الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستحقاق المغيَّب

محمد السهلي

2010 / 6 / 19
القضية الفلسطينية


عندما يطيح بيان «حكومي» مقتضب باستحقاق وطني بحجم الانتخابات البلدية والقروية في الضفة الفلسطينية، فهذا يثير علامة استفهام كبرى حول مصير قواعد العمل الوطني الفلسطيني التي تبلورت مع نهوض الثورة الوطنية المعاصرة وأسست لجملة واسعة من الانجازات وضعت القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام الدولي.
ولم تنجح التصريحات المرتجلة في تقديم تسويغ منطقي لهذا التأجيل، وخاصة أنه جاء في الساعات الأخيرة من التحضيرات الواسعة وقبيل إغلاق باب الترشح واعتماد القوائم المشاركة مما يوحي بأن الاستعدادات لهذه الانتخابات لم تكن بمستوى حسابات البعض وتوقعاته.
وإذا صحت هذه التقديرات، فإننا نكون أمام معادلة صعبة يفترض واضعوها بأن تكون نتائج الانتخابات المتوقعة هي المعيار الأساسي لخوض غمارها وليس تلمس هموم المجتمع المحلي وقضاياه والسعي إلى حلها بما يخدم المواطن الفلسطيني ويخفف عنه ما يعانيه من ويلات الاحتلال.. وغيره.
لقد انتهت ولاية المجالس البلدية والقروية في الضفة الفلسطينية (وفي غزة أيضا)، منذ نهاية العام الماضي. فقد جرت مراحلها الرئيسية في العام 2005، وقد تنبه المجلس المركزي لمنظمة التحرير لهذا الاستحقاق الهام، ودعا إلى إجراء الانتخابات حتى لا يتم اللجوء إلى تعيين مجالس أخرى احتراما لقواعد اللعبة الديمقراطية ومن أجل تمكين المجتمع المحلي من تقييم أداء عمل المجالس السابقة ومحاكمتها ومن ثم انتخاب مجالس جديدة تكون أكثر اقترابا من مشاكل الناس وتفهم قضاياهم.
على ذلك، رحبت القوى والفصائل والشخصيات ومنظمات المجتمع المحلي بقرار تحديد موعد الانتخابات في السابع عشر من تموز (يوليو) القادم، وقامت لجنة الانتخابات المركزية بواجبها على أكمل وجه.
وعلى الرغم من واقع الانقسام الذي تعيشه الحالة الفلسطينية، فقد وجدنا في محطة الانتخابات هذه فرصة لتفعيل دور الجمهور الفلسطيني، وإخراجه من تداعيات حالة الانقسام من خلال اشتراك جميع مكونات المجتمع المحلي في هذا الاستحقاق الوطني. لذلك فإن الحديث عن إتاحة المجال لنجاح جهود المصالحة الوطنية كمبرر لتأجيل الانتخابات لا يملك أي دليل على صحته، لأن مهمة كبرى مثل استعادة الوحدة باتت تتطلب جهود الشارع الفلسطيني بجمهوره العريض والواسع الذي من مصلحته أن يخرج من دائرة المتلقي فقط لتداعيات الانقسام وكوارثه بعد أن تعطل الحوار الوطني الشامل، ووجد نفسه أمام سيناريوهات مكررة من التجاذبات الثنائية عمقت الانقسام وأضافت له تجليات لم تكن بالحسبان.
صحيح أن الجانب الخدماتي عنوان رئيسي في إطار الانتخابات البلدية والقروية، إلا أن واقع الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة يفرض الموضوع السياسي بامتياز على أجندة هذه الانتخابات وبرامج المرشحين، حيث يلعب الاحتلال بسياسته التوسعية والالحاقية الاقتصادية دورا كبيرا في إعاقة تنمية المجتمعات المحلية الفلسطينية، وتشكل الانتخابات بمقدماتها ومجرياتها ونتائجها محطة لتوحيد الجهود الشعبية في مواجهة سياسات الاحتلال وقاعدة لتوسيع المشاركة الجماهيرية في مقاومة الاستيطان في عموم الضفة الفلسطينية وهذا يشكل رافعة هامة على طريق قيام الدولة المستقلة من خلال إنهاض المقاومة الشعبية.
لقد أثبتت تجربة الانتخابات البلدية السابقة في الضفة وغزة، وعلى الرغم من الإجراءات العدوانية الإسرائيلية، أن الشعب الفلسطيني وقواه السياسية مؤهلان لإنجاز انتخابات ديمقراطية شفافة ونزيهة, وكانت بحق ورشة وطنية رائدة، أنجز من خلالها تجديد الهيئات والمجالس وعبر فيها المواطنون الفلسطينيون عن قناعاتهم بالمرشحين وبرامجهم، وشاركت فيها المرأة وقطاع الشباب بنشاط ظاهر أكد حيوية المجتمع الفلسطيني وإحساسه العالي بالمسؤولية، لذلك فمن واجب الحكومة وغيرها من الهيئات المعنية أن تقف باحترام أمام هذه التجربة، وألا تقف حجرة عثرة أمام تكريس هذا المشهد الديمقراطي في الحياة السياسية الفلسطينية بمستوياتها المختلفة.
إن من مخاطر وقف الانتخابات، أنه يفتح الباب أمام أصحاب نزعات التعيين الذي يبدو أنه لم «يستلطفوا» مبدأ الانتخابات وتعودوا على تعيين من يريدون في مواقع ومناصب مختلفة وفق معايير ضيقة مثل المحسوبية والولاء الشخصي أو الانتفاع المادي لتأتي الانتخابات وتطيح بهذه المصالح الضيقة وتفتح الباب واسعا أمام الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة ليقول كلمته الفصل ويختار من يجده أنظف كفا وأنصع سيرة نضالية ليأتمنه على مستقبله ويمضي معه باتجاه تحقيق مصالحه الاجتماعية والوطنية.
لذلك لا نستغرب إن كان هناك من يعارض إعادة الاعتبار لصندوق الاقتراع وللعملية الديمقراطية برمتها، خوفا على منصب هنا أو موقع هناك، حيث تكون رقابة الشعب حاضرة وحكمه جاهزا في محاسبة من يعتقد أنهم تورطوا في أي مظهر من مظهر الفساد، فالشعب الفلسطيني يدرك بحسه المرهف أن هذه المظاهر لا تنخر فقط في المجتمع وتسيء إليه بل إنها أيضا تكبح الطاقات الوطنية في مواجهة المهام الكبرى التي تنهض أمامنا في ظل الاحتلال وسياساته التوسعية واستشراء الاستيطان واتساع حملات التهويد وخطورة ما يبيته العدو الصهيوني من مشاريع تصفوية تنال من الحقوق الوطنية.
على هذا الأساس، يمكن لنا أن ننظر إلى الانتخابات ودورية إجرائها على أنها مهمة وطنية من الدرجة الأولى لا ينبغي الاستهانة بها ولا التلاعب بمواعيدها احتراما لحق الشعب الفلسطيني في إدارة شأنه أو على الأقل أن يحدد هو بملء إرادته الحرة من يستلم الدفة في إدارة الشأن العام.
وإذا كانت هناك من ظروف تمنع نجاح هذه الانتخابات، فإن هذا (في حال حدوثه) يعطي الحكومة حق تأجيل الانتخابات لمدة أربعة أسابيع فقط بحسب القانون، بعد أن تكون لجنة الانتخابات المركزية قد أوصت بذلك بناء على تقديرها لهذه الظروف. لكننا هنا أمام تأجيل مفتوح قررته الحكومة الفلسطينية في انتهاك واضح لنص القانون، وهذا يعني تعليق الانتخابات إن لم يكن إلغاؤها. وقبل ذلك يعني هذا استهتارا واضحا وفاضحا بمكونات الحالة الفلسطينية السياسية والاجتماعية التي استعدت لهذا الاستحقاق الكبير، ومن ثم تجد نفسها أمام قرار التأجيل غير المفهوم في قاموس العمل الوطني الفلسطيني وقواعده.
من جانب آخر، أشارت مصادر فلسطينية مطلعة أن واقع التجاذبات في حركة فتح لم ينتهِ فصولا، وأنه ما زال يعكس نفسه على نواح عدة في نشاط الحركة. وعلى الرغم من أننا ندرك أن أية تجاذبات من هذا النوع سوف تنعكس سلبا على الوضع الفلسطيني، إلا أننا نعتقد أن حل هذه التجاذبات يجب أن يكون داخل اطر فتح وهيئاتها، ولا يجب أن تكون محطة وطنية بحجم الانتخابات من ضحايا هذه التجاذبات الداخلية.
هنا، وأمام هذا الواقع من المفترض أن يعاد تصحيح الأمور لجهة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في السابع عشر من الشهر القادم. ومطلوب دخول منظمة التحرير بلجنتها التنفيذية من زاوية التزامها تنفيذ قرار المجلس الفلسطيني المركزي بإجراء الانتخابات ومحاسبة الحكومة والاطلاع على حيثيات التأجيل غير المبرر. وخاصة أن ملف مثل المصالحة الوطنية الفلسطينية هو على رأس اهتمام الحركة الوطنية الفلسطينية بقواها السياسية والاجتماعية، وليست مهمة اختصاص للحكومة فتجعل من نفسها أداة قياس صالحة لتوازن بين مسألة الانتخابات وموضوعة المصالحة وتحدد هي بالتالي أن إحداهما ستكون على حساب الأخرى.
من الطبيعي أن يقابل قرار الحكومة بمعارضة شعبية وسياسية من معظم القوى والفصائل والشخصيات الفلسطينية، ومن المهم هنا أن يكون الشارع الفلسطيني في مقدمة المدافعين عن حقه الديمقراطي وانجاز الاستحقاق الانتخابي في موعده. فمن الخطأ النظر إلى القرار وكأنه يلحق الضرر فقط بالقوى والفصائل، ونرى أنه من الواجب أن يؤخذ الأمر من زاويته القانونية وبمقياس قواعد العمل الوطني الفلسطيني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان