الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحلام كبيرة- الحلقة التاسعة

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2010 / 6 / 19
الادب والفن


ابتعدت عن وفاء بعد ان اعترفت لي بأنها متزوجة, وغرقت في حزن واكتئاب. ثم فوجئت بعودة منى من أميركا مع ابنها, بعد وفاة زوجها. وكان وجودها الى جانبي يواسيني ويشعرني براحة نفسية ويجعلني أتناسى آلامي. وفي يوم, رأتني وفاء بصحبتها, فأدركت من ملامحها انها شعرت بالغيرة. وفي اليوم التالي, فوجئت بها وهي تدخل الى مكتبي.
قالت دون ان تخطو خطوة الى الداخل: "هل تسمح لي بدقيقة من وقتك؟"
قلت لها: "تفضلي," وأشرت لها بالجلوس.
جلست أمامي في المقعد مرتبكة بعض الشيء. بعد لحظة, توجّهت اليّ, وكان وجهها في غاية الجدية, وفتحت بقولها: "عمر, أريد أن اعتذر لك عن كل شيء حصل بيننا. انا... لم أكن أقصد التسبب لك بأي جرح أو ازعاج. كنت أستلطفك وأحب صداقتك. وعندما شعرت بأن الذي بيننا يمكن أن يتعدى الحد المسموح... ابتعدت عنك. ثم صارحتك بالحقيقة. ولكن, يبدو أني كنت قد تأخّرت, فتسبّبت بجرحك."
أنصتّ لها دون ان أنبس بكلمة. أحسست انها صادقة. قلت بعد برهة: "أنا مصدّق أنك لم تتقصّدي تجريحي. ولكني لا افهمك. لماذا قلت لي انك تسكنين لوحدك وسمحت لي ان أوصلك الى بيتك؟"
أجابت: "انا فعلا أسكن لوحدي."
"وزوجك؟"
"زوجي بعيد, ولكنه موجود."
"ألا يوجد لديكما أولاد؟"
"لا."
ساد صمت بيننا. وبعد برهة, قالت وفاء: "هل لي بسؤال؟"
"تفضّلي."
فسألت بشيء من التردد: "لو كنت قد أحببتني بحق, كيف استطعت الإرتباط بامرأة أخرى بهذه السرعة؟"
"أية امرأة؟"
"تلك المرأة الجميلة التي ترافقها منذ فترة."
أجبتها بنبرة جدية: "منى كنت أعرفها من قبل."
"عرفتها قبلي؟"
"نعم. قبل مدة طويلة. كانت مسافرة والآن عادت."
"ولماذا سافرت؟"
تنهّدت قليلا وأجبت: "كي تبتعد عني. بعثها أهلها الى أميركا حتى تكون بعيدة."
بدت وفاء مستغربة. "وكيف عادت الآن؟"
"عادت ومعها ابنها بعد ان توفي زوجها." أجبت, ثم قلت لها: "أريد أن أسألك, كيف تسكنين لوحدك وزوجك بعيد؟"
"انا وزوجي لا نلتقي كثيرا. فهو مشغول جدا بعمله وأولاده."
"اولاده؟"
"من امرأة أخرى."
"وأين يعيش أولاده؟"
"في لندن."
"وكيف تعرّفتما؟"
"هو يعرف بعض أقربائي. تعرّف علي وطلبني للزواج."
"وانت؟ كيف وافقت ان تتزوجي من رجل وتكونين بعيدة عنه؟"
"انها الظروف."
"ولماذا تسكنين لوحدك هنا بعيدا عن أهلك؟"
"انها ظروف العمل."
"وزوجك لا يعرف أنك تسكنين لوحدك؟"
"لا. انه يتّصل دائما قبل مجيئه الى البلاد فأعود الى القدس, أقضي معه يومين أو ثلاثة, حتى يغادر هو وأعود أنا الى هنا."
"هل يزور البلاد كثيرا؟"
"مرة كل شكرين أو ثلاثة."
"ولماذا أنتما متزوجان؟"
"هو تزوجني لأنه يريد أن يلقى أحدا خلال مكوثه في البلاد, وأنا ..."
"أنت ماذا؟؟"
بقيت وفاء صامتة دون رد, وكان القلق واضحا على وجهها. فسألتها: "هل هو ثري؟ لا بد أنه ثري جدا."
"نعم, إنه كذلك. ولكني لم أتزوجه طمعا في ماله. تزوجته كي أنقذ عائلتي من الإنهيار بعد إفلاس والدي. لقد ساعد عائلتي وأمّن لنا كل شيء يمكن لنا أن نطلب ولا ينقصنا شيء."
"وأنت؟ ألا ينقصك شيء؟"
لم ترد وفاء, بل أرخت رأسها وشردت بذهنها. ثم ذهبت دون قول شيء.
لم تفارق وفاء تفكيري طوال الأيام التالية. أحسست بالعطف نحوها. لقد ضحّت بنفسها من أجل عائلتها وأصبحت زوجة ذلك الرجل الثري, الذي تراه مرة كل شهرين او ثلاثة, لمدة ايام قليلة, ثم تعود لتعيش في شقتها وحيدة, وكأن ليس لها أحد. أهي راضية بحياتها؟ لا بد أنها تعاني كثيرا.
ولكن ذلك لم يكن باديا عليها في البدء. فقد عرفتها انسانة مفعمة بالنشاط والحيوية وواثقة من نفسها الى حد بعيد... ولكن, منذ أن عادت من سفرها بدا عليها الحزن. لماذا؟؟
هل تحبّني؟
"انا لا أستطيع! لا أستطيع!" هذا ما قالته لي حين سألتها ذلك.
انها لا تستطيع أن تحبني لأنها متزوجة. ولكن, هل هذا يعني أنها لا تحبني؟! أشفقت عليها, وأشفقت على نفسي. وعدت أقول في نفسي مرارا: لو لم تكن متزوجة...!
في الأيام التالية رأيت وفاء عدة مرات في أنحاء المحكمة. عرفت أنها ما تزال تغطي قضايا أخرى وتتردد في المحكمة, الا أني لم أكلّمها بأكثر من تحية عابرة. وذات يوم, رأيتها وهي جالسة في زاوية الجلوس شاردة بعينيها, وكأنها تسرح في عالم آخر. لم ترني. فأحسست برغبة شديدة في الذهاب اليها والتحدّث اليها. وقفت جامدا للحظات, أفكّر, وفي داخلي أرجو أن ترفع نظرها اليّ. ولكني سرعان ما تركت المكان وعدت الى مكتبي.
بقيت ألتقي بمنى من حين الى آخر, أتناول الغداء معها في احد المطاعم, او تأتي اليّ الى المكتب فندردش قليلا. ثم أخبرتني أنها تبحث عن عمل. وكانت قد أكملت دراسة الحقوق في أميركا. فاقترحت عليها وظيفة عند أحد المحامين الذي تربطني به معرفة. فسُرّت بذلك واستلمت عملها.
ثم اختفت وفاء من جديد. لم أعد أراها في المحكمة. استغربت من الأمر, وكنت على وشك الإتّصال بها أكثر من مرة, الا أني كنت أمنع نفسي من فعل ذلك في كل مرة. ومضى أكثر من شهر على هذه الحال... الى أن لمحتها ذات يوم وهي جالسة وحدها في زاوية الجلوس. اقتربت منها. فلم تنظر اليّ. كانت شاردة في عالم آخر, كما رأيتها في المرة الأخيرة, تكسو وجهها تكشيرة فيها يأس. جلست في المقعد المجاور, الا انها بقيت غارقة في شرودها, دون أن تلحظ وجودي. وبعد لحظات ... تنبّهت فجأة لما حولها ورأتني أمامها.


يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا