضاء الزبير في محافظة البصرة تم قتل اثنين من الصاغة المندائيين ، وفي منطقة السيدية في بغداد تم قتل صائغ مندائي في بداية العام الحالي ، وفي الكاظمية تم قتل ثلاثة من الصاغة المندائيين بعد الهجوم على محلاتهم .وبتأريخ 19 / 4 / 2009 وفي مدينة الطوبجي التي تسيطر عليها أحدى المليشيات المعروفة في بغداد وفي وضح النهار وأمام أنظار المواطنين إرتكبت مجموعة أرهابية جريمة قتل بشعة بحق ثلاثة من الصاغة المندائيين وهم كلا" من هيثم حميد خضر وأنس هيثم حميد ولؤي أسعد هاني ، كما جرحت كلاً من أسعد هاني وفراس شاكر ، ثم قامت بنهب محلاتهم . وبعد يومين من جريمة الطوبجي تم قتل ثلاثة من الصاغة المندائيين في مدينة الشعب ببغداد وهم أخوين وأبن أحدهما وسُرق محلهما ، ولم يلقَ القبض على أحد رغم أن القتلة معروفين لدى الجهات الأمنية.

وفي 18 من آيار عام 2010 حذرت قيادة عمليات بغداد من أن تنظيم القاعدة في العراق يخطط للسطو على المصارف الحكومية والأهلية ومحال بيع الذهب في بغداد والمحافظات ، جراء الأزمة المالية التي يمر بها التنظيم لكننا لم نلاحظ أي أجراءات أمنية لحماية محلات الصاغة والمؤسسات المالية ، مما شجع العصابات المسلحة للقيام بعملية سطو مسلح بأسلحة كاتمة يوم 25 / آيار على محلين لصياغة الذهب في شارع ( 20 ) بمنطقة البياع في بغداد مما ادى الى استشهاد الأخوين أرشد وأحمد السبتي وسرقة محلهم .وفي محافظة البصرة مؤخرا" وفي عملية سطوا مسلح باسلحة كاتمة للصوت على محلات المجوهرات تم قتل "ثلاثة ثلاثة من الصاغة المندائيين من أسرة واحدة وهم توفيق سبتي وإبنه الشاب لؤي توفيق سبتي فيما أدخل الإبن الآخر حازم توفيق سبتي في ردهة العناية المركزة في أحدى المستشفيات .

وبدلا" من أستنكار هذه الجريمة البشعة يطالعنا الناطق الأمني بأسم محافظة البصرة ليقول إن ( حادث السطو المسلح على محال بيع الذهب الذي نفذته عصابة إجرامية وأسفر عن مصرع ثلاثة أشخاص ناجم عن أغراض شخصية ولم يأخذ أي منحى طائفي ) . بينما يؤكد أهل الضحايا أن التحقيقات بعمليات التصفية ضد المندائيين عادة ما تكون «وهمية» ، كما إن العديد من الجناة الذين يلقى القبض عليهم لإرتكابهم جرائم ضد أبناء الطائفة المندائية تنقل دعاواهم إلى محافظات أخرى بتأثير من الأحزاب التي ينتمون لها ، ومن هناك يتم إطلاق سراحهم بإدعاء عدم ثبوت الأدلة .

وأخيرا" فالطائفة المندائية تناشد كافة المنظمات الدولية والأنسانية ومنظمات المجتمع المدني والمرجعيات الدينية بالوقوف معها لوقف عمليات القتل المبرمج لأبنائها والتي تمثل نوعا" من أنواع الأبادة الجماعية ، كما تناشد كل الأحرار في العالم للوقوف معها في محنتها هذه وحمايتها ، فهل يسمع ذوي الشأن هذا النداء


كندا / لندن / أونتاريو
16 / 6 / 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ويتباكى البعض
ابن خلدون ( 2010 / 6 / 16 - 18:45 )
أمامنا مأساة حقيقية .. ويتعامى عنها بعضهم متجاهلينها و يقيمون الدنيا ويقعدوها عند فشل محاولة هوليودية لاقتحام غزة ومقتل تسعة ناشطين اسلاميين !


أين هؤلاء من 600 مندائي أعزل ذبحهم الاسلاميون بدم بارد؟

لا حياء (بالهمزة) لمن تنادي


2 - اعمالكم لا يوجد بها الرحمة فيخجل الشيطان منها
علي سهيل ( 2010 / 6 / 17 - 03:39 )
هل الله نزع الرحمة من قلب هؤلاء القتلة المجرمين، ادخل الله الزانية الجنة عندما اسقت الكلب الماء من حذائها، وادخل المتعبدة النار عندما عذبت هر حتى الموت من خلال سجنها له، فالانسان اللذي كرمه الله وخلقه على احسن تكوين اتفعلون به هكذا ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء ان الله يرحم من يرحم ومن لا يرحم في الجحيم وبئس المسير، عندما يغضب الله على قوم ينزع الرحمة من قلوبهم ومن خلال تنكيلهم بالاخرين وفظاعتهم التي يأبى الشيطان ان يفعلها يفكرون بانهم يقدمون خدمة لله والله منهم براء لان الله عادل ودود رحيم رؤوف وليس بظالم ولا بقاتل بل حكيم عادل ورحمتة وسعت كل شيئ وحتى من عصا وكفر به والمندائيين يؤمنون بالخالق، فعندما كثرت الملل قال لهم لنجاة نفسه بانه كافر مستجير، لماذا نكفر ونخون ونقتل بعضنا البعض من اجل ماذا؟اديننا يبيح لنا قتل الضعيف؟؟؟ ونحن لم نفهم الا ما اردنا من ايات الله، ومن اجل مصلحتنا الشخصية ننفذ هذا كل باسم الله والدين، آانتم خير من اساء للدينهم من خلال اعمالكم ، فاعمالكم لا يوجد بها الرحمة فيخجل الشيطان منها لانكم تقتلون اناس مسالمين لا يحملون السلاح ضد الاعداء ايضا.يارب

اخر الافلام

.. جهود مصرية لتحقيق الهدنة ووقف التصعيد في رفح الفلسطينية | #م


.. فصائل فلسطينية تؤكد رفضها لفرض أي وصاية على معبر رفح




.. دمار واسع في أغلب مدن غزة بعد 7 أشهر من الحرب


.. مخصصة لغوث أهالي غزة.. إبحار سفينة تركية قطرية من ميناء مرسي




.. الجيش الإسرائيلي يستهدف الطوابق العلوية للمباني السكنية بمدي