الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برسيبوليس

احمد ثامر جهاد

2010 / 6 / 17
الادب والفن


شهادة إنسانية عن أفول الأحلام في إيران الثورة

لم يتعرض فيلم من الأفلام السينمائية التي تصور شكل الحياة في ظل الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى حملة مضادة تستهدفه بالنقد والتشويه والمنع بقدر ما تعرض له فيلم الرسوم المتحركة برسيبوليس. وليس من المبالغة القول انه احد اشد الأفلام السينمائية التي وجهت نقدا لاذعا لواقع الحياة في إيران عشية ثورة الخميني أواخر السبعينيات وما تلا ذلك من أحداث جسيمة تركت أثرها البليغ على حياة الناس وأبرزها سنوات الحرب العراقية الإيرانية،خاصة وان كاتبة ومخرجة الفيلم إيرانية الأصل مارجان ساترابي اعتمدت في بناء حكاية فيلمها على سيرتها الشخصية التي وثقت بأسلوب شيق وسرد واقعي ما تعرضت له في طفولتها من مضايقات على يد رجال الدين،دفعتها لاحقا إلى أن تترك بلادها وتتوجه إلى النمسا،ومن ثم إلى فرنسا، في رحلة قسرية أبعدتها عن وطنها الإيراني إلى يومنا هذا.
وقد سبق لمارجان ساترابي ان نشرت حكايتها تلك على شكل قصة مصورة ترجمت إلى لغات عدة منها العربية. وأبقت المؤلفة على مسار القصة الدرامي في فيلمها المنتج فرنسيا والذي يقوم النجمان الفرنسيان الشهيران كاترين دينوف وسيمون أبكاريان بالأداء الصوتي للشخصيات الرئيسية فيه.
برسيبوليس أو مدينة الفرس،الفيلم الذي اختارت الإيرانية ساترابي بمساعدة فانسان بارونو أن تقدمه بطريقة الرسوم المتحركة وباللونين الأسود والأبيض ينتقد بأسلوب تهكمي الأوضاع السياسية والاجتماعية في ظل حكم الشاه،وتاليا في ظل الجمهورية الإسلامية التي فرضت رقابتها الدينية الصارمة على الحياة الإيرانية بقسوة لا مثيل لها،تركزت بشكل أساسي في لائحة المحظورات التي قيدت حرية المرأة الإيرانية وأبعدتها عن الحياة العامة خلف شريعة الحجاب.حتى ان الحوادث الصغيرة التي كوّنت عالم الطفلة مارجان،العاشقة لاغاني الروك اندرول والملابس الأوربية شكلت ملامح تجربة إنسانية مريرة بالنسبة لمن نشأ في ظل مجتمعات شمولية مغلقة لا تؤمن إلا بما تمليه عليها عقيدتها المطلقة.
يتناول الفيلم حياة أسرة مثقفة من الطبقة الوسطى ذات ميول يسارية،مؤيدة لحركة الإطاحة بنظام الشاه في إيران وتربطها علاقات طيبة مع معارضين سياسيين من غير المنتمين للتيارات الدينية،وذلك من خلال سرد الفتاة مارجان بحواسها الذكية لذكريات طفولتها عن تلك الفترة العصيبة التي سلبت منها العديد من الأقارب والأصدقاء وبينهم من كان له لاحقا أثرا فعالا في تشكيل تصوراتها عن الحياة والسياسة في إيران.
أقوى مشاهد الفيلم ركزت على إبراز مشاعر الإحباط والقسوة التي يتعرض لها هؤلاء المعارضين عقب استئثار الإسلاميين بالسلطة..آنذاك لم يعد أمام من يحب مواصلة حياته بعيدا عن عقيدة الثورة من خيار سوى الهروب خارج إيران.
من هنا تقرر ساترابي السفر إلى الغرب بعد تعرضها لسلسلة من الفقدانات والأوجاع الشخصية في ظل مناخ التحريم الأخذ في التوسع. لكن الغرب المنشود لم يكن ملاذا مثاليا مناسبا لفتاة تبحث عما هو نقي في عواصم تفترسها حمى الأنانية والنظرة العنصرية،سيما بالنسبة لمن ينتظر ان يكون المنفى بديلا فردوسيا عن وطنه المأزوم. سنشهد خلال أحداث الفيلم التالية فشل ماريان في استيعاب حياة المنفى والتخلص من الشعور بكونها مختلفة عن الآخر،كائن جريح،هوية قلقة،طموح زائف. فنراها تتخلى - في لحظة حرجة- عن هويتها لتعلن بلسان بارد انها (فرنسية) من دون ان تكون واثقة من انها فعلت الأمر الصواب أو أن أحدا سيصدقها أو يحبها جراء ذلك.
وفقا لروايتها الفيلمية لم تكن مارجان صفة الشر المطلق،مثلما لم يكن الغرب المنشود الخير كله. في غضون ذلك الترحال تفقد الفتاة حماسها وعذريتها،مستسلمة لخيار العودة إلى إيران؛ الوطن،والأهل،والمنفى الأول. حينها تكون حرب الثمان سنوات قد وضعت أوزارها بعد ان أزهقت آلاف الأرواح ودمرت إمكانات الدولة والمجتمع في النهوض بالحياة مجددا. ومع ان ثمة نسائم انفراج نسبي في الحياة الإيرانية خلال عقد التسعينيات إلا انها لن تكون كافية لمنع مارجان من العودة ثانية إلى بلاد الغرب، ولكن هذه المرة برغبة اكبر وعزم ثقافي اشد يتطلع إلى اكتناه تجربة الحياة الغربية بما هي عليه واستثمار فرصها الايجابية .
ربما يعد خيار المخرجة والكاتبة مارجان ساترابي في تبليغ رسالتها عبر لغة الرسوم المتحركة بروحها المرحة وبإطار انشغالها التعبيري في اللعب على ثنائية الأسود والأبيض الغنية بالدلالات،خيارا ذكيا لمنح حكايتها تأثيرا وجدانيا وانتشارا شعبيا واسعا.
ورغم جهود المعارضين لفيلم برسيبوليس التي وصلت إلى حد مخاطبة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي بذريعة إساءة الفيلم لحقيقة الثورة الإيرانية،وكذلك محاولة إيقاف عرضه في لبنان وإخراجه من المشاركة في مهرجان بانكوك،إلا انه حصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان 2007،وجائزة أفضل سيناريو مقتبس في مهرجان سيزار،فضلا عن ترشّحه لجائزة الأوسكار عام 2008 عن فئة أفضل فيلم رسوم متحركة.
ولن يمنع الجدل المثار حوله من اعتبار فيلم برسيبوليس وثيقة إنسانية جريئة تنشد احترام الحريات الفردية وخيار الإنسان في حياة كريمة بعيدا عن أساليب العنف والاستبداد الايديولوجي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث