الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرمان من فرمانات خال السيد الرئيس 5

خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)

2010 / 6 / 20
سيرة ذاتية


الوفاء أو الولاء
حال عودتنا، وكيل مدير بلدية المصيف وأنا، الى البلدية سألتُ محاسب البلديه، على سبيل المزاح ظاهرا وبهدف استطلاع رأيه وتوقعاته: لماذا لا تستغل الفرصة و تبنى لك دارا ، كما يَفعَلهُ الأخرون، والفرصة مُؤاتيه يا شيخ عبدالله، كلُ هذه السنوات الطويلة وانت تعمل فى بلدية المصيف ولا تملك دارا للسكن. وأخرون يأتون ويضربون ضربتهم. ألا ترى بأم عينيك بأن ما لا يستطيع الأنسان الأعتيادى الحصول على ما يحلم به خلال عقود من الكفاح المُضنى، وفى الظروف الأعتيادية، قد يحصل عليه المغامر، الذى لا يأبه بغير ما يكتسبه، خلال ساعات معدودات من غياب القانون ويتحول الى مكسب يستمد شرعيته من الأمر الواقع، لاتدع الفرصة تفوت من بين يديك استغلها، يا شيخ، وتابِع الأمام الله أكبر ؟ جوابه كانت مفاجئة لى : وأنا فكرت بنفس الشئ، أيضا، وحجزت لى قطعة أرض ممتازة بوضعى أكوام من حجر البناء وانتظر.
لقد تأملت كثيرا فى وجه هذا الموظف العتيق، وسألت نفسى فيما اذا استوعب هذا الموظف المسلكى مغزى كلامى ويرد على المزحة بمزحة وتهكما بما ألى اليه الوضع فى البلدة، أو يتكلم بواقعية وبصراحة. وبعد أن شجعته على المباشرة بالبناء فورا، كما يفعل الأخرون أجابنى: والله أنا لا أحصل على المال كالأخرين بالهونطة لكى أقامر به أولا و استشِفُ ، من نبرات صوتك ونظراتك بأنك تريد أن تورطنى بالبناء ومن ثم تأمر بهدمه. لتضحك على.( قلت لنفسى: انظر كيف يقرأ هذا الرجل الممحى )
بعدأن اقتنعت بأن المحاسب قد جرفه التيار، راودنى شك وريبة فيما اذا أقدم وكيل مدير البلدية على نفس الفعلة وانجرف مع التيار أيضا؟ انتقدت نفسى لتسرعى بكشف ما أنوى عليه أمامه قبل أن أتأكد. لم أستحمل البقاء فى البلدية أكثر بعد أن بدأت زحمة من الأسئلة تغزو فكرى، بدون رحمة، من جميع الأتجاهات. واتجهت الى مكان حيث لا يدرى: أحد من غير السماء و(الحجر) بمطرحنا (أنا و خيالاتى) وتنزل الضباب.. لتمحى المدى وتمحى الطريق .. كما تغنى فيروز. عندها بدأت بالصياح ، بأعلى صوتى من دون الحاجة الى الألتفات يمينا أويسارا: يا الهى من أنا لكى تُقحمنى فى كل هذه المشاكل والمواجهات؟ هل كان مرادى أكثر من الستر ورغيف خبز نظيف كثمرة لجهودى و عرق جبينى وشقائنا؟ لماذا لم تعطنى قلبا لأتصرف كالأخرين وأقتنص الفرصىة قنصا، كلما سنحت، وأجمع المال الكثير كما يفعلون؟ أو هل تريدنى شاهدا على ما يٌعدُ له، بقلب قاسى وبدون مروة أو وازع ضمير، لهؤلاء المساكين ولهذه المنطقة من بداياته ؟ وبكيت وبكيت بدون أن أدرى بالتحديد لماذا أجهشت بالبكاء : هل لما مضى من الأيام و كوارثها أو لما ستأتى. وأنا أواجه الطرف الغربى لجبل سفين وحيدا وبعيدا عن الأعين .
( من الصدف الغريبة، بعد سنة أو أكثر أجهش بالبكاء معاون مدير استخبارات الفيلق الخامس أمامى عندما كنا منفردين على الطرف الأخر من جبل سفين قبل الوصول الى ناحية هيران بقليل. تصوروا عمق المأسات وحجم الكارثة الذى أجبر هذا الضابط الوسيم من جنوب العراق على البكاء أمامى ، انه الأحترام للوطن و للشرف العسكرى وتوقع المصير المحتوم،. ضابط استخبارات مُكلف بالتحقيق الميدانى، من قبل لجنة تحقيقية عالية المستوى، يخلُقُ الظروف ليُفرغ ما فى جعبته من أسرار ، بحرية، أمام متهم بتُهم كبيرة. وعندما لا يجد أذانا صاغية يغرق فى البكاء...قد تطلعون على بعض التفاصيل فى موضوع أخر تحت عنوان : حوصلة السيد النائب).
وبعدها شعرت بارتياح كبير وسكينة فى النفس وعاد المنطق يهيمن على فكرى مرة أخرى. قررت، بعد استعراض جوانب وحيثيات متعددة للقضية والمخاطر المتوقعة، أن أمضى فى تنفيذ وعدى وتفجير هذه الفقاعة ، المملؤة بكل ما هو رجعى وكريه، وأن لا يأتى الى هذه المنطقة مرة أخرى بكل هذه الهيبة والعنفوان، ومن ثم طزألف مرة بالوظيفة، اذا كانت الدولة سُوقية ودنيئة لهذه الدرجة . حسب معلوماتى أول من استخدم كلمة السُوقية فى الكتابة الأدبية كان أنطوان تشيخوف وعندما طلبوا منه تفسيرا لها قال : الخنوع أمام القوى وقهر الضعيف.
وفى طريق العودة الى أربيل كنت أفكر فى اشكالية واحدة فقط: فيما اذا كان وكيل مدير البلدية(قادر) يحتفض بالموضوع بالسرية التى تفسح المجال لى بالمباغتة والتنفيذ السريع والا تقوم القيامة بوجهى دون أن أستطيع فعل أى شيئ. قلت لنفسى لندع (قادر) يواجه امتحانا، صعبا من دون أن يعلم، فيما اذا كان يغلُب عنده الوفاء على الولاء أو بالعكس.
المجتمع السليم والمتوحد يُشبع أفراده بروح الوفاء والأحترام تجاه من جندوا وممن يجندون أنفسهم لخدمته باخلاص ونكران ذات وبجرأة، من دون خوف أو وجل من أية عواقب .
أما المجتمع السقيم والمتخلف والمنقسم على ذاته كل شئ فيه يُستثمرلأماتة هذه الصفة النبيلة، و ذلك بقياس درجة اخلاص الفرد (للمجتمع) بدرجة ولائه الأعمى أو ولائاته لأصحاب السطوة والنفوذ، من الذين لا يترددون الأقدام على فعل أو منكر لديمومة سلطتهم وتوسيعها، ممن لهم الهيمنة على جميع المقدرات والمنافع أما العواقب الوخيمة تنهمر على رؤوس من لا حول لهم ولا قوة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير