الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار المغربي...والمصير المجهول

عبد الاله بسكمار

2010 / 6 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


مظهريا فعموم الأحزاب المغربية ما زالت تعقد مؤتمراتها وتلملم هياكلها أحيانا ، في اجتماعات أشبه ما تكون بالروتينية ، وإذا استثنينا الأحزاب المحسوبة على الإدارة أوتلك التي أصبحت تضع مسافة بينها وبين ذات الإدارة ، بحسبانها - أي الأحزاب - تنتمي إلى خانة اليمين الليبرالي أو الوسط الآخذ من هنا وهناك ومعها التنظيمات الأصولية( التي يمكن إفراد الحديث عنها) فان التنظيمات اليسارية المغربية تعيش حقبة جزر لا تحسد عليها...بل يمكن الحديث عن تراجع رهيب ليس في عمل ونشاط تلك الأحزاب فحسب ،ولكنه يشمل الممارسة السياسية ككل...إلى حد أعلن معه الكثيرون موت السياسة ونهايتها في...المغرب ..وتحديدا ... ومعها نهاية اليسار والاتحاد الاشتراكي تحديدا ...بعد مرور أزيد من عقد على ما سمي بالتناوب التوافقي...لا ينكر إلا متنطع أو مريض مصاب بالبارانويا ما قدمته أحزاب وتنظيمات اليسار للشعب المغربي ولمسار التطور الديمقراطي في البلاد...فالقوى الوطنية والديمقراطية( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – التقدم والاشتراكية – منظمة العمل سابقا...) ومعها أيضا حركات اليسار الجديد..قدمت العديد من الشهداء والمعتقلين والمختفين والمنفيين سابقا، ونحتت مرحلة كاملة من تاريخ المغرب الحديث إلى حدود نهاية التسعينيات من القرن الماضي ، حينما قبل الاتحاد الاشتراكي (المفترض أنه الفصيل اليساري الأساس في المجتمع المغربي) مع حلفائه الدخول في تجربة التناوب التوافقي وتأسيس أول حكومة في هذا الاطاربقيادة المحامي والقيادي الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي ، استجابة لمسعى الملك الراحل الحسن الثاني ومقتضيات انتقال السلطة إلى ولي العهد آنذاك : جلالة الملك محمد السادس...قلت : لا يمكن إغفال أو تناسي مكتسبات قوى اليسار المغربي على اختلاف رؤاها ومواقفها ،وأثر ذلك على تنمية وتطور البلاد ...بل إن هذه التنظيمات شكلت مدرسة حقيقية للاطارت الوطنية والتقدمية ، التي ناضلت في سبيل الديمقراطية وتقدم البلد وترسيخ دولة الحق والقانون وإقرار الحقوق والحريات العامة وعلى رأسها : حق الشعب المغربي في الحرية والكرامة والخبز النظيف..من خلال المنظمات النقابية والمدنية والحقوقية والشبابية المختلفة ، فتحققت الكثير من الأشياء ، لكن أثر الانتكاسات والمنعطفات حجبت كل رؤية موضوعية، باستثناء كتابات رصينة هنا وهناك...مرة أخرى لا يمكن أن نحمل اليسار الوطني الديمقراطي أكثر من طاقته وأخطائه الفعلية ...ولا يجوزأن نلصق به كل رواسب وكوارث ما يناهز أربعين سنة من السياسات غير الشعبية في مجملها ، تحكمت خلالها فصول الصراع المحتدم بين السلطة والأحزاب الوطنية التقدمية ...فمسؤولية المأزق الذي وصلت إليه البلاد مع نهاية التسعينيات يتقاسمه بالأساس : الحكم من جهة وكل النخب السياسية من جهة ثانية بما فيها نخب اليسار ( وان بشكل أقل حدة ) وكانت النتيجة أن أهدرت البلاد عقوداثمينة من تاريخها أخلفت خلالها الموعد مع التنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، ....نعم التاريخ وحده ( ولا مجال ضمنه للبث في النوايا)كفيل بالحكم على تجربة التناوب التي تكاد الآن أن تلفظ آخر أنفاسها ...مع حكومة عباس الفاسي وتمثيلية هزيلة للاتحاد الاشتراكي ، الذي أصبح بعض قيادييه البارزين يتبارزون ويستميتون في سبيل المقاعد الوزارية للأسف الشديد...ومع ذلك يبقى من حق التاريخ مرة أخرى وحده الحكم الهادئ والموضوعي على التجربة.. ما لها وما عليها...رب قائل يعقب : وما شأن أطنان الشعارات والكتابات والكلمات الكبيرة التي راكمها اليسار منذ استقلال البلاد ؟ ألم نوعد بما يشبه الجنة على الأرض ؟ ألم يصرخ الزعماء بأن بلادنا لها كل المقومات لتحقيق العدل والعيش الكريم للجميع ( منذ قصة الألف فرنك من الفوسفاط للمواطن الواحد إلى تشغيل كل العاطلين....لا أعرف كيف ؟؟ )
إن الهوة بين الشعارات والواقع ، بين الكلمات والأشياء ، ظلت قائمة في خطاب اليسارعلى المستوى العالمي ، لأنه خطاب الإصلاح ...خطاب المأمول... رفض ماهو سائد.. ولهذا الأمر وجه ايجابي نافع وآخر سلبي ضار ، فالتغيير لا يمكن أن يتم بمعزل عن النماذج والبرامج والتصورات ، التي قد يتحقق بعضها أو جزء منها وقد لا يتحقق شيء منها فتقع الكارثة... وهنا تحضرني كلمات الجنرال البولوني ياروزولسكي " الشيوعية يوتوبيا ، لكن بدون يوتوبيا لا يتقدم التاريخ" و من ناحية ثانية، وهي حالة اليسار في المغرب وخاصة الاتحاد الاشتراكي ، من خلال مشاركته في تجربة التسيير الجماعي أولا ، ثم تجربة التناوب ، على صعيد تسيير البلاد ثانيا..فقد ظهرت النتائج الكارثية لهذه الهوة القائمة بين الكلمات والأشياء، رغم ما للأولى من قيمة في تعبئة وتأطير الجماهير..إذ تلاحظ هذه الأخيرة وبحسها البسيط أنه شتان بين الواقع والشعارات ..وللأسف الشديد تغلب هنا الجانب السلبي الضار في خطاب اليسار(أي ببساطة سؤال المصداقية )مع أنه ليس من حق أحد محاكمة القوم ولا الحكم النهائي على التجربة ، دون استحضار كل عناصرها ومتغيراتها .. وهي في كل الأحوال مهمة الباحثين أولا والمؤرخين ثانيا.. بعيدا عن كل المزايدات والحسابات الشعبوية أو السياسوية ...
قبل انهيار جدار برلين واستئساد العولمة المتوحشة ، ظلت أدبيات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تقوم على مقولتين جوهريتين ورائعتين معا " التحليل الملموس للواقع الملموس " والحقيقة وحدها ثورية " والواقع المؤلم الحالي يطرح على كل الغيورين أكثر من سؤال حول مصير هذا الحزب الوطني التقدمي الكبير في ظل إخفاقاته الانتخابية وتآكل رصيده الشعبي وعزوف الناس( وأساسا أغلب قواعده السابقة ) عن صناديق الاقتراع - على علات العملية الديمقراطية في البلد- واستنفاذ تجربة التناوب كل طاقاتها مع انتشار قيم الوصولية والانتهازية واشكال وألوان التسلق والتزلف والارتزاق ....الأوضاع المزرية للاتحاد الاشتراكي ولليسار عموما ، تفسر السبب بالنتيجة فما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه بل ما كان المجتمع ككل يعرف هذا الانحدار القيمي الرهيب ، في هذا المستوى لو لم يتعرض أكبر فصيل يساري للانتكاسات والخسارات المجانية أحيانا ( وللسلطة يد في ذلك دون شك)..والتي تصب ثمارها الناضجة في سلة الأصولية حتما.... الأصولية المتربصة بايديولوجيتها الشمولية الظلامية والفاشية ومع ذلك فالأمل قائم في بعث قيم اليسار من جديد ، لأن الطبيعة تخشى الفراغ...وذلك في إطار المجالات الجديدة التي تتيحها العولمة بما هي نتاج بشري كوني لن يكون حكرا على الشعبوية والأصولية والرأسمالية المتوحشة ...والحديث ذوشجون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام