الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احبس صحفياً.. نعفيك من الضريبة العقارية!

سعد هجرس

2010 / 6 / 18
الصحافة والاعلام


للوزير أجران إذا حبس صحفياً، وأجر واحد إذا حاول وفشل ولم يستطع سوي تغريمه أو تدويخه السبع دوخات وجرجرته في المحاكم.
هذه فيما يبدو »الحكمة« التي يهتدي بها بعض وزرائنا الأفاضل، الذين يتلذذون من تحريك الدعاوي القضائية ضد الصحفي الذي تسول له نفسه انتقاد سياسة سيادته، بدلاً من الرد علي هذا النقد المشروع بالمعلومات والحجج والأرقام كما يحدث في جميع البلدان الديمقراطية.
وهذا ما حدث مع زميلنا وصديقنا وائل الإبراشي رئيس تحرير جريدة »صوت الأمة«، والزميلة سمر الضوي المحررة بالجريدة ذاتها.
والسبب هو استياء وزير المالية، الدكتور يوسف بطرس غالي، من الحملة الصحفية التي شنتها »صوت الأمة« ضد قانون الضريبة العقارية، فما كان من الوزير سوي تقديم بلاغ للنيابة العامة اتهم فيه وائل الإبراشي وسمر الضوي بتحريض المصريين علي الامتناع عن دفع هذه الضريبة، وطالب بتطبيق المادة 177 من قانون العقوبات عليهما.
ويلفت النظر في هذه الخطوة التي أقدم عليها الوزير ما يلي: أولاً: ان قانون الضريبة العقارية ــ أو أي قانون آخر ــ ليس نصاً مقدساً، وليست له قداسة نصوص القرآن والأناجيل، وبالتالي من حق أي صحفي، وأي مواطن أن يتناوله بالنقد والتحليل ويطالب بإلغائه أو تعديله، وهذا حق دستوري لا يمكن الافتئات عليه أو المجادلة فيه.
ثانياً: من حق وزير المالية ــ بالمقابل ــ أن يرد علي هذا النقد وأن ينشر رده بنفس البنط وفي نفس المساحة وفي نفس الصفحة.
وقد حرص الدكتور يوسف بطرس غالي ــ أثناء مناقشة مشروع قانون الضريبة العقارية ــ علي عقد جلسات موسعة مع العديد من الصحفيين والإعلاميين وغيرهم لاستطلاع آرائهم، واستمع إلي العديد من التحفظات والاعتراضات ورد عليها كما يحدث في مثل هذه الحالات.
فلماذا لم يرد الوزير علي ما كتبه وائل الإبراشي وسمر الضوي وكفي الله المصريين شر القتال؟!
ولماذا استسهل الوزير تحريك الدعوي القضائية بدلاً من إفساح المجال أمام حوار حر بين الرأي والرأي الآخر؟!
ثالثاً: يزيد من إلحاح السؤال السابق أن التحفظات علي هذا القانون بالذات لم تكن وقفاً علي وائل الإبراشي وسمر الضوي وحدهما، بل شاركهما فيها عدد كبير من المشتغلين بالصحافة والإعلام والشأن الاقتصادي.
وأكثر من ذلك فإن رئيس الجمهورية شخصياً قال إن هذا القانون »لم يحسم بعد«.. وجاءت تصريحات الرئيس حسني مبارك بهذا الصدد بعد صدور القانون والتصديق عليه، وعكست هذه التصريحات الرئاسية تفهماً لتخوفات المصريين من هذا القانون الذي انتقده الإبراشي.
والسؤال الذي يستتبع ذلك هو: ألا يتناقض هذا الموقف الرئاسي مع تربص الوزير بمعالجة صحفية لنفس القضية؟!
رابعاً: لماذا تم اللجوء إلي المادة 177 من قانون العقوبات بالذات، التي لم تستخدم من قبل إلا في قضايا التنظيمات المسلحة؟
ألا يعكس ذلك حالة من التربص ورغبة في التنكيل بالصحفي الذي تجاسر علي انتقاد الوزير وسياسته، لأن هذه المادة ــ التي لم يتم استخدامها من قبل النزاعات السابقة مع الصحفيين ــ »تعاقب بالسجن« لمدة تصل إلي خمس سنوات، والحبس فيها »وجوبي«، أي أن النية مبيتة علي الحبس وليس شيئاً أقل من ذلك.
بيد أن الأستاذ مصطفي عبدالغفار المحامي بالنقض قد أكد لنا أن المادة 177 من قانون العقوبات لا تنطبق علي حالة وائل الإبراشي.
لماذا؟
لأن هذه المادة تنص علي أن »يعاقب بنفس العقوبات كل من حرض غيره بإحدي الطرق المتقدم ذكرها علي عدم الانقياد للقوانين أو حسَّن أمراً من الأمور التي تعد جناية أو جنحة بحسب القانون«.
وهذا النص يحيلنا مباشرة إلي المادة 174 التي تنص بدورها علي ما يلي: »يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد علي عشرة آلاف جنيه كل من ارتكب بإحدي الطرق المتقدم ذكرها فعلاً من الأفعال الآتية:
أولاً: التحريض علي قلب نظام الحكم المقرر في القطر المصري أو علي كراهيته أو الازدراد به.
ثانياً: تحبيذ أو ترويج المذاهب التي ترمي إلي تغيير مبادئ الدستور الأساسية أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة أو بالإرهاب أو بأية وسيلة أخري غير مشروعة، ويعاقب بنفس العقوبات كل من شجع بطريقة المساعدة المادية أو المالية علي ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين دون أن يكون قاصداً الاشتراك مباشرة في ارتكابها.
والواضح من »الطرق« الواردة في النصوص المشار إليها ــ حسب الأستاذ مصطفي عبدالغفار المحامي ــ أنه ليس من بينها الوسائل الإعلامية علي وجه الإطلاق.. وإنما المقصود الوسائل الانقلابية واستخدام القوة، وهذا هو سبب استخدام المادة 177 في قضايا التنظيمات المسلحة فكيف نطبقها علي وسائل الإعلام؟!
ألا يؤكد ذلك التربص والتلمظ للتنكيل بالصحفي الخصم بأي صورة من الصور، حتي إذا كانت تنطوي علي التجني الواضح؟!
خامساً: لا يمكن النظر إلي تحريك الدعوي القضائية ضد وائل الإبراشي وسمر الضوي بمعزل عن بقية أجزاء الصورة، والأجزاء الأخري تبين أن المسألة ليست فردية وليست مقتصرة علي وائل الإبراشي وسمر الضوي، بل إن هناك سلسلة من التحركات لجرجرة الصحفيين في المحاكم ومحاولة الزج بهم إلي غياهب السجون، فهناك القضية المرفوعة علي عادل حمودة رئيس تحرير »الفجر«، والقضية المرفوعة علي مجدي الجلاد رئيس تحرير »المصري اليوم« وخالد صلاح رئيس تحرير »اليوم السابع« وزملاء آخرين في الجريدتين، والقضية المرفوعة ضد صابر مشهور في جريدة »الشروق«، وبلال فضل وأسامة غريب وغيرهما في »المصري اليوم«.
إذن.. نحن لسنا إزاء حالة فردية وإنما نحن في الحقيقة إزاء هجوم واسع النطاق وعدوان حقيقي يستهدف حبس الصحفيين وتكميم أفواههم والنيل من حرية الصحافة.
وكل هذا الاصرار علي حبس الصحفيين يتم رغم مرور سنوات علي وعد الرئيس حسني مبارك بإلغاء التشريعات التي تجيز الحبس في قضايا النشر، أسوة بالبلدان الديمقراطية التي تخلصت من هذا الإرث الاستبدادي الذي يصر علي العقوبات السالبة للحريات في مجال لا يتطلب ــ بطبيعته ــ مثل هذه العقوبات الجسدية.
ولذلك فإن المطلوب اليوم ليس فقط التضامن مع الإبراشي والضوي، وإنما المطلوب أيضاً ــ وأساساً ــ مواصلة نضال الصحفيين ــ وكل القوي الديمقراطية المصرية ــ من أجل إلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر وتنقية القوانين المصرية من المواد البالية الموروثة من العصور الاستعمارية المعادية لحرية الصحافة.
>>>
لكن السؤال الذي لا يقل أهمية عن كل ما سبق هو: لماذا الإصرار علي استعداء الصحفيين الآن بالذات، أي في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من احتقان شديد يهدد الوطن والأمة بأخطار هائلة في ظل هذا الاصطدام المروع بين الكنيسة وبين القضاء، بين المحامين وبين القضاة، فيما يشبه »الفتنة الكبري« التي تضع مصير البلاد علي المحك؟
فلمصلحة من يتم استعداء الصحفيين في هذا الوقت العصيب ومحاولة جرهم إلي دائرة الفتنة؟
مَنْ الذي له مصلحة في صب المزيد من الزيت علي النار المشتعلة بالفعل، وفي وقت تتطلب فيه مصلحة البلاد العليا إطفاء الحريق المشتعل لا إلقاء المزيد من الحطب عليه؟!
>>>
لكل هذه الاعتبارات نرجو أن يعيد الدكتور يوسف بطرس غالي حساباته، وألا يمعن في استعداء الصحافة والصحفيين، خاصة أنه سبق له الاتفاق مع نقيب الصحفيين الأستاذ مكرم محمد أحمد علي وقف إجراءات التقاضي ضد الزميل وائل الإبراشي.. وبناء علي هذا الاتفاق قال النقيب منذ شهرين إن القضية تمت تسويتها بين الطرفين وان الوزير قد تنازل عنها، فلماذا تراجع الدكتور يوسف بطرس غالي عن هذا الاتفاق، وألا يعد هذا التراجع إهانة لنقيب الصحفيين شخصياً ولنقابة الصحفيين بأسرها؟!
>>>
لازال هناك بقية من أمل في التراجع عن التراجع، وبقية أمل في الاحتكام إلي صوت العقل والحكمة بعيداً عن شهوة الانتقام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الإعلام ككل شيء في مصر يحتاج للإصلاح
سامي المصري ( 2010 / 6 / 19 - 21:49 )

الأستاذ سعد أتفق معك في كثير مما تقول وفي الخطوط العريضة والمبادئ. ليس معنى ذلك أن الصحافة لها مطلق الحرية، بل ينبغي أن تكون ملتزمة بالهدف الإصلاحي وبميثاق الشرف الصحفي، للعمل من أجل خدمة المواطن المصري والمصلحة العليا للبلاد. الصحافة هي جزء من المجتمع بكل ما فيه من خطأ وفساد وهي ليست بمنأى عن المراجعة. وبما للكلمة من أثر وقوة فيلزم ترشيدها ونقدها ومراجعتها حتى لا تتحول لقوة مخربة. السيد وائل الإبراشي كإعلامي وصحفي أستطيع أن أصفه بالتعصب والعنصرية التي تصل في بعض المواقف لحد إثارة الفتنة. التعصب الديني في مصر هو قنبلة موقوتة مخيفة، وهناك عدد ليس بقليل من الإعلاميين ومنهم السيد وائل الإبراشي وجريدته لا يكفون عن الإثارة الطائفية. فهم يلعبون بالنار ويلزم إيقاف مثل هؤلاء الكتاب عن إثارتهم الخطرة. وكما تقول سيادتك مَنْ الذي له مصلحة في صب المزيد من الزيت علي النار المشتعلة بالفعل!!! من فضلك راجعني إن كنت مخطئ؛
مع تحيتي لشخصك

اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية