الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
التجاوز والرهان الصعب
بدر الدين شنن
2010 / 6 / 22العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
تجاوزت التداعيات الأخيرة ماكان سائداً ومألوفاً ، في تواترات ، ومضامين ، ومستويات ، الصراع المتعدد الأطراف في الشرق الأوسط ، وأحدثت نقلة هامة ، سوف تظهربصماتها على حراك أطراف هذا الصراع في مراحل مقبلة ، سواء فيما يخص الصراع العربي الإسرائيلي ، أو بنزوع أكثر من دولة إقليمية للاستحواز على الموقع القطبي الشرق أوسطي الأول ، أو في السعي الطموح لتشكيل محور قادر على اختراق احتكار العمالقة الكبار للقرار الدولي " الشرعية الدولية " ، لاسيما في الشأن الشرق أوسطي .
أولى تجليات التجاوز ، أن التداعيات الأخيرة قد كشفت تماماً ، أكثر من أي وقت مضى ، أن الصراع في الشرق الأوسط يجري بين مشروعين . الأول، هو المشروع " الإسرائيلي - الأميركي - الغربي " الذي يعمل على إلغاء الوجود الفلسطيني ، وإمحاء السيادة العربية الجيو- سياسية - النفطية ، وتكريس الوجود الإسرائيلي الاستيطاني الشاذ كقوة عظمى مقررة في الإقليم . والثاني ، هو المشروع المقاوم ، الذي يرفض ا ستلاب فلسطين وبقاء الكيان الصهيوني ، ويتمسك بحق التحرير والعودة ، ويرفض الخضوع للهيمنة " الإسرائلية - الأميركية - الغربية" . ولأول مرة ’تطرح في غمرة هذه الأحداث معادلة الصراع العربي الإسرائيلي على مستوى وجودي . فمن جهة ’تعلن قوى المشروع الأول بمنتهى الجدية السياسية والاقتصادية والعسكرية ، ’تعلن الحرص على بقاء إ سرائيل كضامن للمصالح الغربية الأميركية في الإقليم . و’تعلن قوى المشروع الثاني ، أن العدوانية الإسرائيلية ، سوف تجر الوجود الإسرائيلي إلى نهايته المحتومة . الأمر الذي وضع " مبادرة السلام العربية" في سلة المهملات ، وأضعف إلى حد كبير ما يسمى بعملية السلام التي تجري طقوسها بين أنظمة " الاعتدال " العربية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية وبين إ سرائيل عبر الوسيط الأميركي واللجنة الرباعية ، وطرح جدياً مهمة التخلص من معاهدتي " كلمب ديفيد ووادي عربة " الموقعتين بين كل مصر والاردن وإسرائيل .
بمعنى أن المخططات القذرة التي ا شتركت بوضعها وتنفيذها الحركة الصهيونية والدول الاستعمارية العريقة ، لاستلاب فلسطين وإقامة كيان " إ سرائيل " ، وا ستخدام هذا الكيان في تكريس وا ستدامة الهيمنة الاستعمارية على البلدان العربية ، قد انفضحت على مدى لم تبلغه من قبل ، وآخر من قدم شهادة ذات دلالة بليغة على ذلك ، هي الصحافية الأميركية العاملة عشرات السنين في البيت الأبيض ، السيدة " هيلين توماس " التي دعت إلى التخلي عن " المشروع الصهيوني " ، وطالبت الذين هاجروا إلى فلسطين من مختلف دول العالم بالعودة إلى بلدانهم التي جاؤوا منها . بالمقابل طالب رئيس الوزراء الاسباني السابق ، شريك بوش في حروبه الشرق أوسطية ، بمقال في جريدة التايمز البريطانية في 17 / 6 / 2010 ، طالب بدعم الوجود الإسرائيلي باعتباره خط دفاع الغرب الأول في منطقة حيوية لأمن الطاقة ، وزعم أنه إذا انهارت إسرائيل انهار الغرب .
ويمكن بلا أي تردد ن اعتبار أن خلفيات هذه التداعيات ، التي أدت إلى تجاوز المألوف السابق في الصراع في الشرق الأوسط ، تتمثل في :
1 - إجبار المقاومة " إ سرائيل " على الانسحاب غير المشروط من الجنوب اللبناني عام 2000 .
2 - فشل الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 وعلى غزة 2009 - 2010 .
3 - تقاطع معركة إيران ، ضد اميركا والغرب وإ سرائيل ، من أجل انتزاع حق امتلاك التكنولوجيا النووية ، مع معركة المقاومة ضد الاحتلال .
4 - تصاعد مواقف تركيا " أردوغان " الجديدة في دعم القضية الفلسطينية ورفض العدوانية الإسرائيلية وحصار غزة .
5 - اختراق أ سطول الحرية السياسي الكبير للحصارعلى غزة ، وتوسع الاحتجاجات الدولية على الممارسات الإسرائيلية العنصرية .
ثاني تجليات التجاوز ، أن التداعيات الأخيرة ، قد أضاءت لحظة تاريخية إيرانية تركية شرق أوسطية بخاصة ودولية بعامة ، تتطلب فهمها ضمن قوس ظروف تشكلها وآفاق تطورها .
لقد لعبت إيران وما تزال دوراً هاماً في تقرير مصير الإقليم . ففي عهد الشاه ، كانت إيران السباقة إلى الإعتراف بإ سرائيل ( 1950 ) . ولعبت دوراً محورياً ، بالتعاون مع الحركة الصهيونية في نقل المهاجرين اليهود من إيران ومن أطراف العالم إلى فلسطين . وأقامت بعد نشوء " إ سرائيل " أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية معها . وتزعمت الدعوة في الوسط الاسلامي للاعتراف بإ سرائيل . وكانت العضو الأكثر أهمية في حلف بغداد المعادي لحركة التحرر العربية ، لإعادة إخضاع الدول العربية المستقلة للسيطرة الاستعمارية .
وشكلت إيران حتى سقوط الشاه 1979 أكبرقوة عسكرية ضاربة قي الشرق الأوسط لصالح أميركا والكيان الصهيوني . وكافأها الغرب ( ألمانيا ) على ذلك ، بأن قدم لها أول مفاعل نووي في المنطقة .
مابعد الشاه ، إن بدوافع مذهبية أو بأخرى ، تحولت إيران بالنسبة لإسرائيل إلى عدو . إذ أعلن النظام الايراني الجديد دعمه للقضية الفلسطينية . وتحول الثقل الايراني ، الذي تطور ليمثل لاحقاً ، دولة تنهض على مساحة تبلغ ( 846, 1 ) ألف كم2 ، وتضم ( 74 ) مليون نسمة ، ولديها ناتج اجمالي وصل إلى ( 819 ) مليار دولار ، تحول إلى الجهة المناهضة للمشروع " الإسرائيلي - الأميركي - الغربي " للهيمنة على ثروات ومصير الإقليم ، معززاً بطموح تكنولوجي نووي قطع شوطاً ملموساً في انتزاع التكنولوجيا النووية ، وفي انتزاع الدور الإقليمي الهام في الشرق الأوسط .
وعلى قدر لايقل أهمية ، ينبغي فهم انخراط تركيا " أردوغان " ، غير المرغوب فيها في الاتحاد الأوربي ، والطامحة لدور إقليمي - دولي مشروع ، في تفاعلات الشرق الأوسط ، باعتبارها جزء أ ساس في مكونات هذا الشرق ، لاسيما وأنه تزامن مع تصاعد عدوانية وعنصرية الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني ، التي تمثلت في العدوان المتوحش على غزة ، ومن ثم تشديد الحصار الفاشي على القطاع براً وجواً وبحراً . فتركيا " أردوغان " التي تمثل الآن دولة مساحتها ( 254, 977 ) ألف كم2 ، وتضم ( 5 ، 71 ) مليون نسمة ، وناتجها الاجمالي يبلغ ( 750 ) مليار دولار ، تحاول التخلص من عهد تركي " كمالي " كان مصنفاً حليفاً ثابتاً للغرب ولإسرائيل .. عهد جعل من تركيا في حالة عداء مع جواره العربي . وتجلى ذلك باعتراف ذاك العهد شبه الفوري بالكيان الإسرائيلي ( آذار 1949 ) ، ووثق ارتباطاته بالغرب بانضمامه إلى حلف الأطلسي ، وانخرط في الخمسينات من القرن الماضي في حلف بغداد السيء الذكر ، إلى جانب إيران الشاه وعراق نوري السعيد وباكستان وبريطانيا وفرنسا و .. " إ سرائيل " . وتحاول أن تحدث تبدلاً سياسياً لافتاً في الموقف التركي ، تؤشر مآلاته المستقبلية على أنه في غير صالح المشروع " الإسرائيلي - الأميركي - الغربي " في المنطقة كما ’أريد و’يراد له أن يكون .
ثالث تجليات التجاوز ، هو تقاطع المصالح والطموحات الايرانية - التركية - السرية - المقاومة ، الذي يدفع إلى احتمال تحوله إلى تحالف محوري ، مطلوب عملياً أكثر مما هو متوقع افتراضياً ، مما سيؤدي إلى مرحلة تصعيدية لايمكن حصرها في حقول العمليات السياسية والعسكرية ، بل سيكون لها امتدادتها الخطيرة إلى أقواس أبعد من الشرق الأوسط ، وخاصة ، على المستوى الاقتصادي ، حيث ستصبح البورصات الدولية وحقول النفط مسارح عمليات حربية اقتصادية الأكثر تأثيراً في الأزمة الرأ سمالية الناشبة الآن ، والأكثر تدميراً للقيم المادية . ما مفاده أن قيام أي شكل من التحالف المحوري بين القوى المذكورة ، لن يحمل فقط إ مكانية تغيير قواعد الصراع المألوفة في الإقليم وحسب ، وإنما يحمل ايضاً إمكانية إنعدام وزن أي قرار دولي ، كما في السابق ، يتعلق بالشأن الشرق أوسطي .. وعندها تبدأ كتابة الفصل الأخير من رواية الوجود الصهيوني الشاذ على الشاطيء الشرقي للمتوسط .
وهنا ينفضح النشاط المحموم للحيلولة دون تجذر هذه التقاطعات بين القوى الآنفة الذكر ودون تحولها إلى تحالف محوري جاد . إذ لم يعد المطلوب وقف المشروع النووي الايراني ، الذي لن يبلغ ا ستطاعة صنع قنبلة نووية قبل خمسة عشر عاماً ، بل المطلوب رأ س النظام . ولم يعد كيف يمكن احتواء " تركيا أردوغان " وإنما نسف كل مايمثله العهد الأردوغاني . ولم تعد لعبة عملية السلام ذات أهمية ، بل الإعداد لاستخدام القوة بكل الأشكال والصور للحفاظ على المشروع " الإسرائيلي - الأميركي - الغربي " لأن انهيار هذا المشروع في الشرق الأوسط يعني ، كما ذهب " أثنار " انهيار الغرب .. ويعني حسب قوانين التطور الاجتماعي .. تعمق وتوسع الأزمة العامة للرأ سمالية إلى درجة يصعب السيطرة عليها .
وعلى هذه الخلفية كان الخوف " الإسرائيلي - الأميركي - الغربي " من اللقاء الايراني التركي البرازيلي ، الذي انتهى إلى اتفاق لتبادل اليورانيوم في الأراضي التركية ، لتشغيل المفاعلات النووية الايرانية ، كخطوة عملية باتجاه حل أزمة الثقة بين إيران والآخرين ، في مسألة إلتزام إيران بالقوانين الدولية في ا ستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية . فهذا اللقاء تعامل با ستقلالية ونزاهة مع الملف النووي الايراني ، بخلاف تعامل الآخرين الذي يستهدف رأ س النظام عبر التذرع بالخلاف حول مدى الإلتزام بقوانين الرقابة الدولية . وقدم هذا اللقاء أنموذجاً لاستقطاب دولي ، قامت به دول متوسطة من آسيا وأميركا اللاتينية ، قد يفتح في المجال لنماذج دولية أخرى من اللقاءات ، مما سيؤدي إلى كسر احتكار هيمنة الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي على القرار الدولي ، الذي فقد توازنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتحول الصين إلى اقتصاد السوق ، وبات بامتياز قرار الشركات الرأ سمالية الاحتكارية العالمية .
وقد كان رد التكتل الدولي ، الذي تجاوز وأهمل إعلان ا ستانبول ، بإصداره القرار 1929 ، يرمي لتحقيق هدفين في آن . الأول ، إفشال أي دور للدول المتوسطة خارج نفوذ الدول الكبرى الممثلة للاحتكار الرأ سمالي العالمي السياسي والاقتصادي . والثاني ، حصر التعامل مع الملف النووي الايراني ضمن إطار مجلس الأمن الخاضع لهذا التكتل .
أضعف الحلقات في تقاطع المصالح والطموحات الجديدة في الإقليم ، هي سوريا . فالنظام السوري ، الذي زعزعت الأزمة العامة للرأ سمالية خياره با ستقالة الدولة من دورها في توجيه الاقتصاد ، وانتهاج اقتصاد السوق الليبرالي ، وأغرق البلاد بفيض من الغلاء والفقر ، وحوصر بين اقتصاد السوق ودور الدولة الاقتصادي .. بين أثرياء الفساد وا ستغاثة الفقراء والعاطلين عن العمل ، والذي خيبت أميركا والمفاوضات المباشرة وغير المباشرة آماله في إيجاد تسوية " مشرفة " لاحتلال الجولان ، وحوصر بين النفاق الأميركي - الغربي وشروط التسوية المذلة وبين الدور الوطني المطلوب ، والذي يستأثر بقيادة الدولة والمجتمع ، ويغلب القمع على الحوار مع الآخر الشريك في الوطن ، وحوصر منذ عقود بين عقلية الاستبداد وبين ضرورة الانفتاح والاصلاح والديمقراطية ، لم يكن له من مناص ، سوى ان يتموضع بين من يفتح له ، بتكلفة أقل ، مجالاً للخروج من حصاراته .
بيد أن هذا التموضع وحده لايفكك هذه الحصارات ، بل إن هذه الحصارات مرهقة لشركائه في التقاطعات ، وتشكل في اللحظات الحرجة ثغرة خطرة في البناء المحوري اللاحق . ما يعني ، أن على النظام أن يفكك حصاراته قبل توثيق علاقاته التقاطعية مع الآخرين ، وذلك بانتهاج خيارات اقتصادية اجتماعية تلبي مصالح الغالبية العظمى من المجتمع .. خيارات وطنية ذات أفق تحريري للجولان .. خيارات ديمقراطية تطلق مفاعيل الوحدة الوطنية وإبداعات وطاقات الشعب .
ويفرض السياق الراهن للتجاوز والتداعيات السؤال ، ماذا بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1929 وا ستحقاقاته ، وما مدى تأثير هذا القرار على مصير المشروع النووي الايراني ، وهل سيحبط ما تأتى عن التجاوز الحاصل من آفاق جديدة ، ويفشل التوجهات المحورية المناهضة للمشروع " الإسرائيلي - الأميركي - الغربي " في الشرق الأوسط ؟ .. أم أن هذا التجاوز قد أصبح واقعاً له ما بعده .. ما هو أهم وأكبر ؟ .
الرهان على جواب محدد صعب .. بيد أن المؤشرات تدل ، على أن الشرق الأوسط عامة سوف يشهد صيفاً حاراً .. يتجاوز المقاييس المألوفة .. على مدى عقود كثيرة مضت .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد
.. Socialism 2024 rally
.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة
.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا
.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط