الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاثة عبادلة

رياض الحبيّب

2010 / 6 / 19
الادب والفن


تنويه: هذه أقصوصة لافتة وصلت اليوم إلى بريدي الالكتروني، يبدو أنها منقولة من مدوّنة لمجموعة ما، لكني قمت بإجراء تحسينات على أسلوب كتابتها وتنقيحها ما أمكن.
____________________

يحكى أن قبيلة تعرف باٌسم "بني عرافة" وقد سُمّيت بذلك نسبة إلى تميّز معظم أفرادها بالمعرفة والعلم والذكاء. وقد برز من هذه القبيلة شيخ حكيم، كان لديه ثلاثة أبناء
سمّاهم جميعاً باٌسم واحد هو: عبدالله، ذلك لحكمة ما في ذهنه. مرّت الأيام فحان أجل الشيخ ليُتوفّى تاركاً وصية لأبنائه يقول فيها: عبدالله يرث وعبدالله يرث وعبدالله لا يرث.

فما ان قرأ الإخوة وصية الوالد حتى وقعوا في حيرة من أمرها، لأنهم لا يعرفون من بينهم الذي لا يستحق شيئاً من الإرث. وانتهوا بعد مشورة وسؤال إلى الذهاب إلى قاضٍ
مشهود له بالعدل والفطنة. قرّروا الإحتكام إليه ولو أنّ البلدة التي يعيش فيها بعيدة عن محل سكناهم. وفي الطريق إليه وجدوا رجلاً يبحث عن شيء ما؛ إذ سأل: هل رأيتم جملاً؟ ردّ عبدالله الأول بسؤال: هل الجمل أعور؟ أجاب الرجل: نعم. وتساءل الثاني: هل هو مقطوع الذيل؟ نعم. وتساءل الثالث: هل هو أعرج؟ نعم.
هلّل الرجل على أنّ الثلاثة لمحوا الجمل، لأنهم وصفوه بدقة. فتساءل مغتبطاً: أين رأيتموه؟
قالوا: لا، لم نره. ففوجئ الرجل متسائلاً في نفسه: أنّى لهم هذا الوصف ولم يروا جملي؟ حتى اتهمهم بالسرقة وناشدهم الذهاب إلى القاضي. ردّ أحدهم: بل نحن ذاهبون إليه فتعال معنا. وصل الرجال الأربعة إلى القاضي وتناوب كل من الطرفين على شرح قضيته. وبعدما انتهى من الإصغاء إليهم قال: إذهبوا الآن لترتاحوا من عناء السفر.

أمر القاضي أحد خدّامه بأن يقدم لهم وليمة غذاء وأمر آخر بأن يسترق السمع منهم أثناء تناول الطعام. فدار بينهم الحوار التالي؛ قال عبدالله الأول: إن المرأة التي أعدّت لنا الطعام حامل. وقال الثاني: إن اللحم الذي نتناول لحم كلب. وقال الثالث: إن القاضي ابن زنا!

وفي اليوم التالي، قام الخادم المعني بالمراقبة بإخبار القاضي عمّا جرى. ورأى القاضي بعدئذ علامات من الإرتباك واضحة في ملامح الخادم فدعاه إلى أن يفضي ما في جعبته. أجاب الخادم-بعد تردّد: هل تلتمس لي العذر والعفو فيما أبلغك. القاضي: ليكن لك. الخادم: ذكر الثالث أنّ سيادتك إبن زنا- أرجو عفوك يا سيدي كما وعدت. فذهب القاضي إلى تلك المرأة فوجدها حاملاً فدُهِش، لأنّ المُحدّث لا يعرف المرأة ولم يسمع عنها من قبل. كما انطلق إلى الجزّار ليسأل: ما الذي ذبحتَ يوم أمس؟ قال الجزّار: كلب. القاضي: لماذا؟ الجزّار: لم يكن في حوزتي غنم ولا ماعز. فذهل القاضي من معرفة العبادلة بالأمر إذ لا يعرفون من هو الجزار. وذهب القاضي أخيراً إلى أمّه يسأل
عن هويّة والده الحقيقية. فوجئت الأم واضطربت وترددت طويلاً قبلما قالت الحقيقة. ولقد توقعت بأن ابنها (القاضي) يُصاب بصدمة، لكنّ صدمة القاضي الفعليّة كانت موضوع أولئك العبادلة. فاستدعاهم وصاحب الجمل ليحلّ القضية برمّتها.

هكذا سأل القاضي عبدالله الأول: كيف عرفت أن الجمل أعور؟ قال: إن الجمل الأعور غالباً ما يأكل من جانب العين التي يرى بها ولا يأكل الأكل الذي وضع له في الجانب الذي لا يرى. أمّا أنا فقد رأيت في المكان الذي ضاع الجمل آثار الأكل فاستنتجت أن الجمل أعور.
وسأل عبدالله الثاني: كيف عرفت أن الجمل كان مقطوع الذيل؟ قال: إنّ من عادة الجمل السليم أن يحرّك ذيله يميناً وشمالاً أثناء البراز، ينتج من ذلك أن البعر
يتفتت على الأرض، إلا أني لم أر ذلك في المكان الذي ضاع الجمل بل العكس، رأيت البعر مكوّماً فاستنتجت أن الجمل مقطوع الذيل.
فسأل القاضي أخيراً عبدالله الثالث: كيف عرفت أن الجمل كان أعرج؟ قال: رأيت ذلك من آثار خفّ الجمل على الأرض فاستنتجت أن الجمل كان أعرج.
فاقتنع القاضي بأقوال العبادلة وأذن لصاحب الجمل بأن ينصرف. ثمّ عاد القاضي ليستجوبهم:
كيف عرفتم أن المرأة التي أعدت لكم الطعام كانت حاملاً؟ أجاب عبدالله الأول: لأن الخبز المقدّم في الوليمة كان سميكاً من جانب ورفيعاً من جانب آخر، ذلك ما لا يحدث إلا لطاهية ذات بطن كبير ما دعاني إلى استنتاج الحمل.
القاضي: وكيف عرفتم أن اللحم الذي أكلتم عائد لكلب؟ قال الثاني: إنّ لحوم الغنم والماعز والجمل والبقر تكون حسب الترتيب التالي: شحم ثم لحم ثم عظم. أمّا لحم الكلب فيكون: لحم ثم شحم ثم عظم- هكذا عرفت.
القاضي- منتظراً هذه اللحظة: وكيف عرفتم أني ابن زنا؟! أجاب الثالث: لأنك أرسلت شخصاً يتجسس علينا وغالباً ما يفعل ذلك الأشخاصُ الذين ولدوا من طريق الزنا. ردّ القاضي: وهل تعلم؛ لا يعرف بابن الزنا إلا ابن زنا! بعدئذ صرّح له: إذاً أنت الشخص الذي لا يرث من بين إخوته، بعدما تفوّهتَ بما لا يليق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ايها الحبيّب الكبير
عيساوي ( 2010 / 6 / 19 - 06:12 )
تحية من القلب


2 - رائع كعادتك
زهير دعيم ( 2010 / 6 / 19 - 16:38 )
اخي رياض انت رائع كالعادة في البحث والقصة والشعر والاهم في ايمانك المبني على صخر الدهور


3 - رائع جدا-
شهرزاد ( 2010 / 6 / 19 - 22:07 )
كل كتاباتك ومقالاتك رائعة .. الرب يباركك ويسدد خطاك


4 - أستاذ رياض كل ما تكتبه دائما مُمَيٌز
J hayek ( 2010 / 6 / 19 - 23:59 )
الواقع قصة طريفة جدا
تدل على ذكاء، وقوة ملاحظة كل من عبدالله ( ثلاثتهم)ه


5 - أحبّائي: كلمة الشكر وحدها لا تفي ولا تكفي
رياض الحبيّب ( 2010 / 6 / 20 - 10:55 )
الأحبّاء جميعاً ممّن تفضلوا- وتفضّلن- بالتعليق على هذه المادة وسابقاتها ممّا نشر لي؛ إنّ كلمة الشكر وحدها لا تفي تعبيراً لتقويم ما جادت به أقلامكم الجميلة والشفافة من ثناء وإطراء ولا تكفي ما في وجداني من عرفان بهذا الجميل والمشجّع من لدن كلّ منكم؛ لكني أسأل ربّ المجد أن يعوّضكم- ويعوّضكن- خيراً ونعمة فوق نعمة.

مع فائق المحبّة والتقدير

اخر الافلام

.. استئناف الدراسة الاحد في سوريا: إلغاء تعليم اللغة الروسية وت


.. الممثل بشار إسماعيل.. كيف نصب النظام السوري كميناً للإيقاع ب




.. تعمير - الاتحاد العربي لحماية حقوق الملكية الفكرية يكرم العا


.. الممثل السوري دريد لحام: لو تماديت في انتقاد الأسد لاستخرجتم




.. رسالة الممثل بشار إسماعيل لكل من يحمل هم سوريا