الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعيشة المقننة في ظل النومينكلاتورا

سناء الموصلي

2004 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


إن الإثبات الخيالي جداً في “الاقتصاد السياسي للاشتراكية” الرسمي صاغه ستالين على شكل “القانون الاقتصادي الأساسي للاشتراكية”. وهو يتكون في الظاهر من “ضمان الإشباع الأقصى للحاجات المادية والثقافية المتزايدة دائماً وباستمرار للمجتمع كله بواسطة التطور المستمر وتحسين الإنتاج الإشتراكي على أساس أعلى التقنيات”(21).
وهنا لا ينطبق مع التقييم الإيطالي المتساهل: “إذ كان كذب، فهذا مبتكر بشكل جيد” وذاك مبتكر بشكل سيئ وبغض النظر عن محاولة النومينكلاتورا لتحديد الاتصالات بين البلدان، لم يتمكنوا من إخفاء ذلك عن الناس، وفي البلدان التي انتصرت فيها الاشتراكية الحقيقية بالذات، فإن إشباع حاجة السكان تهبط بشكل ملحوظ، وبقدر ما أن النصر جذري بقدر ما يكون الهبوط عميقاً. ولكن عدم إشباع حاجات الناس لا يمكن أن يكون أساساً لاقتصاد الاشتراكية الحقيقية.
ماذا يكون في مثل هذه الحالة؟ نحاول الانطلاق من القانون الاقتصادي الأساسي للرأسمالية المعاصرة. فهو قد صيغ في الاقتصاد السياسي السوفيتي كالتالي: “ضمان الربح الرأسمالي الأقصى عن طريق استغلال وتدمير وإفقار أكثرية سكان بلد معين وعن طريق الاستعباد والنهب المنظم لشعوب بلدان أخرى، وبالأخص الدول المتخلفة، وفي النهاية عن طريق الحروب وعسكرة الاقتصاد الوطني لضمان الأرباح العالية”(22).
إن مهمة القارئ الغربي هي تحديد الوضع في بلاده بأية طريقة تناسب هذه الكلمات القاسية: هل يجري إفقار لأغلبية السكان في ألمانيا الغربية؟ وهل تستعبد النمسا شعوب بلدان أخرى؟ وهل تشن سويسرا الحروب من أجل ضمان أرباح عالية جداً؟ يدعو التحديد بالاقتران ليس مع الدول الرأسمالية العصرية ، ولكن مع دول الاشتراكية الحقيقية . هل يمكن أن تكون المسألة المهمة لطبقة النومينكلاتورا هي الحصول على الحد الأقصى من الأرباح؟ لا، لا يمكن، وإلا كانت السياسة الاقتصادية خلافاً لذلك. ومما لا يترك مجالاً للشك في أن ولع الرأسماليين للربح يؤدي إلى أنهم في حالة وفرة إنتاج السلع الاستهلاكية لا يهمهم الناس، ولكن يهمهم الربح الذي يحصلون عليه حين يبيعون بضاعتهم فقط. وهذا ما يرغم الرأسماليون على الاهتمام المتحمس بطلبات المستهلكين. ونتيجة تطور الرأسمالية فمن المعتاد أن تطلق تسمية “المجتمع الاستهلاكي” على السوق المفرط في إشباعه بالبضائع الاستهلاكية، وبهذا تصبح مشكلة الاقتصاد الرأسمالي هي الإفراط في الإنتاج. ولا يوجد تشابه كبير بين كل هذا في ظل الاشتراكية الحقيقية. معنى هذا، لا يعمل القانون الأساسي للمجتمع الرأسمالي الحديث- الركض وراء الربح الأقصى في ظروف الاشتراكية الحقيقية. وأكثر من هذا فإن الإنتاج في ظل الاشتراكية الحقيقية يختلف كثيراً وبشكل واضح عن الإنتاج الرأسمالي وخصوصاً في السماح بوجود ورش ومشاريع ليست غير مربحة فقط، ولكن خاسرة تماماً وحتى يمكن أن تكون فروع بكاملها. هذه الظاهرة لا يمكن وجودها في ظل الرأسمالية. ففي أي ظروف يوجد مثل هذا؟ بكلمات أخرى: ما هو الشيء الأكثر أهمية في النشاط الاقتصادي لطبقة النومينكلاتورا من الربح الأقصى؟ يكون هكذا في تلك الحالات التي يكون فيها الشيء المهم هو تعزيز قدرة نظام النومينكلاتورا. ومن أجل هذا تقدم ربحية الإنتاج كضحية بكل برود. وهنا فنحن نقترب في الظاهر من القانون الأصلي والأساسي للاشتراكية الحقيقية.
وفي واقع الحال ما هو الهدف الاقتصادي الأساسي للنومينكلاتورا؟
يؤكد جيلاسDjilas في أن الطبقة الجديدة متعصبة للتصنيع، فهل هذا ضروري لها أو لا، وهل ضروري أن تستعمل كل الوسائل لتحقيقها؟ يكرر كورون مودزاليفيسكي K. Modzalevski هذا الرأي عن إعجاب الطبقة الجديدة الغامض بالإنتاج الصناعي في كتاب “البيروقراطية السياسية المركزية” من أن هدف الإنتاج هو الإنتاج فقط(23).
إن كل هذا غير مقنع على الرغم من أن النومينكلاتورا لا تندفع إلى إنتاج السلع ذات الاستهلاك الشعبي أو تبني المشاريع الصناعية دون تمييز. والنومينكلاتوريين متعصبون للسلطة وليس للتصنيع ولا حتى للربح. لذلك فهم يرون أن المسألة المهمة في الاقتصاد هي توطيد وتوسيع سلطتهم العالمية. وطبقاً لذلك فهم يسعون لانتاج ما هو ضروري لهذا الهدف فقط. فإنتاج الأسلحة والتقنية العسكرية والشرطوية وبناء المشاريع الحكومية والعسكرية؛ كل هذا ليس من باب الصدفة وإنما مرفوع بشرعية تامة إلى ارتفاع خاص ومنفصل بشدة عن المنتجات الأخرى التي ينظر إليها كمسألة ثانوية في ظل الاشتراكية الحقيقية. فوجود المجتمع العسكري-الصناعي في بلدان الاشتراكية الحقيقية وبالأخص في الاتحاد السوفيتي فهو محسوس أكثر مما هو في الغرب- حيث يوجد التصنيع العسكري في مرحلته الأولية من وجهة نظر الإنسان السوفيتي.
كيف يمكن صياغة القانون الاقتصادي الأساسي للاشتراكية الحقيقية؟ نعمل هذا بتحفظ. فثقة ستالين في أنه يوجد في كل تشكيله قانونها الاقتصادي الأساسي هي مولودة بشكل نموذجي لستالين وتابعي فكره حول درجات الترقي في الخدمة، فطالما توجد تشكيله اقتصادية- اجتماعية، معنى هذا يجب أن يكون في شرعيتها قانون أساسي يعطي النبض للآخرين جميعاً. إن مثل هذا التفكير ليس بعلمي ولكن صياغة الهدف في سياسة التشكيلة الاقتصادية مسألة عملية تامة وفكر الترقي في الخدمة لا يملك علاقة بالبيروقراطية النومينكلاتورية مطلقاً. ويكون في هذا المعنى للقانون الاقتصادي الأساسي للاشتراكية الحقيقية حرص طبقة النومينكلاتورا الحاكمة في توفير الوسائل الاقتصادية القصوى من أجل توطيد وتوسيع سلطاتها. ولا ينفع أي تعصب مبهم ولا طموح غير شريف لإشباع حاجة الكادحين لكنه هو وهو فقط يشكل الهدف والأساس لجميع نشاطات طبقة النومينكلاتورا .
يوجد لدى سكان الاتحاد السوفيتي هدف آخر، بسيط ومفهوم: “الإنتاج من أجل الاستهلاك، زد على ذلك ليس لاستهلاك طبقة النومينكلاتورا ولكن لاستهلاك الكادحين أنفسهم. إذ يريد الناس وفرة في السلع للجميع وليس للتوزيع السري وللقادة فقط وهم يريدون مساكن وليس ثكنات وبيوتاً ريفية حكومية للقادة، سيارات للإنسان العادي وليس دبابات وسيارات “جايكا” للقادة، زيت نباتي وليس مدافع . يريد الناس أن تكون عملية الإنتاج لإشباع حاجاتهم. هذا هو هدف الشغيلة البسطاء الذي إدعى به ستالين- “القانون الاقتصادي الاساسي للاشتراكية”. لكنه يوجد في الحقيقة بين هذا الهدف وهدف النومينكلاتورا الاقتصادي -القانون الاقتصادي الأساسي للاشتراكية الحقيقية- تناقص عدائي . وهو يعكس بوضوح تناقص مجتمع الاشتراكية الحقيقية. وقد قال ستالين بشكل جيد عن هذا التناقض بنفسه في أحد أعماله الأخيرة “عن أخطاء الرفيق ل . د . ياروشينكو Yaroshenko كتب ستالين: “ ينسى الرفيق ياروشينكو أن الناس ينتجون ليس لغرض الإنتاج ولكن لإشباع حاجاتهم وهو ينسى أن الإنتاج المحول عن إشباع حاجات المجتمع ينحط ويموت”(24)، وهذا هو الصحيح .

منهجية الاقتصاد وزيادة الاحتكار

أن فوضى الإنتاج الرأسمالي الذي تكلمت عنه النومينكلاتورا بأن يصل صاحب مشروع ما في أمريكا فجأة إلى إستنتاج بأن الطلب الكبير على إستخدام القبعات الرجالية يؤدي إلى إنتاجها بوتائر جامحة. ويتبعه بعد ذلك بقية الرأسماليين. وبعد استثمار جميع رؤوس الأموال في إنتاج القبعات، الأمر الذي أدى إلى امتلاء رفوف المخازن بالقبعات وغرقت واجهات العرض والمستودعات بها. لكن هذه الكميات الكبيرة من القبعات غير ضرورية ولذلك لا يمكن تصريفها فتخسر الشركات وتفلس المصاريف وتنوء البورصات بالعاطلين وتجتاح الأزمة الاقتصادية البلاد. وفي نفس الوقت تأتي فكرة لأحد الرأسماليين بتوسيع إنتاج القداحات وساعتئذ يستثمر جميع الرأسماليين أموالهم في صناعة القداحات وتمتلأ الرفوف مرة ثانية ومن ثم تفلس المصارف، في حين تحتلف القضية في ظل الاقتصاد الموجه لأن كل شئ محسوب بحكمة قبل وقت وتنتج السلع بقدر ما هو ضروري لإشباع حاجات الناس المتنامية بإطراد.
ويمكن تصور جميع إقتصاد الاتحاد السوفيتي مثل مشروع واحد يعود لملاك واحد هو طبقة النومينكلاتورا. تتصرف هذه الطبقة كاملة بمعملها الذي هو عبارة عن سينديكات عملاق- الاقتصاد السوفيتي. ويمكن تطمين القارئ الذي صدم بالمصطلح الرأسمالي المستخدم للاقتصاد الاشتراكي بسهولة كون المصطلح يعود إلى لينين. وقد كتب في “الدولة والثورة” عن طريق إقامة إقتصاد الاشتراكية: “ ... نزع ملكية الرأسمالين وتحويل جميع المواطنون إلى عمال ومستخدمين لـ “سنديكات” واحد ضخم الذي هو كل الدولة بالذات ، وخضوع كل عمل هذا السنديكات للدولة”(25).
ونصدم القارئ “التقدمي” مرة أخرى حين نصف هذا السنديكات كالإحتكار العملاق. ثم نهدئ القارئ مرة أخرى ففي هذه المرة ليس من كتابات لينين بالحقيقة ولكن من الكتاب الجماعي للمؤلفين السوفيت الصادر في موسكو من قبل دار نشر أكاديمية العلوم السوفيتية “ومثل ما كانت الإحتكارات الرأسمالية ليست بضخمة مثلما كانت تركز الملكيات في أيدي رأسمالية الدولة الإحتكارية (في بعض البلدان 40%) ، وتبلغ الاشتراكية تركز وطني عام لجميع وسائل الإنتاج الأساسية الذي هو أعلى تركز للملكيات”. إذن هو الاحتكار العملاق .
قيل عن الدولة في العمل الجماعي للمؤلفين السوفيت: “تظهر الدولة في مثل هذه الظروف كجهاز اقتصادي ، فمن جهة كمنظم للإنتاج وضابط للعلاقات الاجتماعية بين الطبقات من جهة أخرى . إلى جانب هذا فهي تظهر كهيأة سياسية ... “(26).
يصيبنا التعجب من أن الخطة في ظل الاشتراكية الحقيقية لا توظف في مسألة توفير التناسبات الضرورية للإنتاج مثل ما يؤكده “الاقتصاد السياسي للاشتراكية” وكما يفترضه بعض الناس في الغرب. وبرهنة ذلك، هو أنه لا يوجد أحد يفكر بهذه التناسبات بجدية من حيث التشجيع بجميع الوسائل لتنفيذ الخطة قبل الموعد المقرر . فأي مصنع أو ورشه يمكنهم أن ينتخبوا بقدر ما يطيب لهم -من وجهة نظر الخطة- من الأجزاء أو وحدات المنتج وسوف يثنى عليهم بسبب هذا. لماذا؟ لأن الطموح يجبر الكادحين على الإنتاج بنفس الأجور ويمكن أن يسود أكثر في الفكر الاقتصادي طبقة النومينكلاتورا ، على الرغم من أن إنتاج المنتجات لا يجد له استعمالاً ويمكن أن يكون خسارة فهو في الواقع يقلل من حجم الأرباح التي يحصل عليها وتشجّع النومينكلاتورا بنفسها إثارة عدم التناسب الذي يبدو كأنه لمراقبة التناسب الأمثل الاقتصادي الموجه بالذات. تملك طبقة النومينكلاتورا اقتصاد الاتحاد السوفيتي بالكامل مثل سنديكات موحد عملاق- وهو الأساس في تنظيم اقتصاد الاتحاد السوفيتي الذي يظهر للعالم الخارجي في شكل اقتصاد مخطط.
لقد عملت الاشتراكية الحقيقية شيئاً نافعاً حين قدمت فكرة إدخال الخطة في الاقتصاد . هذه هي مساهمتها المهمة في تطرير الاقتصاد العالمي ولكنه لا يتطلب تخطيط خلط النتائج الفعلية للتخطيط النومينكلاتوري-الإحتكاري مع هذا الجانب الإيجابي للمسألة. وكان ماركس أول من فضح التنظيم العفوي الفوضوي لميكانيكية السوق. إذ توجد حقيقة في مثل هذا التقييم ولكن ليس كل الحقيقة.
نعم فالسوق الرأسمالية فوضوية في هذا المعنى بحيث لا توجد فوقها قيادة موجهة. نعم هي عفوية في ذلك المعنى بحيث أن كل حركة منه تظهر ليس كنتيجة لإدراك جميع حالات السوق وعمل استنتاج منطقي منها. ولكن في كلتا الحالتين انعكس ليس ضعف ولكن قوة ميكانيكية السوق. يعتبر السوق المدافع الآلي والمنظم لميكانيكية المجتمع في المجال الاقتصادي . وهو مرن بشكل لا يقاس ونشط وقادر على رد الفعل السريع أكثر من أوامر البيروقراطية الحاذقة غير متكلمين عن الشخص المعين حسب الصفات السياسية. فبالإضافة لهذه الأوامر التي تعطى لعدة سنوات إلى الأمام فهي متحجرة في شكل قانون لخطة خمسية دورية ، فكل مرونة لرد فعل اقتصادي تستثنى. ويمكن تضخيم الهيئات المخططة بقدر ما تحب وتكثر المؤشرات الاقتصادية- كل هذا لا يبدل ميكانيكية السوق الآلية.
معنى هذا هل أن السوق مثالية؟ لا.
وبالرغم أن آلية السوق الاقتصادية تظهر في حالات عديدة غير إنسانية ولا اجتماعية . إن مثل هذه العناصر لم توضع في ميكانيكية السوق ببساطة ولذلك تظهر أزمات الإفراط في الإنتاج والبطالة وإفلاس المصارف. وتعطى ميكانيكية السوق كثيراً لكنه من غير الممكن الطلب منها كل ما هو موجود في الدنيا .
نأخذ مثالاً بسيطاً للمقارنة ، إذ يوجد في بدننا ميكانيكية دفاع استثنائية وهي النوم. لكن يحصل أن يؤدي إلى موت الإنسان إذا نام على سبيل المثال حول مقود السيارة ولذلك فإن ميكانيكية النوم غير متكيفة مع هذه الحالة. هل صحيح لو اكتشف نتيجة لهذا مستحضر ضد النوم يساعدنا في قيادة السيارة في أي وقت سواء كان في النهار أو في الليل ولكن هل من الممكن أن نصبح مجانين؟ من الواضح لا ، فإما لا نقود السيارة في الليل أو ننام مسبقاً. بكلمات أخرى ، من الضروري الأخذ بنظر الاعتبار عمل ميكانيكية الدفاع ، فلا نطلب منه بشكل يجعلنا نقع تحت ضربته .
وقد قلنا أن فكرة التخطيط في الاقتصاد نافعة. فمن النافع إدخال عنصر فهم حالة السوق العفوية وآفاق تطورها. ومن النافع إقامة هيئات معلوماتية استشارية جيدة وليست آمرية. ووضع خطة توصيات نافعة من قبل أناس خبراء.
فقانون الخطة الموضوعة من قبل النومينكلاتوريين البيروقراطيين الذي يرافقه تدمير لميكانيكية السوق الذكية هو عبارة عن هذيان اقتصادي وهو من البديهي لا ينهي عملية الإنتاج (يعني هذا إزالة المجتمع البشري) ولكن يتأثر بقساوة نتيجة فوزه بسحق سوق الإحتكار العملاق. لكن مثل هذا الانتقام يضر ليس بالنومينكلاتورا فقط ولكن برعاياها أيضاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غوتيريش يقول إن على أميركا منع إسرائيل من اجتياح رفح.. محذرا


.. تدريبات عسكرية على طول الحدود المشتركة بين بولندا وليتوانيا…




.. سماء غزة بين طرود المساعدات الإنسانية وتصاعد الدخان الناتج ع


.. تعرف على السباق ذاتي القيادة الأول في العالم في أبوظبي | #سك




.. لحظة قصف الاحتلال منزلا في بيت لاهيا شمال قطاع غزة