الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في بيتنا أمل

إكرام يوسف

2010 / 6 / 21
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


عندما بلغني أن المتطوعين في الحملة الداعمة لدعوة الدكتور محمد البرادعي من أجل التغيير، فشلوا ـ بسبب المضايقات الأمنية ـ في الحصول على مكان عام يعقدون فيه اجتماعًا كانوا قد خططوا له ليوافق يوم ميلاد الدكتور البرادعي. وسألني ابني الناشط ضمن احدى الجماعات المؤيدة للتغيير عما إن كنت أمانع في أن يجتمعوا به في شقتي المتواضعة. كان طبيعيًا أن أرحب، بل وأعتبر الأمر شرفًا كبيرًا أن أستضيف نخبة من المصريين الحقيقيين بمعدنهم الرائع؛ أولئك الذين امتلكوا الوعي وإرادة النضال من أجل تغيير يعيد لمصر وجهها الأصيل ويضعها في المكانة التي تستحقها ويستحقها شعبها.
قبل الموعد المحدد توافد على البيت مجموعات من أروع زهور بساتين الوطن، باختلاف مشاربهم الفكرية وتوجهاتهم: من المنتمين للحملة الشعبية لدعم البرادعي، ومجموعة يسار من أجل دعم البرادعي، وحركة كفاية، وحركة 6 أبريل ، وحزب الوفد، وغيرهم... حوالي مائتي شخص بينهم فتيات محجبات وغير محجبات وشباب ملتحون وحليقو الذقون، مسلمون ومسيحيون من مختلف الأعمار. وكنا قد قمنا بتخزين الأثاث في حجرة واحدة، ووضعنا مقاعد المستأجرة من فراشة قريبة على أساس أن الحضور لن يزيد عددهم على مائة شخص.. ففوجئنا بزيادة العدد على نحو اضطرنا لخلع أبواب الشرفة حتي يقف فيها البعض، ووقف آخرون على السلم عند مدخل الشقة، بل أن البعض اضطر للوقوف في المطبخ! حوالي ثلاثة ساعات ونصف الساعة لم يتململ أحدهم أو يشكو من التعب.
لا أعرف للمرة رقم كم التي يؤكد فيها البرادعي أنه ليس مرشحًا لرئاسة الجمهورية، وأنه مجرد داعية للتعديل الدستوري وإقامة الديمقراطية في البلاد؛ ليس بيده سلطة، ولا يأتمر حزب بأمره، وليست له جريدة تنطق باسمه. مثله مثل الكثيرين من الناشطين من أجل التغيير ، لا يختلف عنهم إلا في كونه شخصية لها مكانة دولية تتيح له حرية أكبر في التحرك، أوحت لناشطين عديدين أن يعتبروه رمزًا لحلم التغيير.. نعم، هو رمز حقيقي، لكن بعضنا اعتاد فيما يبدو على فكرة القائد المعلم والزعيم الملهم، والمخلِّص الذي يمتلك عصا سحرية تحقق لنا ما نشتهي من دون عناء. على الرغم من أن الرجل أكد أكثر من مرة أنه لايمتلك مصباح علاء الدين، وإن كان يمتلك روحًا تطمح للتغيير، وأنه سيخصص جهوده للوقوف في صف من يهدفون إلى التغيير مهما كان اختلاف الرؤى بينهم وبين بعضهم، أو بين بعضهم وبينه. لم يقدم الرجل نفسه إلينا باعتباره الثائر المناضل الذي سيقود الجماهير وينظمهم ويعلمهم آليات التحرك من أجل تغيير النظام. فلماذا يطالبه البعض بما لم يعد به؟ ولماذا ينتظر منه البعض أكثر مما طرحه؟ قال لهم بصراحة إنه لن يحقق لهم التغيير لكنه يطمح إلى أن يكون معهم وهم يحققونه.
علينا أن ندرك أننا لن نحقق التغيير الحقيقي إلا عندما نؤمن تمامًا أن الشعب هو صانع التغيير، وأن التغيير لا يمكن توصيله بنظام "هوم دليفري"، و الحرية لا بد أن تكون "مدفوعة الثمن مقدمًا"، ولن ننتزعها إلا بعد دفع هذا الثمن كاملاً. علينا أن نتذكر زمنًاً كان آباؤنا يتلفتون حولهم عندما يحاول أحدهم أن يلقي نكتة على مسامع صديقه، وصرنا الآن نستطيع الخروج في المظاهرات وعقد الاجتماعات رغمًا عن أنف النظام، ليس لكون النظام أصبح أكثر ديمقراطية، وإنما لأن آباءنا دفعوا الثمن اعتقالاً وتعذيبًا واستشهادًا؛ وعلينا نحن أن نواصل سداد الثمن حتى تتحقق لأحفادنا الحياة التي يستحقون.
عندما شرف بيتنا باستضافة هؤلاء المناضلين من أجل الحرية؛ منهم من جاء من أسوان، ومن جاء من قنا وأسيوط ومن السويس ودمنهور والاسكندرية؛ شحنوا بطارية التفاؤل في وجداني، وازددت إيمانا بهذا الشعب الذي لن يموت أبدًا.. دروس التاريخ تؤكد أن المصريين يمتلكون طاقة هائلة على الصبر والاحتمال، لكن غضبتهم تكون عاتية عندما ينفد هذا الصبر. فاحذروا غضبة الحليم التي لن تبقي ولن تذر. وتذكروا دروس عام 1977 عندما ظن الجميع أن هذا الشعب استكان للخنوع، فجاءت انتفاضته في 18 و19 يناير لتقلب جميع الموازين، وتؤكد خطأ حسابات من راهنوا على خمول الشعب وجموده. ويبقى إيماننا ثابت: الشعب هو الباقي والخالد، والأفراد إلى زوال. وإذا كانت دولة الظلم ساعة، فها قد مر منها بعض الوقت، ولم يتبق إلا دقائق.. هانت!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أنت الفكر والأمل إكرام
محمد نور المهدى ( 2010 / 6 / 21 - 09:34 )
شكراً لك على الفكر المتميز والفهم العالى والواضح للأحداث. لقد شدنى وجذبنى هذا العمق فى التحليل والفكر وتنويهك على أن البرادعى يطمح فقط للتغيير ولم ولن يرشح نفسه وجاءت عبارتك (ان الشعب هو صانع التغيير ) صائبة تماما
كل التقدير والاحترام والحب لمثل هذا الفكر العميق المخلص النابع من القلب ويسعدنا التواصل معكم
محمد نور المهدى - فلسطينى يعيش فى القاهرة
مدرس لغة عربية وشريعة اسلامية بالمدينة المنورة السعودية .

اخر الافلام

.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ


.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم




.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال