الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يخذل الفكر العقل... الجابري نمودجا

محمد بوزكَو

2010 / 6 / 20
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


في الأيام الماضية رحل الجابري إلى الدار الأخرى... رحمه الله واسكنه فسيح جنانه... وقصدت هنا الحديث عن الجابري كفكر فعل فعلته في تمويه الحقيقة لا كشخص رحل و ووري الثرى، وكفاعل خلف وراءه أبحاثا وأفكارا وتأويلات توزعت بين البحث في التراث والدين والمجتمع والثقافة والفلسفة... وفنا عمره في تتبع الشبكة الدماغية للعقل العربي، فظل تائها بين بنية فوقية عربية من نتاج واقع اجتماعي شرقي موغل في التخلف وبين واقعه الحقيقي الأمازيغي الذي له بنيته الخاصة وكان منذ القديم محط لقاء للحضارات ومهدا للثقافة والعلوم... وهو ابن أمازيغ فجيج الشامخة... فجيج التي لم يجد لها أثرا حين حفر في ذاكرته... بعد أن ترك واقعه الاجتماعي، وثقافته الأصيلة تتمرغ في وحل الإقصاء والتهميش، بل ولم يدخر جهدا لينفي حضارة أجداده الأمازيغ عبر البحث عن أدهى التبريرات والمراوغات التاريخية لإخفاء حقيقتها بحقيقة كاذبة... أجل تخلى عن أهم مكون لشخصيته ليرحل إلى أقاصي بنية عقل عربي غارق في أوحال الميتافيزيقا ويبحث فيه عن مدخل ما نحو شعاع شمس أبت إلا أن تشرق من الغرب... ففي الوقت الذي كان فيه الراحل يصول بين الدهاليز المظلمة للمخ العربي ويتبادل النيران مع مفكري الشرق حول حضارة بنت مجدها على غزو الآخرين وقتلهم وإتلاف محاصيلهم الفكرية... كان علماء الغرب قد تخلصوا من عقدهم، وشمروا على سواعدهم باعتمادهم على لغتهم وحضارتهم وأصلهم فانطلقوا في غزو الفضاء وصقل علم الجراحة والطب واختراع الكهرباء والتكنولوجيا في فضاء من الحرية والديمقراطية حيث لا سلطة تعلو سلطة العقل...
والحصيلة...
الحصيلة ها نحن وراءهم نلهث كالكلاب الضالة نحو منتجاتهم نفترسها، نستمتع بتلفازهم، بمكيفاتهم الهوائية، بتلفونهم الخلوي، بسياراتهم وطائراتهم... وننعم بعوازلهم الطبية ونحن ننكح ما ملكت أيماننا...
رحل الجابري... رحل ولم يعبه يوما بأنه ابن تربة لها تاريخ، لها أجداد وحضارة... رحل دون أن يعترف بأن هناك عقل أمازيغي له بنيته هو الآخر كان أولى عليه أن يستقصيها، أن يبحث فيها ويقشر قشرتها المتكلسة بفعل الإقصاء والتغييب... رحل دون أن يبحث عن سر حضارة الأمازيغ التي توقفت فجأة... وانقطعت كما ينقطع تيار الكهرباء... فتكونت فجوة عميقة أحدثت قطيعة مع ما تركه يوبا الثاني، المثقف والعالم الأمازيغي، وأفولاي صاحب أول رواية في التاريخ "الحمار الذهبي"، والفيلسوف ابن باجة والكاتب دوناتوس وغيرهم كثيرون...
فعوض أن يتجه مفكرونا نحو البحث والتنقيب عن سر هذا النكوص الذي يشهده الوضع الراهن ومحاولة فهم سر هذا الاندحار الحضاري والثقافي... حوّل جلهم صحنهم الفضائي نحو الشرق ليتيهوا في شرح الأفكار وتأويل النصوص وشحذ الفلسفات... وتلميع الجنس العربي مقابل تبخيس الأجناس الأصلية... وهم بذلك يقفزون عن الحاضر ويعمقون الهوة بين المستقبل والتاريخ ويبتعدون يوما بعد يوم عن سر التقدم... هذا السر المدفون بتربة أرضنا المعطاءة...
نعم رحل الجابري... ولم ترحل الحضارة الأمازيغية... وسيرحل كثيرون في آتي الأيام... وحدها الحقيقة ستتسمر في العلا وستظل ثقافتنا تتجذر أكثر فأكثر بفعل تشبث أبنائها البررة بها...
مقالي هذا ليس جلدا لشخص ميت... حاشا... لأنني أومن بأن موت الجابري كانسان يقتضي مني كل الاحترام... لكن فكر الجابري لا زال حيا يغذيه أناس لا زالوا حاقدين على هوية هذا الشعب الأصلية... وتراهم، بلا حياء، يؤسسون جمعيات للدفاع عن لغة ابتلعت كل شيء في المغرب... ومع ذلك ينبحون... أناس يستديرون بأعناقهم نحو البعاد حتى تكاد تتهرس، فيما أرجلهم تطأ تربة أرض يحلبونها بأفواههم المجوفة من كل لسان...
وها هي اللجنة المكلفة بميثاق التربية والتكوين تستعد للاجتماع هذا الشهر كي تُفعّل نيتها المبيتة في طرد الأمازيغية من التعليم وتحسم مع لغة تعلقت بحنجرتها كعلقة تُبرزِطُها كلما حاولت النطق...
هكذا يريدون محونا ثقافيا، لغويا وحضاريا... أو على الأقل أن يحولوننا لشيء ما سوانا... ونمنحهم سكوتنا هدية الاشتراك...

وبلا عقد...
تاريخنا القديم أرصت دعائمه حضارة عريقة تطورت في شتى الميادين، علمية، عمرانية، ثقافية وحربية...
وبغتة طاح الظلام... فابتعدنا عن النور وفقدنا الارتباط بالعلوم والفكر وأدوات التطور...
ورُفِعت معاول وفؤوس لتفتيت مظاهر الحياة وتغتير ملامح حضارة قاومت عبر التاريخ... وسُخِرت لذلك عقول تمحي وتبرمج وأدمغة تزور وتبرر وفلسفات تلغي وتوطّد...
لكن...
وحدها الحقيقة ستستمر... وستثبت أن كل من يريد أن يمحي حضارة ما بجرة قلم، أو بفذلكة تأويل أو حتى بضربة تزوير إنما كمن يريد تسلق الحائط بدبره... أو كمن خذل عقله بفكره...
رحم الله الجابري... وحفظ الله هويتنا وحضارتنا الأمازيغية من كل فكر مدمر... آمين انك سميع مجيب...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - آآآآآ..................ميييييين !
ادريس ( 2010 / 6 / 20 - 23:46 )
لقد كان ،كما قال احد الكتاب القومجيين المغاربة في منبر الحوار المتمدن ، كان مهووسا بتحقيق حلم (الوحدة العربية) ..
اي نعم وقد قدم لسانه الامازيغي قربانا يتقرب به لذلك الصنم .. ولكن يا خسارة فقد فارق الحياة دون ان يرى هوسه يتحقق..
شكرا لك استادي الكريم .. مقالاتك رائعة وفي الصميم


2 - هل المقال والتعليق الاول عليه طبقا للقواعد
عصام الجملولي ( 2010 / 6 / 22 - 09:57 )
مع احترامي للصحيفه الم يكن في المقال تهكم على الجابري وكذلك في التعليق الاول ولماذا حذف تعليقي لانيي قلت للكاتب ماذا قدم هو هل في هذا اساءه للكاتب لما لم تتركو للكاتب ان يجيب بنفسه نعم ماذا قدم من مشروع فكري اوبحثي هذا القصد اريد ان اعرف من باب المعرفه وليس التهكم ارجو ان تكون هناك نوع من الموضوعيه في التعامل مع التعليقات سمحتم للكاتب ان يتهكم وكذلك التعليق الاول وحين تكلمت ان ذلك نوع من التعصب وماقدم الكاتب تم حذف ذلك لابد تكون هناك نوع من الشفافيه واذا لم ينشر تعليقي هذا فسيتضح ان الحذف يتم بمزاجيه وليس يموضوعيه واحترام للقارئ حقه في ان يعرف وينقد

اخر الافلام

.. خامنئي و الرئيس الإيراني .. من يسيطر فعليا على الدولة؟ | الأ


.. مناظرة بايدن-ترامب .. ما الدروس المستخلصة ؟ • فرانس 24 / FRA




.. #فرنسا...إلى أين؟ | #سوشال_سكاي


.. المناظرة الأولى بين بايدن وترامب.. الديمقراطيون الخاسر الأكب




.. خامنئي يدعو الإيرانيين لمشاركة أكبر بالانتخابات | #غرفة_الأخ