الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مثقفون-سياسيون سوريون

لؤي حسين - سوريا

2004 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


وقع بضعة سياسيين سوريين بمناسبة زيارة اياد علاوي إلى دمشق بيانا يخوّنون فيه الحكومة العراقية الموقتة، ويتهمونها بالعمالة للولايات المتحدة، ويعلنون عدم ترحيبهم بزيارة رئيسها إلى دمشق. كان عدم ترحيبهم وحجة بيانهم، حسب ما جاء فيه، أن إياد علاوي رئيس لتلك الحكومة >، وبسبب تاريخه الشخصي الذي يحدده البيان >.
قد يكون رأي الموقعين الذي جاء في البيان صائبا، وسيبقى هذا رأيهم ولهم الحق في اختياره أو تبنيه، لكن إعلانه بصيغة البيان، هذا أمر آخر. ولنا أن نرى فيه أمرا آخر. ولن يكون شخص السيد إياد علاوي ولا مقامه موضوعا لنا، فهذا شأن العراقيين سيقولون فيه قولهم يوم يصلون إلى صندوق الاقتراع.
قدم الموقعون أنفسهم من عنوان البيان على أنهم مثقفون وليسوا سياسيين، إظهارا لبراءة المثقف من غايات تحتسب عادة على السياسي الذي يتوقع مكسبا من قول أو فعل يقوم به. وأعتقد أن قلة عددهم ليست بسبب قلة عدد السياسيين المثقفين السوريين الذين يشاطرونهم هذا الموقف، بل لأنهم لم يعرضوا بيانهم على بقية جوقة الزجل السياسي السورية ليوقعوا عليه؛ أولئك الذين لا يتقنون من السياسة إلا قوافيها. وأظن أن عدم عرضهم هذا كان بقصد الاستئثار بكسب أقله إعلامي وليس أقصاه ما أشار إليه جهاد الزين في مقاله اللائم (خطاب عبثي: الباء بعد العين، جريدة <<النهار>>، الثلاثاء 27 تموز 2004).
لم ننس بعد أن بعضا من الموقعين كانوا من الذين استقبلوا طارق عزيز في دمشق قبل الغزو الأميركي بحجة التضامن مع الشعب العراقي، وتضامنوا يومها مع <<عزيزهم>> وبايعوه ورئيسه على قيادتهما للتصدي للديكتاتورية العالمية، حسب ما قالوه تبريرا لذلك. ولن ننسى أن جميع هؤلاء لم يوقعوا بيانا مماثلا عندما زار دمشق سفاحون من قادة نظام صدام، وما كانوا ليوقعوا هذا البيان، استنادا إلى أدائهم هذا، لو كان العلاوي موفدا لصدام. وما زلنا نذكر أن بعضهم ذهب إلى بغداد قبيل الغزو الأميركي أيام العز الصدامي ليقيموا في فنادقه ويستقبلهم مسؤولو صدام الأمنيون مكتفين بهم على أنهم الشعب العراقي، وكل ذلك بحجة نصرة العراق. هذا العراق، الذي يحتاج الكثير من أفراده لكل أنواع المساعدات، لم تعد تدخله قوافل نصرة <<المثقفين>> السوريين بعد أن أطيح بصدامه ولم يظهر فيه بعد صدام جديد يقوم بحسن الضيافة. واكتفى مناصرو العراق هؤلاء باتهام القسم الأكبر من العراقيين بالعمالة ودعوا عراقيين وغير عراقيين آخرين الى قتل أولئك الأولين بذريعة إقامة مؤسسات عراقية في ظل الاحتلال وبمشورته، مدعين أنهم بدعوتهم تلك يحافظون على وحدة العراق من المخطط الأميركي الذي سيفتت العراق إلى عشرات الأجزاء وليس إلى عدة أقسام ودويلات حسب تحليل أحد الموقعين قبل الغزو. وواحد آخر منهم بلغ به الشعور بمسؤوليته عن العراق أنه أكد لي دخول خمسة وثلاثين ألف متطوع سوري إلى العراق ليثبت لي وطنية السوريين في مقابل مهادنة العراقيين.
كان يمكن لهذا البيان ألا يلفت الانتباه لقلة موقعيه، لولا انهم من أسياد موقع المعارضة السورية وأبرز قوّالي الرأي فيها، وان الغالبية من المعترضين السوريين يوافقونهم الرأي والموقف والدور، وإن لم تتح لهم فرصة توقيع البيان. فجميعهم استقالوا من دورهم المعارض السياسي أو الثقافي إلى نبش تاريخ القادة العراقيين، وإلى إثبات أن العسكر الأميركيين في العراق هم محتلون وليسوا بعثات خيرية وتبشيرية.
لم يأت البيان على ذكر القيادة السورية التي استقبلت العلاوي بحفاوة، مع أنه زائر غير عادي وغير طبيعي (حسب وصف البيان له)، فهو بذاك البيان ممثل ورئيس لحكومة لا تقل عن الحكومة الإسرائيلية ضررا وعدوانا للشعبين العراقي والسوري إلا بأقل من درجة. وكان من المفترض التجرؤ على القيادة السورية وعلى الشعب السوري الذي سكت عن هذه الزيارة لو كان سبب البيان حميّة موقعيه القومية.
لا تحتمل مساحة البيان أن نطالب موقعيه باقتراحهم بديلا للحكومة العراقية الموقتة التي لا تدعي لنفسها شرعية شعبية بل شرعية دولية كحال بقية الحكومات في المنطقة. لكننا نعرف رأيهم من خلال كتاباتهم ومواقفهم السابقة، التي لم يقولوا فيها إلا نَظما سياسيا مقفى بكلمات التحرير وتقسيم العراق ونفطه والمقاومة والشهادة والعمالة والخيانة وكرامة أمتهم العربية. ومع ذلك ليس في البيان أي قول في السياسة، ولا هو يقارب الثقافة بكل تأكيد. وليس هذا جديدا على خطاب معترضي السلطة الذين لم يستطيعوا أن يقوموا بدور المعارضة يوما، أي أن يمتلكوا الخطاب والثقافة البديلين لخطاب وثقافة السلطة، أي ثقافة الاستبداد الوطني التي باتوا ينتجونها أكثر من السلطة بعد أن كانوا يستهلكون نتاج السلطة منها؛ هذه الثقافة التي كتبت عنها غير مرة، وقلت إن النخب السورية تنتجها وتستهلكها. فبعض دعوات التحرر تتضمن دعوة استبدادية إن كان المحرر من النوعية التي يدعو إليها بعض النخب السورية في العراق.
هذا البيان الذي بين أيدينا هو كلام غير مسؤول، صادر عن أشخاص لن يسائلهم أحد عما قالوه، ولن تنتقص مكانتهم وشهرتهم إن أخطأوا القول أو أصابوه. فهم بموقعهم هذا نتيجة اعتراضهم على السلطة فحسب، وليس لديهم سوى اضطهاد السلطة لهم. وكنت أتمنى أن يكونوا على ما هم عليه نتيجة التفاف بعض الناس حولهم، أو مجرد اهتمام بعض هؤلاء الناس بما يقولوه. فطالما سيبقى قولهم من نوعية قول السلطة، ستبقى السلطة هي خيار الناس كونها تفوق معترضيها بأنها صاحبة أرزاق الناس وأمنهم وخوفهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سجال إيراني تركي.. من عثر على حطام طائرة رئيسي؟? | #سوشال_سك


.. السعودية وإسرائيل.. تطبيع يصطدم برفض نتنياهو لحل الدولتين وو




.. هل تفتح إيران صفحة جديدة في علاقاتها الخارجية؟ | #غرفة_الأخب


.. غزيون للجنائية الدولية: إن ذهب السنوار وهنية فلن تتوقف الأجي




.. 8 شهداء خلال اقتحام قوات الاحتلال مدينة ومخيم جنين والجيش يش