الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خربشات حول الوضع التعليمي بالمغرب.

كريم اعا

2010 / 6 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


يعرف المشهد التعليمي بالمغرب سلسلة من التطورات التي تعيد إلى الأذهان السؤال حول علاقة الحقل التعليمي بالصراع الذي يعتمل داخل تركيبة اجتماعية ما. فبين الداعين إلى ربط التعليم بمتطلبات السوق وحاجيات طغمة من المستثمرين الجشعين، وبين الواهمين بأنسنة الفعل التعليمي في ظل اقتصاد متوحش، مرورا بالطامحين إلى تغيير يكون التعليم أحد جوانبه، ينتصب الفعل التعليمي كبوابة لنقاش لن ينتهي عند المقولات البيداغوجية وإنما سينفتح على مقولات أوسع هي المحددة لماهيتيه وشروط ممارسته.
فلم يكد الجدل حول ما سمي ميثاقا للتربية والتكوين يخبو حتى أطلق العنان لصخب جديد، عنوانه الرئيسي: البرنامج الاستعجالي. سلسلة شعارات أريد لها أن تشكل مادة إلهاء حديثة لحملة قديمة، همها الأول والأخير تبضيع التعليم وتحويله إلى سوق تمتص فيه دماء الطبقات المسحوقة، وتحرم داخله أجيال من أبناء شعبنا من التمتع من ثمار العقل البشري وثرات الإنسانية الحضاري.
البعد الرئيسي المتحكم في أصحاب هذا المخطط هو الإيهام بالتعاطي مع المسألة التعليمية في شقها الكمي فقط، من خلال التركيز على المؤشرات والمعطيات الإحصائية، وتغليف جميع التدابير المقترحة بسلسلة من الأرقام والنسب، في حين يتم التغاضي عن مجموعة من النقط الأساسية وفي مقدمتها المقررات والمناهج ونظم الامتحانات.
الوظيفة الايديولوجية للنظام التعليمي، بالشكل الذي تسوق به اليوم، أصبحت شيئا مسلما به لدى أغلب الكائنات التي تؤثث المشهد السياسي بالمغرب، وفي ظل تراجع الأداء النضالي للخط البروليتاري. هكذا لم تعد قيم التحرر، والعقلانية، والديمقراطية، والمساواة...إلخ، تحتل حيزها الطبيعي في الجدل الدائر حول المسألة التعليمية، بل صار ربط التعليم بسلسلة القهر الرأسمالي، أو بقيم ومفاهيم القرون الوسطى الشغل الشاغل لأجهزة تسود وغير قابلة للتراجع قيد أنملة عن مشاريعها الطبقية.
سر قوة الخط العمالي في تمسكه بثوابته الطبقية، وفي قدرته على مواجهة خصومه الخارجيين والداخليين. فالحملات من قبيل: لغة الخشب، المفاهيم المتحجرة، المقولات المنهارة، الشعارات المستهلكة، الظلامية الجديدة...إلخ، شكلت ولا تزال سلسلة من بالونات اختبار لمدى نضج التصور العمالي لدى المدافعين عنه، ولمدى وعيهم بآليات اشتغال الآلة الإيديولوجية لأعدائهم الطبقيين ولخصومهم الداخليين.
كلما ابتعد المناضل العمالي عن مرجعيته الفكرية المستندة إلى تصور طبقي واضح، إلا وكان التيه مصير أدائه الميداني وصراعه الإيديولوجي. المقولات الطبقية بوصلة لا تغني بالتأكيد عن العمل المضني لتفكيك الواقع إلى مقولات يومية، وأشكال عمل قادرة على استيعاب كل الطاقات المستعدة لترجمة البعد الإنساني للنضال العمالي، والرد على الضربات التي تأتي من الداخل العمالي وخارجه.
المسألة التعليمية، من هذا المنطلق، جزء أساسي في معركة طبقية، قد تختلف تمظهراتها وتتنوع، لكن جوهرها يظل ثابتا بثبوت البنيات التي تنتجه وتحدده. التلميذ في ثانويته مطالب بوعي الواجبات التي تقدم له، الطالب في جامعته مدعو لكشف المخططات التي تحاك ضده، الأستاذ في قسمه ملزم بتشريح الأدوار التي تناط به. كل هؤلاء هدف لمدفع واحد هي الآلة الإيديولوجية التي تسخرهم لتأبيد سيطرة فئات لن تتنازل عن امتياز استغلال البشر والبر والبحر والجو.
النضال التعليمي، ما لم يسع للانصهار مع النضال العمالي والجماهيري، سيظل يراوح مكانه، وهو ما لن يتحقق إلا بمزيد من إعطاء البعد الطبقي لموقعه في الإنتاجات الفكرية والمجادلات اليومية حول الأزمة التعليمية لنظام لم يكن يوما ليقدم لحفاري قبره أدوات إنجاز هذه المهمة التاريخية.
الاستمرار في إسقاط البعد الطبقي عن التعليم في مختلف المستويات والمخططات التي تظهر على مر السنين، خيانة من أنصار الخط العمالي لحق أبناء الجماهير الشعبية في تعليم ديمقراطي، علمي، موحد، وإنساني. تأبيد لأوهام برجوازية حول تعميم مفترى عليه، وحول قدرة هذا النظام على توفير تكوين يضمن لجميع أبناء الوطن حقهم في العيش بدون اضطهاد ولا استغلال.
المعركة ليست حول برنامج استعجالي منته زمنيا، ولكن حول نظام تعليمي يعكس تركيبة طبقية يصارع المستفيدون منها لتأبيدها وجعلها قدرنا الذي لا مفر منه.
لا مفر من إعادة التوهج للمنارة حتى تتضح الوجهة السليمة، ويتبين البحارة خط السير تجنبا لضياع الجهود وانكفاء الإرادات وتكريس الانكسارات.
لا محيد عن إعادة الموقع الطبقي والمضامين الطبقية للأقوال والأفعال لمقدمة أداء النضال العمالي، حتى يكون الصراع مع الخصوم واضحا ومهيكلا، دون الالتفات لاتهامات الجمود والحنين للماضي، فالواقع خير جواب عن كل هذه الترهات: تزايد الفوارق الطبقية، وتعمق الاستغلال والقهر.
وإلى أن يسترجع العامل صوته، ويعيد المناضل شحذ همته وترتيب أولوياته، سيظل البرنامج الاستعجالي حلقة ستتلوها أخرى، على درب تأبيد وضع تعليمي ينتج التمايزات الطبقية ويعمقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة