الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشباب العراقي والتغيرات الاجتماعية والسياسية

علي محمد البهادلي

2010 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


قبل مدة مضت طرق سمعي خبر يخص وزارة الشباب والرياضة ، إذ أقامت الوزارة برعاية الوزير الأستاذ محمد جعفر مؤتمراً يعالج واقع الشباب وما يمر به من مشاكل، وقبل التعليق على الخبر أود أن أذكِّر معالي الوزير بما مرَّت به شريحة الشباب من ظلم واستعباد وإهانة في الحقبة الماضية ؛ كي يتضح لنا مدى فعالية مثل هذه المؤتمرات ، فالشباب العراقي عانى على مر أكثر من ثلاثة عقود بأحدِّ الأزمات السياسية والنفسية والثقافية ، إذ تحولت الدولة نهاية الستينات في القرن الماضي بعد أن اختطف حزب البعث السلطة إلى مؤسسة حزبية ـ عسكرية ، فلا تجد أي دائرة من دوائر الدولة أو مؤسساتها حتى التربوية والتعليمية منها إلا وتحولت إلى أشبه ما يكون بمقرات الحزب وميداناً للتدريب العسكري ، فالموظف والطالب والأستاذ الكل مجبر على الانتماء للحزب ويُجبَر في الوقت نفسه على الدخول في دورات تدريبية مرة باسم الجيش الشعبي ومرة باسم النخوة ومرة أخرى باسم جيش القدس ، ولم يسلم من هذه الترهات إلا من رحم الله .
لقد كانت للحزب خطة شاملة لاستعباد الشعب العراقي وتجهيله وتدجينه ؛ كي يسهل السيطرة عليه وتسخيره في خوض الحروب وتنفيذ مطامع الرفاق والقائد الضرورة ؛ فنتج عن ذلك إقحام الشعب العراقي في ثلاث حروب كانت نتيجتها حصد أرواح الآلاف من شباب العراق ، الذين غصت بهم سوح المعركة ، أما الآخرون الذين شاهدوا إخوانهم يتجرعون كأس المنية ، فقد أُصيبوا بمختلف العقد النفسية ناهيك عن عمليات الاستخفاف والابتزاز التي عُرِّضُوا لها ، إذ استهان البعثيون وعصاباتهم بالنخب الثقافية والأساتذة والأدباء ، فأصبح هؤلاء يعيشون في سجن داخل بلدهم ؛ مما جعلهم يتركون بلدهم كالطيور المهاجرة إلى أقاصي البلدان وأخذوا يجوبون البحار والصحارى من أجل التخلص من براثن الجهلة ورجال البداوة ، فأصبح البلد من جراء ذلك ( أي الحروب ، والسجون ، والإعدامات ، والهجرة الجماعية للمثقفين ) شبه خالٍ من النخبة المثقفة ، فكان أن نشأ جيل انقطعت صلته بالجيل السابق الذي كان مثالاً يُحتذَى في الأدب والثقافة والفكر والتحرر والثورية ، ولم يستطع أحد إنقاذه من التيه والاغتراب الثقافي الذي يعيش فيه إلا بعض المحاولات المتعثرة .
فهذا الجيل من الممكن أن نقول عنه إنه فارغ ثقافياً ، وليس هذا إهانة لهذا الجيل أو انتقاصاً منه ، لكن الظروف الموضوعية التي مرَّ بها البلد تستلزم ولادة هكذا جيل .
بعد سقوط الدكتاتورية أحسن الشعب العراقي الظن بالنخب السياسية التي تسنمت السلطة بعد الإطاحة بالدكتاتورية ، وتفاءلنا ؛ لأنه أصبح لدينا وزارة الشباب ،ووزارة ثقافة ووزارة علوم ، لكن من المؤسف أن نرى أن هذه النخب السياسية بعيدة كل البعد عن الشارع العراقي وعن هموم وتطلعات الشباب العراقي المتخم بالأزمات والمشاكل ، فبدلاً من أن تحاول هذه النخب ، وأعني النخب التي لها موضع قدم في السلطة ، على وضع برنامج واعٍ متكامل تضعه وزارة الشباب ووزارة الثقافة ووزارة العلوم ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي بالتعاون مع الأساتذة والباحثين في مختلف فروع المعرفة والثقافة لاسيما علمي الاجتماع والنفس يهدف إلى إنقاذ هذا الجيل من تراكمات الماضي ، وإنتاج جيل جديد خالٍ من العقد والأمراض النفسية متسلح بسلاح الثقافة والمعرفة والعلم ليقود مسيرة هذا البلد الذي يسعى إلى النهوض من كبوته الحضارية والسياسية والاقتصادية نراهم يكرسون حالة التجهيل والاستخفاف بالعقل العراقي ، ويوجهون أنظار الشاب العراقي إلى أمور لا تلامس واقعه ، كالرياضة بمختلف أنواعها وإلى بعض الألعاب التي استخدمها النظام الدكتاتوري لإلهاء الشعب عن مشاكله الداخلية الحقيقية من جهل وتخلف وانحراف وبطالة ، فكان أحد الأسباب في نشاط الجماعات المتطرفة والإرهابية هو هذه النخبة التي لم تقدم للشعب بديلاً عن هذه الجماعات ، بل ازدادت الهوة بين هذه النخب السياسية وبين الجماهير ، وأصبحت هذه العناوين اسم بلا مسمى ، فحزب الدعوة مثلاً هو الآن بدون دعوة للأهداف والمبادئ التي استشهد في سبيلها الآلاف من كوادر هذا الحزب العريق وبقية الأحزاب يشملها الأمر نفسه ، كالحزب الإسلامي ، وأصبح هدف هذه الأحزاب هو الوصول إلى السلطة ، وبالفعل وصلوا إلى السلطة ، لكن دونما تفكير في عملية تغيير المجتمع التي كانت أحد أهم أهداف حزب الدعوة .
ربما يتعجب البعض من كيفية استغفال الكثير من المتطرفين والسلفيين في المناطق السنية لعقول الناس ، فالناس لم تجد من ينقذها من جهالتها ومن مصيرها البائس فاعتقدت أن هذه الجماعات هي المنقذ ، وكذا الحال في المناطق الشيعية ، فجند السماء وجماعة اليماني ووو.... هي نتاج طبيعي لبيئة يخفت فيها صوت المثقف الواعي الرسالي الذي لا يهمه الموت في سبيل بعث مجتمعه من جديد ، ولا يتحجج بالأوضاع الأمنية والمسلحين وانعدام الإمكانات .
هذا ما مرَّ به الشباب العراقي ، فمؤتمركم يا سيادة الوزير لا يعني شيئاً إلا إذا كان منطلقاً لبلورة ستراتيجية محكمة ومدروسة لدراسة واقع الشباب العراقي ؛ لأن الوزارة ــ للأسف الشديد ــ لم تركز على الشريحة التي يُفتَرض أنها تعالج همومها وتحل مشاكلها وتلبي طموحاتها ، فنحن نستطيع أن نطلق على هذه الوزارة اسم " وزارة الرياضة " وليس وزارة الشباب والرياضة ، فأغلب إمكانات الوزارة المادية والتقنية موجهة نحو العمل الرياضي ، ولو ذكرت الأرقام والأموال التي صُرِفَت في هذا الجانب والتي يعتزم السيد رئيس الوزراء صرفها لإقامة مدن وملاعب رياضية ــ كما صرح بذلك الوزير نفسه قبل أكثر من سنة ــ لاستطاع القارئ أن يكتشف حجم البخس الذي يعرض له هذه الشريحة المهمة من المجتمع ، فهذه الميزانيات باستطاعتها لو وجهت توجيهاً سليماً ــ استئصال التراكمات التي خلفها النظام السابق ، وهي تركة ثقيلة جداً تنوء بحملها الجبال الرواسي ، وفي خاتمة المطاف لا يظننَّ أحد أننا ضد الرياضة والرياضيين ، لكننا نقول : نحن لا نريد أن تعطينا السيدة " ماري انطوانيت" البسكويت قبل أن تشبعنا خبزاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير