الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الدولة والنقابة ( عرض تاريخي )

جمان حلاّوي

2010 / 7 / 31
الحركة العمالية والنقابية


مفهوم الدولـــــــــة والنقابــــــــة
( عرض تاريخي )

قبل التطرق إلى الدور الحتمي للنقابات في حياة الشعوب الاقتصادية كبنية تحتية، وفي المجالات الاجتماعية والتعاملات الحياتية لبنية فوقية ، وبالتالي وضوح الدور الحيوي ألمطلبي من قبلها لمؤسسات الدولة ، والرقيب المهني لتداول الدولة للقوانين المنصوصة لحركة العمل و حياة الناس والتي هي الهدف النهائي لكليهما ( اقصد الدولة والنقابة ) ، لابد لي من توضيح أولا" تاريخ نشوء الدولة والتي على أساسها ظهر العمل النقابي بكل عمقه .
فالدولة كمفهوم متقدم في وضع المجتمع البدائي لم يتواجد منذ الأزل ، وفي نفس الوقت لم يخلق بمحض الصدفة بل جاء كضرورة حتمية لاحتدام الصراعات (والتي سأقوم بتوضيحها ) وعلى أنقاض العشيرة .
فالعشيرة ذلك التجمع البشري المحصور بالعرق والانتماء الأبوي جاء نتيجة هيمنة جماعة على الأرض استعبدت على أثرها الجماعات المحيطة أما بالخطف أو الأسر، وكان الإنتاج لا يعدو سدّ الحاجات الآنية . وأضحت هذه الجماعة وعلى رأسها الأب ما يسمى بالعشيرة البدائية .

وبتنامي الثروة وازدياد الاحتياج إلى التنوع بسبب الاستقرار بعد التشرد والبداوة توسع الإنتاج وبدأ يخزن ويصنف وأضحت العبودية بعد أن كانت حدثا" عرضيا" في طورها الأول أصبحت ألان جزءا" مكونا" جوهريا" من النظام الاجتماعي .. إنها الأداة التي تنتج وسائل العيش وأسبابه

و ظهرت حرف ساندة للإنتاج الفعلي ( الزراعة ) إلا وهو إنتاج الزيوت من بعض البذور والحياكة وصناعة الحبال ، وصناعة الخشب والتي أهمها صناعة العجلة (ويعتبر اختراع العجلة ثورة في تاريخ البشرية بعد اكتشاف النار ) ..الخ , فظهر ما يسمى بتقسيم العمل , وانفصلت الحرفة عن الزراعة , وظهرت طبقة جديدة تختلف بمواصفاتها عن العبد ، هم الحرفيون ،
وظهر الإنتاج البضاعي على أثر الحرف وظهرت معه التجارة والتبادل البضاعي مع العشائر القوية المجاورة، وظهرت بذلك المعادن الثمينة كتبادل سلعي لكنها لم تسكّ لحد هذه اللحظة بل كان يتم التبادل بها حسب وزنها ونوعها .

وبذا ظهر صراع جديد ليس بين السيد والعبد بل بين الأغنياء والفقراء , وسيتضح ذلك ، وأصبحت الأرض ملكا" للعوائل حيث انتقل الأبناء مع زوجاتهم كل إلى أرضه التي اقتطعها لنفسه من ارض العشيرة وامتلكها وظهر مفهوم (العائلة ) !
( فالعائلة ظهرت كمفهوم اجتماعي بعد تفتت العشيرة ، وليست هي نواة العشيرة كما هو سائد خطأ" )..
واجتمعت العوائل على نمط جديد لا يجمعهم أب واحد ولا عرف واحد بل مصالح مشتركة لابد من الحفاظ عليها والحفاظ على التبادل السلعي فيما بينها وبذا ظهرت المجالس لإدارة الأمور، وانتخاب القادة العسكريين والذي جاء منسجما" مع تنامي الثروات وأطماع بعض على البعض الآخر ..
وظهرت المدن بأسوارها العالية !!

ونتيجة لتنامي تبادل السلع والبضائع ظهرت فئة جديدة إلا وهي فئة التجار وهي فئة داخل التجمع تحمل السمات الطفيلية من الكسالى ولا تشترك بأي قسط من الإنتاج بل هي وسيط لتبادل السلع ، والتي تقوم بخلق الأزمات التجارية الدورية لإخضاع المنتجين إلى سيطرتها .. وظهرت معها النقود المسكوكة وهي وسيلة لسيطرة غير المنتجين على المنتجين وإنتاجهم ، وهي البضاعة التي تستطيع وحسب الطلب أن تتحول إلى أي شيء مرغوب فيه !
والى جانب هذه الثروات من البضاعة والعبيد وثروة النقود ظهرت الثروة العقارية فالأراضي التي اقتطعها الأبناء لأنفسهم من ارض العشيرة وكما اسلفت تحولت إلى ملك وراثي للفرد والعائلة المستقلة بنفسها وليس مشاعا" للعشيرة ، ومن يتعدى عليها حتى من الإخوة الباقين يعتبر معتديا" على مالك الأرض ، وغدت الأرض بضاعة تباع وترهن , وظهر الرهن العقاري ..

ونستفيد من هذا كله في توسع التبادل السلعي والتجارة والنقود والملكية العقارية والرهن العقاري إضافة إلى ما تمتلكه العائلة من العبيد كبضاعة متمثلة بالجهد الجسدي للعبد في الإنتاج ظهرت مراكز قوى وتمركزت الثروات بيدها متمثلة بطبقة قليلة العدد .. وليتزايد معها عدد الفقراء الذين جاء فقرهم أما لخسارات فادحة أو أحفاد لأجانب ولاجئين لا يسمح لهم بالتملك واقتطاع الأرض المحتكرة ( بفتح الكاف) وكما يسمون في مصطلحنا الشرقي ( الموالي ) .

إن هذا التقسيم الجديد للجماعات في انفصالها عن العشيرة وبروز تقسيم العمل وظهور مراكز قوة تمتلك الثروة والعبيد والنقود وتسكن المدينة ، ظهر على اثر ذلك مصالح جديدة غريبة عن النظام العشائري القديم الذي سكن القرية فتشكلت هيئات جديدة لتنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصاد الجديد وظهور صراعات أكثر عنفا" بسبب انقسام المجتمع الجديد إلى سيد وعبيد ، مستثمرين أغنياء وآخرين فقراء . وكان التوفيق ما بين هذه المتضادات صعبا" فكان لابد من ظهور هيئة عليا متفق عليها تحدّ من هذه الصراعات والانقسام الطبقي إلا وهي ( الدولة ) !

وهكذا فان الدولة لم تكن مفروضة على المجتمع من الخارج وليست ( واقع الفكرة الأخلاقية ) و( صورة وواقع العقل ) كما يصفها ( هيجل )
الدولة نتاج المجتمع الجديد ما بعد القبلية ، وهو بالضبط إفصاح عن واقع أن هذا المجتمع قد وقع في تناقض مع ذاته لا يمكنه حله .. عن واقع أن هذا المجتمع قد انقسم إلى تضادات مستعصية هو عاجز عن الخلاص منها ..
ولأجل منع هذا التصادم بين الطبقات المتصارعة ذات المصالح المتنافرة بالتهام وتمزيق وإفناء بعضها البعض اتفقت ضمنيا" على إنشاء قوة هي فوق المجتمع تسنّ له القوانين وتبقيه ضمن حدود النظام وهي الدولة ( كما أسلفت ) .
وظهر مع مفهوم الدولة مفهوم السلطة العامة التي تحمي المجتمع من الداخل ومن الاعتداءات والغزوات الخارجية ولها قائد عسكري واحد وجيش يحمي جميع المدن بطبقاتها المنتظمة ضمن الدولة ،
وظهرت تلك السلطة فارضة نفسها بعدم انتمائها لأي طرف من أطراف الصراع ولا حتى للانتماء القبلي والعرفي القديم .
ولأجل ديمومة السلطة ظهر مفهوم الضرائب وجبايتها من الناس قسرا"، وفرض الاحترام عن طريق قوانين زجرية وضعت السجون والعقوبات الجزائية ضمن دستور متفق عليه ، وهناك أيضا" الأحكام العرفية للحد من الصدامات والاحتكاكات المباشرة بين الطبقات المتناحرة ،

وبما أن الدولة قد نشأت من الحاجة إلى لجم صراع الطبقات , وبما أنها قد نشأت في الوقت نفسه ضمن الاصطدامات بين هذه الطبقات فهي كقاعدة عامة دولة الطبقة الأقوى السائدة اقتصاديا" وبيدها اقتصاد الدولة ( فلها ثقل المال وثقل الأصوات داخل المجلس ) وبالتالي ستكون هذه الطبقة هي الطبقة السائدة سياسيا" ، وتكتسب من هذا الامتياز وسائل جديدة لقمع الطبقات المسحوقة الأخرى عن طريق استغلالها واستثمار جهودها .
من هذا المفترق الحاسم والخطير تحولت الدولة إلى واجهة لتناحر جديد هو التضاد والهوّة العميقة بين مؤسساتها الزجرية والشعب الذي بدأ يعاني اضطهاد أرباب العمل الذين تحميهم الدولة والتي تتكون منهم ( كما أسلفت ) فتأسست بذلك التجمعات المهنية داخل الفئات المتعَبة المسحوقة التي لم تعد تمتلك شيء سوى جهدها العضلي مقابل حفنة من الطعام يبقيها حية .
فكانت هذه التجمعات التي أضحت نقابات تدافع عن حقوق هؤلاء في تقليل ساعات العمل المضني من أربعة عشر ساعة في اليوم إلى ثمانية ساعات ، ومن ثم إلى ستة ساعات ، وتقليل أيام العمل من سبعة أيام في الأسبوع إلى خمسة أيام ، مع زيادة الأجر .
وكانت أول نقابة عمالية ظهرت في فرنسا وبريطانيا كتكتلات عمالية أجبرت بقوتها وسيطرتها على وسائل الإنتاج إلى الاعتراف بها ، وسنّ قانون يعترف بالعمل النقابي عام 1864 ، لتتوّج بانتفاضة باريس ( كومونة باريس )عام 1871 ( والتي ذكر جزء من فصولها في رائعة الروائي فيكتور هيجو " البؤساء " )

وجاءت نقابة عمال شيكاغو مطالبة بتقليل ساعات العمل ورفعت شعار ( 8 ساعات عمل ، 8 ساعات تعليم ، 8 ساعات راحة ) لتحصل مذبحة من قبل الدولة ومقتل العشرات من العمال وإعدام قادة الانتفاضة في 1 أيار 1886 ، ليكون يوما" عالميا" للعمال .
وأسقطت النقابات دولا" بأكملها كما حصل مع نقابة عمال ( بولندا ) بقيادة العامل النقابي ( ليخ فاليسـّا ) والتي أطاحت بالنظام البيروقراطي البولندي المغلف بالاشتراكية في ثمانينات القرن الماضي .

وتشكلت أول نقابة عمالية في العراق ( بقيادة صالح القزاز) عام 1924 ولم تعترف بها السلطة آنذاك ، ثم أصبحت النقابات علنية فارضة وجودها بعد ثورة 14 تموز المجيدة عام 1958 .

إن هذا الكلام ليس من سالف الزمان ! فلم يزل الاضطهاد ، ولم تزل جهود العمال تستلب من قبل أرباب العمل وتحت خيمة أرقى الدول الديمقراطية في عالم القرن الواحد والعشرين إذ نسمع بين الحين والآخر قيام نقابات عمال الطيران أو عمال المترو وغيرهم بإضراب عام في بريطانيا ودول أخرى لا تقل عنها شأنا تشل الحياة العامة حتى تستجاب مطالبهم الشرعية في زيادة الأجور .. تصور ، يحدث هذا في القرن الواحد والعشرين !!
ولولا النقابات ووقوفها الحازم بوجه دولها المنحازة لأرباب العمل لا يستطيع العمال أنفسهم لمّ شملهم والتكلم والإضراب فهم في الأغلب دون المستوى الطبيعي في التعلم بسبب الفقر والحاجة الدائمة والتعب والانتهاك الجسدي والنفسي وكما ذكر أعلاه!!

ولذا فالنقابات وفي كل أرجاء العالم هي البديل الثوري المدافع عن العمال والحرفيين والمهن الأخرى ، وهي الرقيب الدائم لعمل الدولة في تطبيق القوانين وتفسيرها ، وجعلها تصبّ في خدمة مختلف فئات الشعب ..
فالنقابة هي الوجود الحتمي والندّ الحيوي الذي لا بديل له لحماية الجهد البشري من ممارسات الدولة كمؤسسات احتفظت لنفسها سن ّ القوانين وتطبيقها والتي لم تزل حتى هذه الساعة تحمي مصالح أرباب العمل ومالكي وسائل الإنتاج لأنها قد امتلكت السلطة السياسية بوجودهم .
Email/ [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدولة هى طاغوت العصر الحديث
انسان فقط ( 2010 / 7 / 31 - 13:44 )
من هذا المقال يتضح لكل ذى بصيرة ان الدولة قامت على اسس قبلية عنصرية ومصالح ذاتية فئوية احتكارية وربما لم تكن بهذا السوء وهذه الوحشبة الاحتكارية الاستبدادية عند بداية تكوينها فقد كانت مفتوحة الحدود وكان الانتقال سهلا ومبسرا لاى مكان فى الارض والعيش فيه بدليل اننا نجد عائلات من اسس عرقية مختلفة فى الدولة والرئيس اوباما فى امريكا والجاليات العرقية المختلفة فى كل دول العالم دليل على ذلك اما بعد اختراع الطباعة وبداية عمل المستندات الشخصية كجوازات السفر وماتبعها من اقامات وتأشيرات وخلافه اصبح يكاد يكون من المستحيل انتقال الافراد والسلع بين ما يسمى الدول التى اصبحت بالتالى سجنا كبيرا لهم فرض عليهم منذ الولادة حتى الممات الا من لهم وساطة من اصحاب السلطة والنفوذ فى هذه الدول والتى اسميها طاغوت العصر الحديث وسبب بلاء البشرية من حروب وكوارث وجوع وفقر يعانى منه اربعة اخماس البشرية اليوم
فأين الكتاب والمثقفين ورجال الدين الذين اصبحوا خدما لهذا الطاغوت بدليل اهتمامهم فقط بالدعوة الى ما يسمى حقوق الانسان داخل دولهم فقط التى هى الاههم الحقيقى
اين هم من تحقيق الوحدة الانسانية والمساواة بين البشر

اخر الافلام

.. مظاهرة في القدس احتجاجا على تصريحات نتنياهو بشأن عملية عسكري


.. طلاب جامعة كولومبيا يعتصمون بمبنى رئيسي بعد رفض الإدارة مطال




.. عمالقة التكنولوجيا يتنافسون لاستقطاب العاملين في مجال الذكاء


.. الحكي سوري| جهود لحماية النازحين من اعتداءات عمال الإغاثة ول




.. جهود الدولة في دعم العاملين بالقطاع الخاص