الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من حكايا الطب

نقولا الزهر

2010 / 6 / 17
الطب , والعلوم


من حكايا الطب
1- طبيب ومنَجِّم يهزمهما منجِّم آخر:
يقول ابن أبي أصيبعة في كتابه "عيون الأنباء في طبقات الأطباء"، حدثني عيسى بن الحكم (الطبيب): أنه عَرَضَ لـ (غضيض) أم ولدِ الرشيد قولنج، فأحضرته وأحضرت الأبَحَّ والطبري الحاسِبين (المنجمين)، وسألت عيسى عما يرى معالجتها به. فأعلمها أن القولنج قد استحكم بها استحكاماً؛ إن لم تبادره بالحقنة (الرحضة الشرجية) لم يؤمَنْ عليها التلف.
فقالت غضيضُ للأبَحَّ والطبري: اختارا لي وقتاً أتعالج فيه. فقال لها الأبَحُّ هذه ليست من العلل التي يمكن أن يؤخر لها العلاج إلى وقت يحمده المنجمون، وأني أرى أن تبادري بالعلاج قبل ان تعملي عملاً، وكذلك يرى عيسى بن الحكم. قال عيسى فسألتني فأعلمتها أن الأبح قد صدَقََها. فسألتِ الطبري عن رأيه فقال: إن القمرَ اليومَ مع زحل، وهو في غدٍ مع المشتري، وأنا أرى أن تؤخري العلاج إلى مقارنة القمر المشتري. فقال الأبح: أني أخاف أن يصير القمر مع المشتري وقد عمل القولنج عملاً لا يحتاج معه إلى علاج. فتطيَّرت من ذلك غضيضُ وابنتها أم محمد، وأمرتا بإخراجه من الدار وقبلت قولَ الطبري، فماتت غضيض قبل موافاة القمر المشتري!!..
2- مات مشفياً:
سادت في أواخر العصور الوسطى في أوربا نظرية" المسهلات" في الطب. فكل مريض مهما كان مرضه في القلب أو الكبد او المعدة أو الأمعاء أو أي شي آخر، فإلى جانب الأدوية النوعية التي يصفها الطبيب لمرضه، لا بد أن يأخذ مسهلاً حتى تصبح المداواة كاملة. وحينما يموت المريض كان يسأل الطبيب أهله قبل كتابة شهادة وفاته: هل أخذ مسهلاً قبل وفاته. فإن كان ردهم بالإيجاب كتب في شهادة الوفاة " لقد مات مشفياً ". ويبدو أن نظرية المسهلات كان لها وزنها لدى الناس في بلادنا أيضاً على نظرية (المعدة بيت الداء).
فقد سمعت يوماً من جدتي هذا الحديث، وقد كانت محدثة لبقة رحمها الله. فسألتْ يوماً كاهنَ البلدة وهو قريب لها: " أبونا، الحمد لله صار عمرك مليح البركة، وصحتك كثير كويسة، وما بتروح عالطبيب، شو بتعمل شو بتاخذ أدوية؟ أجابها الخوري ابراهيم: شوفي أم مخاييل، أنا ما باخذ أدوية ولا شي. لكن وقت بنزل عاالشام لي روحة عاالبزورية وبجيب معي صبر وزعتر. ودايماً في جيبتي اليمين حاطط (صبر) باخذ منه وقت بتكون معدتي ماسكة وبجيبتي اليسار حاطط (زعتر) باخذ منه وقت بتكون معدتي ماشية. وشوفي الحمد الله قطعت الثمانين وبطلع على درج الدير وبنزل.
كان طبيب عام يزاول مهنة الطب في دمشق في القرن الماضي وهومشهور في الوسط الطبي والشعبي، وكان السؤال الأول الذي يوجهه لأي مريض يزور عيادته: يا ابني معدتك طلعت اليوم، فإن كان رده بالإيجاب يطلب منه الاستلقاء على طاولة الفحص، أما إن كان رده سلبياً فيكتب له وصفة زيت خروع أو ملح انكليزي ويقول له: روح طَلِّع معدتك وارجع بعدين لعندي". ولقد اشتهر هذا الطبيب باسم (الدكتور خريتو) على وزن " الدكتور فريشو" صاحب المستشفى المشهور في حلب.

3- الدواء ممتاز لكن مو طيب أبداً:
قضيت صيدلياً في الريف حوالي ثلاث سنوات(1965-1968) في بلدة جيرود وهي أكبر قرى القلمون التحتاني المطل على البادية. مع ذلك لم يكن فيها طبيب مقيم في البلدة بشكل دائم آنذاك، بل كان يأتي طبيب من وزارة الصحة إلى المستوصف الحكومي حوالي الساعتين أسبوعياً ليداوي المرضى. وكنت أول صيدلي يفتح صيدلية في هذه القرية . ولقد أفسحت لي مهنتي أن أتعرف على ناسها جميعاً وفي الحقيقة كانت سنوات ثلاث شاقة لكنها ممتعة. ولقد صادفت خلال ممارستي مهنتي في هذه القرية حكايا كثيرة، ولكن أطرفها كانت هذه الحكاية.
جاءني يوماً مريض من خارج البلدة وكان يلبس لباس البادية(الهجانة). شكا من ألم شديد في معدته، سألته إن كان يشكو من إسهال أو إقياء فنفى.فوصفت له تحاميل مضادة للتشنج وكان ثمنها ثلاثون قرشاً سورياً في ذلك الوقت، وطلبت منه أن يأخذ واحدة صباحاً وواحدة مساءً. غادر المريض الصيدلية وعاد إلي بعد أسبوع ليشكرني على "الدواء الرائع الذي أعطيته أياه". سررت لذلك، ولكن كم كانت دهشتي حين قال لي: والله يا دكتور الدواء كثير ممتاز لكن طعمه مو طيب أبداً".وهنا صرت في حيرةٍ من أمري بماذا أجيبه!! فقد بلع التحاميل.
4- الكحل أفضل من العمى
كثيراً ما كانت تقول لي والدتي أنني "نفدت من العمى". وكثيراً ما روت لي قصة رمدي الخطير هذا لما كنت صغيراً. لا أتذكر هذه الرمْدة أبداً. فهي تقول أنني رمدت في أوائل الأربعينات وانغلقت عيناي وتورمتا من شدة الالتهاب ولم أعد استطيع فتحهما أبداً. وقد أصيبت بالرمد ذاته ابنة جيراننا. وفي يوم من الأيام استدعى الجيران شيخاً بدوياً ليعالج رمد فتاتهم بالكّي. خافت والدتي من قصة الحديد المحمى على النار، فحملتني والدتي إلى أحد كهنة القرية يدعى(الخوري نقولا)، وكان يعالج بالأعشاب بدون أي بدل مادي. فاعطاها زجاجة صغيرة وقطارة، وتقول أنها كانت تتعاون هي ووالدي على فتح عيني لتسريب قطرة حمراء بلون الدم. وفي كلية الصيدلة عرفت أن هذه القطرة تهيأ من مسحوق دودة القرمز. لا يوجد شك أني مدين في بقاء بصري لهذا الخوري الطبيب الذي كان يحظى بسمعة طيبة في البلدة. لكن (يسرى) فقدت بصرها....
5- ضربة شمس
في عام1951 كنت في الصف الرابع الابتدائي، وفي صيف هذا العام جرى لي عارض صحي لا أنساه أبداً. ففي صباح 15 آب ذهبت مثل كثيرين من الأطفال إلى بستان الدير ويسمى أيضاً بستان السيدة والبعض كان يسميه بستان الجوز. وبالفعل كانت أشجار الجوز هي الغالبة على أشجاره المثمرة. وهنالك تقليد في منطقتنا وفي غوطة دمشق، ببدء قطاف الجوز في 15 آب من كل عام ولذلك يدعى عيد السيدة الواقع في هذا اليوم بعيد (الجوزة) أيضاً. في هذا اليوم كان يذهب أولاد البلدة لبستان السيدة للبعورة. والبعورة هي التقاط ما تبقى من الجوز تحت الأشجار التي أنتهى القطافون من قطافها وغادروها. وحوالي الساعة الواحدة ظهراً غادرت مع بعض الأولاد البستان عائدين إلى منازلنا. وكانت ظهيرة شديدة القيظ، وفي منتصف الطريق شعرت بصداع لم أعرف مثله لا قبل ذلك اليوم ولا بعده؛ وقد شعرت أن في رأسي معركة تدور بين جيشين (هذيان).وحين وصلت إلى البيت سقطت مغشياً علي. والدتي في حالة اضطراب. يد جدتي على جبهتي. قالت: في حرارة؛ صايبته شوبة، روحي بنتي بسرعة لعند ابن خالي (برجس) وجيبي نص لوح ثلج. نفذت والدتي تعليماتها. ثم قالت لها جيبي دبس واسقيه دبس ومي وثلج قد ما بتقدري.... هكذا كان سيروم تلك الايام لمعالجة ضربة الشمس.....
دمشق في 12/6/2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عاشت يداك أيها الصيدلي على هذا المقال الممتع
مريم نجمه ( 2010 / 6 / 17 - 15:59 )
المكرم الأخ نقولا الزهر تحية وشكر
أمتعتنا بهذه المعلومات الطبية القديمة وحكاياها المضحكة أحيانا والمفيدة ثانياً
ليضاف مقالك الرائع إلى أرشيف القرية الطبي الشعبي
مسكينة الأخت يسرى هذه قصتها !؟ لقد كانت رفيقة الطفولة لا أدري ماذا حل بها ؟ رحم الله جداتك ووالدتك الماهرات .. كنوزالمعرفة والخبرة ..
تحياتنا القلبية الأخوية لكم
مع الود


2 - عزيزنا الأستاذ المحترم نقولا الزهر
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 6 / 18 - 03:32 )
مقال لطيف حقاً رسمت البسمة على وجوهنا وذكرتنا كيف كانوا يداوون أنفسهم بأنفسهم . كل شيء أفهمه إلا موضوع ( العطّيس ) ما فائدته ؟ كان لنا معارف رجل وزوجته يؤمنان إيماناً قاطعاً أن شمّ النشوق ( العطيس ) ثم العطاس بعده يشفي من الأمراض التي تصيب الرأس والصدر والبطن , ذلك أن الانسان عند العطاس _ كما شرح لنا _ يفتح الرأس ويعبئ التأزم في الصدر ليخرج مع العطسة وكذلك الضغط الذي يصيب المعدة . كان الناس يكرهون زيارتهما لهم لأنهما طوال الجلسة نازلين تعطيس وبأعلى الأصوات , أما نحن الأطفال فكنا نترقب زيارتهما والطلب منهما بعض النشوق لتبدأ وصلة لا تنتهي من التعطيس وبمختلف الأصوات , الآن أتذكر ذلك وأضحك . . أشكرك على مقالك اللطيف


3 - رد الكاتب على التعليقات
نقولا الزهر ( 2010 / 6 / 18 - 23:31 )
تحياتي للعزيزة والصديقة مريم نجمة، في الواقع كنت خائفاً من الكلام حول حكايا وطرف الطب، لكنني وجدت ان المقال حظي باهتمام القراء وهذا ما أسرني. شكراً على تعليقك واهتمامك.
وشكري لقارئة الحوار المتمدن على مرورك وتقييمك، ولقد أسهمت بشيء له علاقة بروح المقال حول العطيس وفائدته الطبية،وفي الواقع إن الطب الشعبي عالم واسع غلى جانب الطب الحديث. وفي أرقى الدول وأكثرها تقدماً لايزال هذا الطب الموازي له عياداته وصيدلياته وفي كل بلد هنالك طرق نوعية وخاصة به. ففي روسيا تتفوق الفودكا والثوم على سبيل المثال، وفي المانيا يحظى البابونج بدرجة عالية من الاهتمام كما الحال في سورية..

اخر الافلام

.. شاهد| توقف عشرات السفن العابرة للبحر الأحمر في المياه الإقلي


.. اياد نصار وسلوى عثمان ودينا فؤاد وكارولين عزمي وزيرة التضامن




.. النائب أيمن محسب : هناك أدوية رئيسية لأمراض مزمنة مايقدرش ال


.. كارين جان بيير ترد على سؤال حول مدى خطورة إنفلونزا الطيور ال




.. هل تستعد فرنسا للاعتراف بمغربية الصحراء الغربية؟ • فرانس 24