الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على مفترق الطرق

سامي العباس

2010 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



بعد الجولة التي خسرها الخطاب الطائفي لتنظيم الإخوان المسلمين في سورية أوائل الثمانينات. وبعد تشديد القبضة الأمنية على الشطر المنظم من اتباع هذا الخطاب ,تم إنكفاء هذا الخطاب إلى أشكال من العمل للتعبئة الطائفية أقل استفزازاً لقلق الجهازين السياسي و الأمني للدولة, وأوسع حيلة لجهة تنعيس عينيهما ..وأظن أن التشهير بالمجازر التي ارتكبت في مجرى الحرب بين النظام والإخوان المسلمين - والذي ساهمت فيه أقلام ليبرالية وقومية وماركسية: سورية وعربية - قدم خدمة لاتقدر بثمن للخطاب الطائفي للإخوان .وأعطى لهذا الخطاب موطئ قدم لا في البنية الإجتماعية السورية فقط , بل وفي الهرم الإداري والعسكري والأمني للدولة السورية .. ولعل ذلك شكل الأرضية الصالحة لنمو أشكال من التعبئة الطائفية تحت ذرائع متنوعة تصب جميعها في هذا الطوفان من التدين الذي يكز على التمايز العقيدي كخطوة تسبق توظيفه لاحقاً في التنافس السياسي ..ليست الصيغة اللبنانية التي تقحم لبنان ,كل قبضة من السنوات في جولة حرب أهلية جديدة, سوى المستقبل المنظور لسيرورة يريد التدين السياسي دفع السوريين باتجاهها. وبغض النظر عن طابع الضرورة الذي وسم بعض التحالفات الاستراتيجية للنظام الذي ارساه في سورية قبل أربعة عقود الراحل حافظ الأسد: التحالف مع إيران الخمينية وما يتركه هذا التحالف من ظلال على الخطاب العروبي للأسد .أو التحالف مع تنظيمات ذات طابع ديني في فلسطين ولبنان والعراق لمواجهة إسرائيل من جهة أو الوجود العسكري الأمريكي في العراق من جهة أخرى .إلاأن هذه التحالفات شكلت بشكل أو آخر قيداً على حريته في العمل لمواجهة ما يكدسه الخطاب الإخواني تحت الأرض من عدة ومن رباط الخيل لجولته القادمة ..
لقد استردت الرموز الدينية ما سلفته للنظام قبل ثلاثة عقود أضعافاً مضاعفة . لم تتكلف يومها أكثر من قراءة صحيحة لخريطة توازنات القوة بين النظام وبين من تعجل الخروج عليه ..مقابل ذلك ُترك لها الحبل على الغارب لمد اليد إلى مفاتيح صناعة المستقبل:
المدارس والجامعات الرسمية والمعاهد الخاصة .المساجد ومعاهد تحفيظ القرآن والمراكز الثقافية ودور النشر والمكتبات .وأخيرا لا آخراً :غضّ الطرف الصريح عن النشاط الدعوي الديني في المدارس والبيوت ووسائط النقل .وغزا التشدد الديني الفضاء العام . لايفصلنا الكثير عن خروج المطاوعة لإحتلال الشارع . لتصبح سورية كجوارها الوهابي/ الخميني .ويادار ما دخلك شر ...
لقد اختفت من وسائط النقل الخاصة والعامة أشرطة فيروز وأم كلثوم وصباح فخري .سعد الحلي و سعدون جابر والياس خضر . تلاوين الغناء الشعبي لسوريا الجبل والسهل والبادية .حلت محل كل هذا الجمال : أشرطة عذاب القبر ,وأصناف الهول الذي سيتعرضن له من يقصّرن في إشباع رغبات رجالهن الجنسية .أو يحدن قيد أنملة عن الطريق المستقيم الذي يصل البيت بالقبر . أشرطة وكاسيتات تتقيأ على مدار الساعة في الفضاء العام ما تنتجه المخيلة المريضة لشيوخ وشيخات يجذبن وتر الغرائز إلى أقصاه ,وإلاما معنى كل هذا المدى الذي تصله فضائح الشذوذ الجنسي والإعتداء على المحارم التي تفوح بها الأوساط الإجتماعية المتأثرة بهذا الخطاب ؟..
الريف الذي كسر منتصف القرن الماضي حالة الستاتيكو الذي آلت إليه عملية التحديث الرأسمالي ,تتسابق على الطرق الموصلة إليه شبكات الدعاة الوهابيين أو الخمينيين . يبثون في العقول والنفوس حمى الكراهية.ويحفرون داخل خريطة التنوع الديني والمذهبي للريف , خنادق التكفير المتبادل . لقد خرق التعصب للدين والطائفة قشرة الحداثة الواهية للأحزاب والمنظمات والأقلام .وآبت الخراف الشاردة إلى قطعانها حيث الأمن والطمأنينة على الدنيا والآخرة ..من تعوزه شجاعة الإعلان عن تموضعه داخل القطيع يستأجر إلى حين قناعاً للحياة العامة, ويرميه على باب الزريبة ..قطاعات من المثقفين الذين تورطوا في مراحل شبابهم مع هذه الأديولوجية الحديثة أو تلك يلجؤون إلى ما يسميه ياسين الحاج صالح بالقاموس المزدوج للنخبة السورية ..لاشيء من سورية الأرباع الثلاثة للقرن الماضي -عندما كانت تغذ السير إلى التدامج الوطني- سوى الأصداء الباهته التي بقيت كثمالة فنجان في الذاكرة الجمعية للسوريين الذين عاشوا تلك المرحلة ..لاننوح على الأحلام التي راودت مخيلة الأجيال التي ولدت في المرحلة الكولونيالية وما بعدها بعقدين أو ثلاثة ,بل نرفع الصوت محذرين من هذا التجريف المستمر لشروط بقاء الدولة كوعاء لتذاوب عصبيات ماقبلها ..لا خروج من هذا المأزق الذي زج فيه الخطاب الطائفي للإخوان المسلمين المجتمع السوري بواسطة تقديم التنازلات هنا أو هناك للأرتال التالية لهذا الخطاب, التي فضلت سياسة التمسكن حتى التمكن . بل باستعادة الدولة لدورها في مراكمة الشروط المادية والمعنوية للإجتماع السوري كي يتابع سيرورة الخروج من حالة الإستنقاع التي تقاسمها مع بقية مجتمعات المنطقة العربية والإسلامية طيلة قرون . دور تستعيده الدولة بإسترداد مفاتيح صناعة المستقبل من أيدي رجال الدين و الفئات التي تمشيخ وعيها في مجرى الإستنفار التعبوي للعصبيات الدينية والمذهبية التي خلفتها وراءها كندوب عميقة على وجه سورية مواجهات الثمانينات .. .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف