الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لِيسوؤوا وجوهَكم

علي شكشك

2010 / 6 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لِيسوؤوا وجوهَكم
علي شكشك
لم يكونوا أبدا في حالٍ يشبه ما هم عليه اليوم, وهم المعزولون المكروهون, الذين لا تجرؤ دولة أو حزبٌ أو كاتب أو صحفي أو أي وسيلة إعلام على الدفاع عنهم ولا عن فعلتهم ضد أسطول الحرية, بل لم تتباطأ أيٌّ من هذه المذكورة عن إدانتهم والتنديد بهم والتشنيع بسلوكهم, وهم الذين اعتدوا باعتدائهم ذاك على كل البشر وكل الدول وكل القيم وكل المبادئ, حين اعتدوا على أبرياء مدنيين غير مسلحين إلا بالمؤن والغطاء والدواء والكراسي التي جلبوها للمعاقين الفلسطينيين, الذين هم بدورهم ضحايا عدوانهم والحصار والتعذيب والتجويع السريع والبطيء والقنابل المدمرة والقاتلة والفوسفور الذي يلقونه كالحقد على وجه براءة الطفولة وبلج الحق, كأنما ليحرقوا وثائق إدانتهم وطابوهات العهد الذي يمنح أبناء إسماعيل سرّ الوعد,
لم يكونوا أبدا في حالٍ يشبه حالهم اليوم, وقد تقزز منهم العالم وتجرّأ على شبح العقوبات التي تترصد من ينتقدهم والكيد الذي يلحقونه بهم, فطفا إلى سطح الضمير ما كبتته البشرية طويلا, وما خبأته نتائج الحرب العالمية الثانية عقودا, وما كانوا يقولونه تلميحا أصبح الآن تصريحا, ولم يختلف في ذلك عدوٌّ لهم عن صديق, ولا محارب عن حليف, وقد أجمعت مشارق الأرض والمغارب على سوءتهم وجريمتهم, وأٌصيب حلفاؤهم بالخجل من أنفسهم, وقد انكشف أمرهما معا, إذ لم يعد ممكنا تغطيتهم ولا تغطية عورتهم هم أنفسهم, فالخزي والعار هو بأثرٍ رجعي, وقد كان الذي كان تجلياً شاملاً لجوهرهم, وكشفاً مدوياً لباطنهم, واشياً بما استتر دوماً وراء المساحيق والادعاءات والمسوح والزور, ففي لحظة تلقائيتهم وقد فقدوا صوابهم وانزوى الدثار عن مقامهم في حال التجلي الكامل لهيئتهم, فإذا هم كما هم على سجيتهم, بكامل سحنتهم ومنتهى جريمتهم, وقد خذلتهم كاملاً لِمرّةٍ أقنعتُهم التي سقطت في غمرة انفعالهم وعجلتهم وغضبهم, فقد كان المحاربون القادمون هذه المرة على سفنهم مسلحين بما لا قبل لهم به من أسلحتهم, براءتهم وضمائرهم وإنسانيتهم وإيمانهم وتراتيلهم, مطران وامرأة وشيخ, وبضع آيات من التنزيل, وحزن بلون الحق, وجرح بطعم ملح البحر الذي فيه يمخرون,
{"تهلكون بين الشعوب وتأكلكم أرض أعدائكم, والباقون منكم يفنون بذنوبهم في أراضي أعدائكم, وأيضا بذنوب أعدائهم معهم يفنون", "أشهد عليكم اليوم السماء والأرض أنكم تبيدون سريعاً عن الأرض التي أنتم عابرون الأردن إليها لتمتلكوها, لا تطيلون الأيام عليها, بل تهلكون لا محالة, ويبددكم الرب في الشعوب", "كذلك يفرح الرب لكم ليفنيكم ويهلككم, فتستأصلون من الأرض التي أنت داخل إليها, ويبددك الرب في جميع الشعوب من أقصاء الأرض إلى أقصائها,..., وفي تلك الأمم لا تطمئن ولا يكون قرار لقدميك بل يعطيك الرب قدما مرتجفا وكلال العينين وذبول النفس, وتكون حياتك معلقة قدامك, وترتعب ليلا ونهارا, ولا تأمن على حياتك, في الصباح تقول يا ليته المساء وفي المساء تقول يا ليته الصباح, من ارتعاب قلبك الذي ترتعب, ومن منظر عينيك الذي تنظر, ويردك الرب إلى مصر في سفنٍ في الطريق الذي قلت لك لا تعد تراها, فتباعون هناك لأعدائك عبيداً وإماءً, وليس من يشتري"},
وقد حاصرتهم المدينة التي عصوا الله عندها وحاصروها, وحاصرتهم عيونٌ أحرقوها بوحوش الجوّ, وحاصرتهم كل الأمم في قرار مجلس الكون الذي اعتاد أن ينحاز إلى حصارهم للكون, وحاصرتهم تجارتهم بأعضائنا, وحاصرهم تقرير لاهاي, وغولدستون, ودير ياسين وجنين وكل اللاجئين, وأحلامنا وآلامنا وحنيننا إلى تكاملنا فينا, وحاصرتهم حناجر الإنسانية التي عزلتهم في مخازيهم ونفتهم من ضميرها ومسختهم كما يليق بهم وكما مُسخوا قديما, ونبذتهم النفوس البشرية من أول العائدين إلى هيلين توماس, فليكتمل أول الحشر بانتظار المصير الذي يليق,
وبانتظار ذلك المصير, ليشعر شمعون بيريز بكل التعاسة التي تجب جراء العزلة الكونية التي تعيشها حالته الكيان, رجسة الخراب, وتآكل مكانتها في العالم, ليشعر بالخزي, وليكن كما قالت الأنباء أنه على حافّة اليأس, فهو أقدر من يفهم تفسير ما يجري, وهو من البطاركة الكبار الذين أسسوا وعايشوا هذه الظاهرة, وهو يقرأ جيداً مدلولاتها, ويتحسس مآلاتها, ويعرف أنها مرحلة "ليسوؤوا وجوهكم", التي تسبق مرحلة "وليدخلوا المسجد", ومرحلة "وليتبروا ما علوا تتبيرا",
إن لم يكن يدرك تلك المصطلحات فإنه يدرك بالتأكيد ما جاء في سفر حزقيال, {هكذا قال السيد الرب: بما أنكم جميعاً قد صرتم خبثاً, لذلك هاءنذا أجمعكم في وسط أورشليم, أجمع الفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير في وسط الأتون, لأنفخ عليها النار حتى أذيبها, هكذا أجمع غضبي وسخطي وأدعكم هناك وأذيبكم, أحشدكم وأنفخ عليكم في نار سخطي وأذيبكم في وسطها, كما تسبك الفضة في وسط الأتون, كذلك تذابون في وسطها, فتعلمون أني أنا الرب صببت غضبي عليكم}, ولأنه يعرف أن هذا هو المخاض فليس غريباً أن يَسوءَ وجهُه ويصبح على حافة اليأس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم اخي الكاتب
بسمه ( 2010 / 6 / 16 - 20:48 )
معزولون مكروهون محتقرون منبوذون
هذا لانهم مجرمون وخارجون على القانون
هؤلاء هم اعداء الحريه
لن يفلتوا من العقاب و
سيكون مصيرهم الى زوال
شكرا لك

اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة