الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدغل

عبد الفتاح المطلبي

2010 / 6 / 19
الادب والفن


أنا وهم ، نعم أنا كذلك منذ لحظة صنعي ، منذ الفكرةالأولى في رأس الأستاذ ، علمت أنني فكرة أنتجها وهم، لذلك لم أكن مباليا ، عادة علي أن أبدي اعتراضا، لكنني لم أفعل،، جعلني أسلك كما يريد ، لكنني أثناء ذلك أكون مستفزا و مستثارا بلا طائل إذ علي أن أصبر حين يريدني أن أكون ما يرغب ، وهو يعلم جيدا إنه لا يستطيع أن يفعل ما يريد ني أن أفعل ، ذلك لنه يعتقد بأنه يختلف عني، إنه كائن واقعي يمارس العيش في الواقع، لكن الأمر إذا جردته من غلالته الواقعية التي تراكمت عليها خيوط غزلها خليط غير منسجم من رغبات الناس ، الناس الماثلين كدمى تتحرك و تتراقص بفعل فاعل يختبيء عند رؤوس تلك الخيوط و بداياتها غير الواضحة و هذا جزء مما ودَ الأستاذ استكشافه عبر صنعي و إطلاقي إلى المكان و في الزمان الذي يرغب ، خيوط فوق خيوط تشابكت و ضاعت رؤوسها و لم يعد ممكنا نكثها لذلك فإن الناس الذين هم كالدمى أصبحوا مخلوقات مهتزة تملؤها الريبة و الشك بكل شيء و في النهاية أصبح الهواء مريبا بالنسبة لهم ، لذلك فهم طالما رفعوا أنوفهم عاليا نحو السماء كما تفعل الذئاب الجائعة يتشممون الهواء و يتتبعون كل خيط غريب من الرائحة ربما كان قد تسلل عبر الهواء.
في هذه الظروف المشحونة بالشك صنعني الأستاذ و هو يعلم جيدا عندما جعلني ذلك الوهم الذي يعيش في داخله منذ الطفولة ، لم يكن يريد غير إطلاقي في دغل ذكرياته و عشب طفولته و أغصان يفاعته لكنه ارتكب خطأ جسيما ، إذ لم يجعلني طفلا أو فتى ،بل جعلني رجلا ناضجا كما هو الآن و ذلك هو الخلل الذي أحرج وجودي كوهم مصنوع ، باختصار أنا رغبته بزيارة عشب طفولته و هو بهذا العمر ،بل وكان بتقديره لأمكانياتي كوهم و كل ظني إن ذلك هو الخطأ الوحيد الذي ارتكبه، لكنني لا أستطيع أن ألومه فهولا يريد أن يرى ذلك كطفل غر ، بل يرغب أن ينظر إليها كما هو الآن لذلك لم يتردد بإطلاقي هناك و هو يعلم جيدا مدى خطورة تحريكي في ذلك الدغل القديم و المهمل في زمن آخر و بحجم أكبر كثيرا من حجم طفل ، الناظر لي لا يرى طفلا في دغل ذكرياته أو صبيا في عشب زمنه الماضي ، بل يرى رجلا في دغل مات و يبس منذ زمن بعيد و يعلم أن ذلك ملفت للإنتباه و مثير للشبهة ، أما أنا و إن كنت وهما صنعه الأستاذ ليطلقه في دغل ذكرياته إلا إنني أدركت ما صرت فيه من مأزق فوجدت نفسي أحتاط للأمر كثيرا و تحولت دون علم صانعي إلى شخص و لو كنت وهما إلا إنني مستريب و حذر ، رحت أتجول بحذر ، أتخفى لأن العيون لابد و أن تترصدني ، أقل ما يمكن قوله إنني وهم و تلك تهمة كبيرة ، أو إنني شخص مصنوع و تلك جريمةأو إنني إن لم أكن هذا أو ذاك فأنا رجل أتجول في حقل ميت ، عشب ذكرياته أصبح هشيما ، أفعل ذلك بزمن غير زمني ، لذلك لابد من أن أثير فضولا أو كراهية أو ريبة و كل ذلك تترصده السلطات و عندما أدركت ذلك بشدة و تركيز حاولت الإختفاء في الدغل ، صنعت لي ملاذا هناك و اختفيت ، لم أعلم حينها إن هناك بين فجاج الدغل و بين الأعشاب تختفي الطرائد عن أعين المطاردين و لم أعلم بأن الطرائد قد احتاطت للأمر و إنها تعلم مواقيت الصيد و مواسمه بشكل أكيد و تستطيع أن تتعرف بسهولةعلى كلاب الصيدو تميز أصواتها من بعيد ، أنا الوحيد الذي يجهل ذلك ولا يتقن صنعه و لا بد إنكم تعلمون لماذا كنت أجهل ذلك ، نعم...نعم كما تقولون ذلك لأنني مجرد وهم صنعه الأستاذ، و اقتادوني كطريدة مع مصير واضح و لم يتعبوا أنفسهم بالتردد في إعدامي فتهمتي واضحة لا يمكن إنكارها ، و لأنني وهم لم أكن مهتما و لست متألما لكنني علمت أن الأستاذ الذي صنعني لم يستطع بعد ذلك أن ينام لمجرد تخيله إعدامي لذلك فقد هجر النوم و راح يفكر ليلا و نهارا بطريقة لأنقاذ رأسي ، عجبت مما يجري، و عندما رحت أجري تقييما للوضع برمته وجدت أن لدي الرغبة في الموت كوهم مصنوع ، أود أن أتلاشى و بذلك تنتهي القضية و أنا كوهم وددت لو إنه لم يورطني بالغوص في وحل دغله و عشب ذكرياته العتيق .
في منتصف الليل جلس كالمجنون و اجتاز المسافة برعونة و عرامة واضحة ووصل إلى السجن و السجانين و أطلق سراحي ، رغم استغراب السلطات التي لم تنم بعد ، كنت أعلم طيلة بقائي في السجن إنه كان يلوم نفسه لأنه اعتفد دائما إن الوقت غير ملائم و لم يكن الزمن موافقا و مواتيا لصنعي و إطلاقي في دغل ذكرياته لذلك أغلق علي دفتره و راح ينتظر و عندما علم بكل تأكيد إن الأمور قد تغيرت و ذهب المستريبون و صارت حقول الذكرى و دغلها و أعشابها تنعم بالحرية أو هكذا ظن غالبا ، أخرجني من دفتره نفض عني الغبار و قال الآن هذا هو الزمن الملائم لكنني لازلت وهما من صنع الأستاذ و على الرغم من حقيقة كوني وهما إلا إنني تعلمت الريبة و عرفت الشك دون علم الأستاذ و لم أكن متحمسا لرحلتي الثانية ، إن ذلك لا يعني شيئا للأستاذ ولا للآخرين و لا يعني لي شيئا أيضا ، كيف يمكن أن يكون الوهم شيئا ما في يوم ما ، لذلك وجدت نفسي وسط دغل ذكرياته مرة أخرى و كانت وصاياه تلاحقني، لا تخف... لم يعد هناك ما يخيف ثم قال الدغل و مسافاته جعلته لك فارتع فيه كما تشاء رحت أفعل كم يرى فهو في النهاية من صنعني و خلال تجوالي في دغل ذكرياته اختلست النظر إليه فوجدته مطمأن البال ، مرتاح النفس من خلال شبح الأبتسامة المرسومة على شفتيه ، علمت أنه في أحسن أحواله و عندما صرت وسط الدغل ، و عندما كان الأستاذ في أحسن أحواله أتى غرباء كثيرون ، جاسوا في كل البساتين و الأدغال ووطئوا دغل الذكريات بأقدامهم الثقيلة بدبابات و جيوش تخفي عيونها ، و عندما وجدوني هناك وسط الدغل ، أطلقوا علي وابلا من الرصاص الحي فأردوني في الحال وكانوا يعتقدون أنهم يحسنون صنعا فهم ليس لهم دغل ذكريات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو


.. أون سيت - أول عرض | فيلم النمر والأنثى مع إنجي يحيى




.. أون سيت - محمد ثروت بيحكي عن الجزء الثاني من فيلم بنك الحظ