الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ثقب الكاميرا: حقيقة الجسد أم وهم خياله؟

يوسف ليمود

2010 / 6 / 18
الادب والفن


تنفتح حدقة العين فينطبع المنظر من خلال معجزتها الشبكية على إحدى خلايا الذاكرة التي تمكث في عمق الطبقات والسنين مشكّلةً جزيْئاً من وجود الشخص نفسه (هل نحن سوى ما خزّناه في ذاكراتنا من أحداث وصور؟)، فلم كانت الحاجة إلى عدسة أخرى أمام العين تنفتح وتنغلق بضغطة زرٍ لتثّبت منظراً ما؟ هل هي الرغبة في إيصال خبرة بصرية أو رؤية أو مجرد منظر عادي لمسَنا إلى الآخر؟ أم هي الطاقة الفنية التي وجدت في الصورة الفوتوغرافية وسيطاً مغايرا للرسم أو الوصف الأدبي، أم أن هذه العملية هي أكثر تعقيداً على المستويين النفسي والوجودي من مجرد لعبة زر وسبابة؟
غريزة الإنسان في تسجيل منظر ما بدأت مع بداياته منذ خربش بالخطوط الحيواناتِ التي يرغب اصطيادها على جدران الكهوف والذي عنها تطور فن الرسم والتصوير، كذلك في الحكي الشفهي الذي تطور عنه الأدب. غير أن شيئاً ما كان ينقص وسائط التعبير والتصوير تلك، وهي إدراك الإنسان المتطور أنها تصوير لشيء وليست الشيء نفسه. لذا كان السعي للاقتراب من فكرة الشيء نفسه وليست صورته. ولعلنا نجد في مَثل أفلاطون الشهير عن عالم المُثُل العليا وعالم الوهم (الواقع) الذي صوّر فيه مجموعة من البشر داخل كهف لا يرون على حائطه سوى انعكاس الظلال والخيالات التي يمررها الضوء عبر الفتحة، هو أول تصور في التاريخ لفكرة الكاميرا: ينعكس المنظر كظل وهمي على جدار الغرفة المظلمة ليخلق صورةَ الصورة، بينما الصورة نفسها (المثال) في الخارج، حيث النور الباهر يغمرها كلحمٍ حي. كما أن عبقرية ليوناردو دافينشي التي جمعت العالِمَ بالفنان، انبثقت عنها نظرية آلة التصوير في تجربةٍ مسجلة حيث قام بإنشاء غرفة ذات فتحة ضوء صغيرة استطاع من خلالها التقاط صورة الجسم الذي يثبته في النور أمام فتحتها. هذا، وبغض النظر عن مفارقة أن ليوناردو كان مصوراً فائق الدقة والحساسية، يدعّم فكرة محاولات الإنسان الإمساك بالجسم في ذاته وتثبيته ولو على شاشة. فالرسم والتصوير، الزيتي أو المائي او بما يشبههما من خامات، ليسوا في الأخير سوى تصورات الرسام نفسه، تحمل من روحه وأسلوبه ومقاييسه الشيء الكثير، مهما التزمت الدقة والشَبه ومقاييس الطبيعة الظاهرية للوجه أو الجسم أو الشيء المرسوم. إذاً نحن أمام رغبة أكثر عمقاً من مجرد فكرة تسجيل الواقع حتى لو بدأ البحث عن اختراع الكاميرا بفكرة تسجيل الواقع. فاللقطة في جوهرها هي اقتطاع لجزيْئ من الزمن وتجميده في حيز ورقة، في حين أن الواقع مسحوب بلجامٍ خفيٍ من يد كبيرة تجر معها الكون بكامله إلى ما لن يعرفه أحد. الجسم سائر وسارٍ في سيرورته بلا برهةِ توقّف، حيث الآني يصبح ماضياً في اللحظة التي نجمّده فيها لنسجّله أو لنسائله. فكرة الكاميرا هي فعل ماضٍ في المطلق. إنها، بشكل غير واعٍ، الهلع الإنساني من المستقبل: أنا أريد لصورتي أن تكون في أجمل وجه، أبهى تعبيراً، أنضر شباباً. وأنا أتخلص فوراً من صورتي التي خانتني فيها سرعة اللقطة فلوَت ابتسامتي أو أغمضت عيني لحظة طرفِِها أو كشفت عيباً أتحاشى غالباً أن أنظر إليه في المرآة لأنه سرّي وربما حقيقتي. السؤال هو: لماذا الحاجة إلى الصورة الفوتوغرافية مادمنا نمتلك ذاكرة ينحفر عليها مانراه ونعايشه بأكثر مما يُرسِّخ الحامضُ الخيالَ على الورقة لتصير صورةً؟ أهي الحاجة إلى تذكير أنفسنا والآخرَ بأننا موجودون؟ أم تراها دفاع ضد الزمن والعجز (ورقة في أيدينا نقول بها: كنّا!)؟ أم هي نوع من عشبة جلجامش تضمن لنا شُعَيرةً من خلود ولو كانت عرضة لتصير رماداً في لحظة؟ أم أن الأمر أبسط من هذا ولا يتعدى حدود العادة أو اللعبة، حيث هناك من لا يحب أبداً أن تُلتقط له صورة؟ إنها أسئلة تبقى مطروحة مادامت الرغبة تنتج صوراً: رغبة العين التي وراء الكاميرا، ورغبة العين التي ترغب رؤية الصورة أو اقتنائها. لكن ما الذي ترغبه الكاميرا؟
يقول رولاند بارت: "منذ اختراع الكاميرا 1839 ظلت الفوتوغرافيا وثيقة الصلة بالموت"، هذا يعني أيضا أنها وثيقة الصلة بالحياة. وصِلة الكاميرا بالحياة حاضرة بقوة من خلال الإيروتكية التي، بغض النظر عن نية الفوتوغرافي، إنْ كانت تجارية أم فنية أو مجرد تلصص على حميمية، هي قبض على لحظةِ جسدٍ في توتّره، شبقه، تحرّقه، انتشائه... إنها بؤرة الطاقة الحبيسة في الجسد: تلوّيه، تقيمه وتقعده، تعيد تشكيل ملامحه وتعبيراته حتى ليبدو الوجهُ وجهاً لآخر وليس الشخص ذاته، وجهَ الآخر فينا. هذا يشير ضمناً إلى رغبة الجسم المصوَّر في استعراض ذاته. لابد أنها فيضُ شهوةٍ لدى البعض. كذلك بَحْلقة العدسة في الجانب الآفل من الحياة، أليست هي شهوة وجودية مستترة، نجسّ فيها بطرف إصبع مرتعش تلك الجثة الباردة التي سنصيرها يوماً ما؟ إن رغبتنا في رؤية وجه الموت وحواشيه في صورةٍ يُرجِف في سِرّنا شعوراً خبيثاً بسعادة أننا أحياء، نَجَوْنا، أننا خارج الإطار الثلجي البغيض الذي يدعى الموت. بين هذين الطرفين: الشبق والموت، وهما يشبهان ثعباناً يأكل ذيله، تنزلق عين الكاميرا على جلدٍ مبرقش بكل أنواع الصور والظلال والأشكال والغرائز والنزوات من رقة وعنف، هدوء وصخب، سادية ومازخية، جمال وقبح، تحضر وبربرية، زهد وفحش، خجل وتبجح، حياء ودعارة، انسجام وتمزق، عوالم لا تعرف إلا الليل حياةً ومعنى، وحدة، ألم، توحد، شجاعة، ضياع، سقوط، ومصائر. مصائر طوفان من بشر يأتون إلى الدنيا في أمواجها ويذهبون في الزبد، تاركين صوراً كانت يوماً حياة.
يوسف ليمود
مجلة جسد
[email protected]
يتبع: مان راي .. أنامل الفنان على أوتار الجسد وظلاله








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف