الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موسم سقوط الأقنعة

خالد الكيلاني

2010 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


مرحباً بالأزمات ... فيها تسقط الأقنعة، وتبدو الوجوه على حقيقتها جلية ناصعة، وفيها يتخندق كل مدع بما ليس فيه في خندقه الحقيقي. ولأن أزمات مصر كثيرة فقد سقطت الأقنعة في الأيام القليلة الفائتة عن كثيرين من دعاة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والنزاهة والدولة المدنية، دعاة كنا نعرف أنهم ليسوا كذلك .. وإن هي إلا شعارات يتربحون من ورائها، ولكن الكثيرين كانوا يصدقونهم... ويسيرون ورائهم حتى سقطت الأقنعة.
أولى تلك الأقنعة سقطت عن زعماء أحزاب المعارضة الوهمية الذين صدعونا منذ عقود طويلة بالحديث عن غياب الحرية والديمقراطية، والحديث عن تزوير الانتخابات. حتى جاءت انتخابات الشورى الأخيرة لتؤكد أن ديمقراطيتهم تتوقف عند أبواب أحزابهم، وأن الحرية التي يناضلون من أجلها هي حريتهم في البقاء على كراسيهم والتربح من وراءها طوال حياتهم، وأن أحاديثهم المملة عن تزوير الانتخابات تكون فقط عندما كان هذا التزوير يحرمهم من المقاعد الوثيرة تحت القبة، أما أن يأتي بهم التزوير لتلك المقاعد فمرحباً به، وأما أن ينجح أربعة من مرشحي أحزاب المعارضة في صفقة تزوير مفضوحة يحصل بعضهم فيها على أصوات لم يحصل عليها رئيس الجمهورية في دوائرهم، وفي انتخابات لم يذهب إليها أحد، ولم يصوت فيها أحد ... فلا تثريب عليهم، ولتذهب دعاواهم القديمة المملة عن التزوير إلى الجحيم.
أقنعة أخرى سقطت عن حماة العدالة والقانون بعد الشقاق الذي حدث بين جناحي العدالة، ذلك الشقاق الذي اعتصم فيه أفراد جناح منهما بسلطتهم وحصانتهم ومنصاتهم العالية، واعتصم أفراد الجناح الآخر بقوتهم وقدرتهم على تعطيل العدالة ومصالح الناس. وغاب صوت العقل في أكثر مكان يجب أن يعلو فيه صوت العقل، وبدلاً من أن يترفع من بيده الحكم عن أن يكون خصماً وحكماً في نفس الوقت، ويترفع من بيده القوة عن استخدامها بديلاً عن القانون في رفع الظلم. داس الجميع على القانون ... وسار كل في طريقه، وخرج شيوخ أجلاء يتحدثون بأحاديث الانتقام عن تجويع الأخر وتركيعه، وأنه لا تسامح ولا صلح ولا مهادنة وكأننا في حروب الجاهلية، والأغرب من ذلك أنه خرج رجال كنا وما زلنا نحبهم ونحترمهم ونجلهم، رجال كانوا منذ سنوات قليلة يقودون انتفاضة عظيمة من أجل استقلال هيئتهم ومهنتهم – ذلك الاستقلال الذي هو ضمانة لنا جميعاً – فإذا بهم اليوم يتخندقون في خندق المهنة الضيق بديلاً عن باحة الوطن الواسعة، ويبررون بروح قبلية بغيضة لزملاء لهم التنكيل بخصومهم، ويدافعون في الصحف والفضائيات عن الافتئات على أبسط قواعد العدالة في التحقيق والمحاكمة.
وفي أزمة الزواج الثاني للأقباط الذي فجره حكم المحكمة الإدارية العليا سقطت أقنعة كثيرة أولاها عن بعض شركاء الوطن الذين يصرخون يومياً – ولديهم الحق – من تعصب شركاؤهم في الوطن ضدهم بدعاوى ومزاعم دينية، ويصيبهم الرعب – ولديهم كل الحق – من تكريس الدولة الدينية في مصر، ويعرفون أن لا خلاص لهم سوى في الدولة المدنية. فإذ بهم يكرسون وبكل وضوح للدولة الدينية ولثقافة القبيلة حين يعتصمون بالكنيسة مطالبين بتجاهل حكم قضائي صادر من أعلى جهة قضاء إداري لأنه يتعارض مع تفسير البعض منهم أو فهمهم لنصوص الكتاب المقدس. وبدلاً من الاحتكام للقانون والامتثال لحكم المحكمة الذي استند لتفسيرات أخرى للنصوص وللائحة وضعها رؤسائهم الدينيون منذ زمن ليس ببعيد، وجرى العمل بهذا التفسير سنوات طويلة قبل وبعد اللائحة، ترك هؤلاء الغاضبون باحة الوطن الواسعة وتخندقوا في خندق الدين الضيق، ونسي هؤلاء الغاضبون أن الحكم صدر لمن طلبه، وأن كل واحد منهم يستطيع ألا يطبق هذا الحكم على نفسه بأن يمتنع عن الطلاق أو الزواج الثاني مادام هو يرى أن النصوص المقدسة – حسب تفسيره – لا تقر هذا الطلاق,
قي هذه الأزمة لم تسقط الأقنعة فقط عن هؤلاء الغاضبين، ولكنها سقطت أيضاًَ – وهذا هو الأهم – عن بعض المدافعين عن حقوق الإنسان والذين يديرون جمعيات تتلقى تمويلاً بالملايين من أجل نصرة قضايا الحرية والعدالة وحقوق الإنسان فإذا بهم يتخندقون في خندق التعصب الضيق والقبلية البغيضة، وراحوا يدوسون بأقدامهم كل ما كانوا ينادون به من حرية وعدالة وحقوق إنسان، مع أن أبسط حقوق الإنسان هو حقه في اختيار حياته الخاصة والأسرية، وحقه في الهروب من حياة تعيسة.
توالت الأزمات تترى وفي كل أزمة تسقط الأقنعة عن أصحاب الشعارات الزائفة والمبادئ المصطنعة، لتبدو الوجوه والأفكار على حقيقتها، وتعود مصر قروناً للخلف حيث لا سيادة للقانون أو المنطق أو العقل أو الحكمة، وإنما السيادة كل السيادة للنعرات القبلية والطائفية، وللقاعدة الذهبية في مصر الآن " أنصر أخاك ظالماً وساعده على الظلم كلما استطعت لذلك سبيلا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية معبر رفح لسكان قطاع غزة؟ I الأخبار


.. الالاف من الفلسطينيين يفرون من رفح مع تقدم الجيش الإسرائيلي




.. الشعلة الأولمبية تصل إلى مرسيليا • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لماذا علقت واشنطن شحنة ذخائر إلى إسرائيل؟ • فرانس 24




.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا