الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب وشرف آخر زمن

علي الأمين السويد

2010 / 6 / 21
كتابات ساخرة


دأَبَ العرب قديماً؛ على التغني بالخصال والشيم العربية الأصيلة، كالكرم و الشجاعة والشهامة، وإغاثة الملهوف، والشرف ، و... و... والقائمة تطول، فتعددت مفاهيمها عندهم حتى صار كل قوم يفهمها وفق مصالحه، ويضع معاييرها على هواه، أو هوى ليلاه. وقد ثبت أن هذه الخصال قد لعبت دوراً كبيراً في رفع أقوامٍ، وحطِّ أقوامٍ "إعلامياً" بواسطة سلاح عربي وحيد وفتَّاك؛ يدعى اللسان.
ومن المنطقي أن ينظر المرء بعين الرضا إلى أفعالٍ إيجابية قام بها أفراد ساعدوا محتاجاً، أو أنقذوا عائلة من الهلاك، أو هبوا لنجدة قومٍ تعرضوا لغزو الأجنبي، كما حدث في ذي قار. غير أن هذه الشواهد كانت فردية، ولم تكن ناموساً متأصلاً في ثقافة الناطقين بالعربية يحرم الخروج عليه، بل كانت الأمور، وما زالت، على العكس جداً من ذلك.
فإلى حين ظهور دولة الإسلام الأولى، كان العرب يتغنون بالشرف، والمجد، والرفعة، وهم أبعد ما يكونون عنه. فعرب الشام كانوا تحت رحمة الروم، ومع ذلك يتغنون بالشرف والمجد، وعرب العراق كانواً أسرى دائمين للفرس، و لم يجدوا مانعاً في الشعور بالشرف والمجد. وكان عرب الجزيرة يغزون بعضهم البعض، ويَسْبُون نسائهم، و يئدون بناتهم، ويسْتَرقـّون ضعفائهم، مع ذلك، لا يجدون حرجاً من نسب الشرف والمجد لهم وحدهم. وظل الجميع يتعالى ويتغطرس بأعماله الوحشية، حتى تساوت قيمة أفعالهم البربرية بقيم إغاثة الملهوف ورفع الضيم، وبات من الصعب تحديد معنىً مفيداً للشرف.
ولكون بعض العربان شعوباً تنجح في المحافظة على موروثها كما هو، ما شاء الله ... اللهم لا حسد، صار للشرف مفاهيم متضاربة، فما يُحسب شرفاً عند قوم "هابيل" ، يحسبُ مذلة عند قوم "قابيل"، مع فارق بسيط. فبدل التحدث عن شرف القبيلة، صار التحدث عن شرف سياج عظيم يجمع القبائل. فمعايير الشرف عند موريتانيا تختلف عنها في الجزائر، أو مصر، أو لبنان، أو دولة رام الله الحرة أو السعودية، أو دولة غزة الغرّة أو الصومال.

وتمشياً مع اختلاف الأذواق، اختلفت الميادين التي يتحقق فيها الشرف عند العرب، فمنهم من يعتبر الدفاع عن الأرض وإخراج المحتل، شرفٌ لا يناله إلا من عمل على إخراج المحتل، أو دحر المعتدي. ومنهم من يعتبر الدفاع عن الوطن، وحمايته عبثٌ، و إرهاب بلا دين ولا شرف، ولا تتحقق الرفعة إلا بمهادنة المحتل، والعيش تحت رايته. وهنالك ما يسمى بشرف الوجود المستمر الذي يتحدث عنه، بلا وجل، كمَّامو الأفواه وساحقو الآخر، وهذا النوع الأخير من الشرف لم يُشَّرف بالاستحواذ عليه حتى الملائكة أو الأنبياء حتى الآن.
المحبط في الأمر أن مفاهيم الشرف هذه لا مفر من وجودها، فهي شكل و طريقة تشكل تحدثُ بحكم صيرورة حركية احتمالية نسبية، و لا يمكن ضبطها أو حصرها، أو حتى إلغائها، فما يراه زيدٌ سلبياً، قد يراه عبيدٌ إيجابياً. غير أن المشكلة لا تكمن هنا، وإنما تكمن في الحالة العجيبة التي وصل إليها المُخْرَجُ اللغوي المفاهيمي العربي. فقد صار كل من أراد أن يعبر عن تفوقه العنصري، استعمل المصطلح الذي يخدم غرضه دون الالتفات إلى وقعه أو أثره، أو حتى مدلوله العلمي أو التوثيقي.
فبالأمس القريب تنادت بعض وسائل الإعلام، فقالت أن الجزائر "شرّفت العرب". فقلت عجباً لهذه المغاربية – الجزائر، ماذا فعلت؟ هل أوصلت "قافلة حرية" جديدة إلى غزة؟ أم هل ألقت القبض على جواسيس يعبثون بأمنها؟ أم هل قاطعت دولةً تسيء "للعرب"، بمناسبة تشريف العرب؟ أم أنها سمحت للسلام بأن يسود فيها أو في المغرب؟ فقيل لي أنني ذهبت بعيداً جداً، والأمر كله لا يعدو أن الجزائر قد شرَّفت العرب "بتعادل" فريق كرة قدمها مع فريق قدم انكلترا بنتيجة سلبية.

واه مصيبتاه ...... واه معرتاه.......
فقائمة أسباب فقدان العرب للشرف تطول وتطول، ومن المنطقي أن إعادة اكتساب الشرف رهن بإيجاد المفقودات. فحتى يُفهم أن الجزائر، كدولة، أو غيرها قد شرًّفت العرب، يجب على الأقل، أن يُفعل أمرٌ مادي ينفع في إعادة مفقودٍ أخلاقي ما، كأن تَقْلِبَ حكمها إلى ديمقراطي شفاف، أو أن توجد قوانين لحماية حقوق المواطن أسوة بالحيوان، أو أن تتنصر لقضايا دول عربية أخرى،أو تُظْهِر بالأدلة القاطعة أن إسرائيل مؤسسة عنصرية بامتياز.
طبعاً، أيٌ من هذا لم ... ولن يحدث
لكن، أن يتم استعادة الشرف العربي، أو أن يُشرَّف العرب بنتيجة مباراة كرة قدم و"سلبية"، فهذا لعمري عجب العجاب. و المصيبة هي ما كان سيحدث إن تم "التعادل الايجابي"، وليس الفوز؟ ربما سيقال: "اليوم انتصف العرب من الانجليز. وحقق العرب التعادل التاريخي وفق المعادلة التالية: انجلترا أهدت فلسطين إلى الصهاينة، والعرب قاموا، انتقاما لذلك، بتمزيق شباك مرماهم بهدف رداً على هدف"، ويكون بذلك قد استرد العرب حقوقهم من انجلترا وانتهينا.... يا سلام!
وليس عجباً أن تخطف إسرائيل الفكرة غداً، و أن تعرض على الدول العربية في القمة العربية القادمة، تحت ظل الاحتلال وعلى شرفه، مبادرة كروية للسلام، يلعب فيها فريقها مع فرق الدول العربية فرادى، وكلما انتصر العرب في مباراة، شرَّفوا بعضهم البعض تشريفاً، حتى الشبع، وازدادت مساحة أراضيهم شرفاً وتعظيماً، و اعتبروا أنهم انتصروا في معركة الوجود، ومرَّغوا أنف إسرائيل بالوحل، و لعنوا أمَّ آل صهيون ومن والاهم، و أعادوا، بعد نضالٍ مر، شرف أخر زمن إلى أصحابه أحفاد أبطال داحس والغبراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو


.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق




.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس


.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم




.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب