الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجيوبولتيكا الايرانية ومستقبل العقوبات الامريكية

دياري صالح مجيد

2010 / 6 / 21
السياسة والعلاقات الدولية


ربما لا نغالي اذا ما ما اعدنا قولاً سابقاً لنا اشرنا فيه الى انه لا توجد دولة في مجمل النطاق الجغرافي المطل على المسطح المائي المعروف بالخليج العربي قد هضمت بشكل كبير المفهوم العلمي للجيوبولتكس الذي نراه يقوم على اساس الكيفية التي تسن بها الدول سياساتها من اجل افضل انواع الاستثمار للعوامل الجغرافية المختلفة بهدف الاضرار بالخصم في اقليم من الاقاليم , مثلما فعلت ايران التي اصبح سياسيوها اليوم بارعون الى حد كبير في التعاطي مع جغرافية المنطقة بمجملها وبما يحقق الاهداف الاستراتيجية المرسومة في فكر صناع القرار السياسي هناك وبالشكل الذي يضع القرارات التي تتخذها الادارة الامريكية تجاه هذه الدولة العنيدة محلاً للشكوك والتكهنات المستقبلية .
في الايام الماضية فُرضت عقوبات امريكية – اوربية على ايران وربما كما كان يوحي البعض بموافقة روسية , ليكون ذلك ضرباً للمقترح التركي - البرازيلي الذي دُشن مؤخراً في طهران في محاولة لنزع فتيل الازمة بين الاطراف المعنية بالملف االنووي الايراني , لتاتي تلك التوجهات في دلالة تشير اولاً الى ان القوى البحرية الكبرى في عالم الجيوبولتيك والتي تشتمل امريكا وحلفائها الغربيون في اوربا الاطلسية قد بدءت تشعر بالضيق من تنامي الدور الايراني المُهدد علناً لمصالح تلك القوى في واحدة من اهم الاقاليم التي تتركز فيها المصالح الاستراتيجية لتلك القوى البحرية . لذا اُقر مبدا ينص على ضرورة تفتيش السفن الايرانية في محاولة من قبل تلك القوى للتقليل من الدور المتنامي للبحرية الايرانية في المنطقة الخليجية الى اقل تقدير وربما محاولة متاخرة للحد من النفوذ البحري لهذه القوة ذات العلاقات الوطيدة مع اهم القوى البرية في العالم وهي كل من روسيا والصين الباحثتان عند دور اكبر في العلاقات الدولية للقرن الحادي والعشرين عن طريق التعاطي البناء مع القوى البحرية الناشئة الممتدة عند اطراف منطقة الرملاند المعروفة لدى المهتمين بالجيوبولتكس , لذا لا يبدو تورط الروس في الموقف الحالي اكثر من كونه مجرد تكتيك لابعاد النظر عن تحالفها ومساندته الحقيقية لايران في المنطقة لتحقيق غايات بعيدة المدى لا يخرج جزء منها عن اعادة امجاد الامبراطرية للدور الروسي الجديد في العالم والعلاقات الدولية واعاقة الهيمنة الامريكية الراغبة في اقامة نظام دولي احادي القطب .

في مقابل فرض تلك العقوبات اعاد خبراء الجيوبولتكس الايرانيون النظر في كيفية احياء الجيوبولتيكا الايرانية مجدداً عبر استثمار الموقع الجغرافي لبلدهم في ميادين عدة ليأتي هنا دور الموقع المُطل على مضيق هرمز باعتباره احدى نقاط الارتكاز الجغرافية المهمة لايران في الرد على تلك العقوبات اذ هدد اكثر من مسؤول ايراني بانه اذا ما تعرضت السفن الايرانية للتفتيش فانها سترد بالمثل مُحذرة تلك الدول بانها ستتعرض الى ردود فعل انتقامية , وفي هذا الصدد قال مقرر مجلس الامن الوطني السيد كاظم جلالي مشيراً الى الاهمية الاستراتيجية للموقع الجغرافي الذي تشغله ايران ما يلي (( يشغل مضيق هرمز موقعاً استراتيجياً في الاقليم , لذا فان الجمهورية الاسلامية سوف لن تتردد في استخدام مصادر قوتها هناك )) . في حين قال السيد علي لاريجاني بهذا الخصوص كلمة اكثر عنفاً وتهديداً للمصالح الغربية في هذا النطاق عندما اشار في كلمته الى الاتي (( نحذر الولايات المتحدة الامريكية وبقية الدول المغامرة بانهم اذا ماقاموا بتنفيذ طموحهم الخاص بتفتيش السفن الايرانية , فانهم يجب ان يعلموا باننا سوف نتخذ كل الاجارءات المشابهة تجاه سفنهم في الخليج وبحر عُمان من اجل الدفاع عن مصالحنا )) .

ان المكانة التي يتمتع بها مضيق هرمز باعتباره جغرافياً يعد المُدخل الحقيقي للخليج العربي وبالتالي عُنق الزجاجة في الطريق البحري لناقلات النفط التي تعتمد عليها القوى البحرية ذات العلاقات المتوترة مع ايران , جعلت الايرانيين يفكرون في ارسال رسالة مليئة بالتهديدات المزعجة لماهية السيناريوهات التي ستترتب على امكانية تطبيق مثل هذا التهديد وماهية الاضرار التي ستلحق بدول الخليج النفطية اذا ما اُعيد سيناريو حرب الناقلات الذي شهدته المنطقة خلال فترة الحرب العراقية – الايرانية , ولعل ذلك ما يُفسر في حقيقته الموقف المتعالي والمتعنت الذي عبر عنه السيد نجاد في رسالته التي بعث بها الى الدول التي ترغب في تطبيق تلك العقوبات على بلاده عندما قال (( ان بلاده مستعدة لاستئناف المحادثات حول برنامجها النووي لكن الشروط الخاصة بهذا الحوار قد تغيرت , سنعمد الى وضع شروط جديدة من اجل معاقبة تلك الدول )) .

قد يتصور البعض ان الولايات المتحدة الامريكية والعديد من حلفائها يدركون تماماً كيفية التعاطي مع الملفات الخاصة بالمنطقة , الا ان التجربة العراقية اثبتت ان الامريكان جاهلون بشكل كبير في كيفية تعاطي النظم السايسية في المنطقة مع السياسة من منظو ر العناصر الجغرافية لبلدانهم التي تتيح لدولة مثل ايران اللعب باوراق عديدة لايمكن معها عندئذ تطبيق ذات السيناريو الذي اُستخدم مع العراق لتركيعه وتجويعه تمهيداً لاحتلاله , فأدوات الفعل السياسي الايراني والموقف الشعبي العام لا زال رافضاً للهيمنة الخارجية ولازال فاعلاً في استثمار تلك العناصر للحد من تطلعات امريكا تجاه ايران التي تُدعم بشكل كبير سواء بطريقة مباشرة ام غير مباشرة من القوى البرية التي تكن العداء التقليدي لامريكا وتملك معها علاقات مضطربة وملفات مهيئة للانفجار في اي لحظة . لذا فان مثل هذه العقوبات ورغم الصخب الاعلامي المُحيط بها لا يمكن ان تحقق كل الاهداف المرجوة منها في مجال كبح جماح ايران في اطار نشاطها النووي . لذا فالامر لم ينتهي والاحوال قابلة للتبدل في اي لحظة خاصة في ظل هذه التاكيدات التي لا تنطلق من فراغ وبالذات انها قد تزامنت مع بعض المناورات العسكرية التي قامت بها القوات الايرانية في مياه الخليج وبالذات منه بالقرب من مضيق هرمز الذي يعتبر احدى اهم البوابات البحرية في الاستراتيجية التي ستعمدها ايران في كسر حدة الطوق الذي تريد امريكا فرضه عليها وهي خطوة تدلل على عمق الاثر الذي يتركه الجيوبولتيك في العلاقات الدولية للقرن الحادي والعشرين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة