الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأستاذ محمد خضير

سعد محمد رحيم

2010 / 6 / 22
الادب والفن


يُقلق صانع السرد، قبل كل شيء، أمران/ سؤالان؛ ماذا يكتب؟ وكيف يكتب؟. واليوم، عند كتّاب الحداثة، بات السؤال الثاني أكثر أهمية من السؤال الأول. أسوق هذا الكلام بمناسبة صدور كتاب جديد، لأستاذ كبير في صناعة السرد هو محمد خضير، عنوانه؛ ( السرد والكتاب/ كتاب دبي الثقافية/ 2010 ). وفيه يحتفي بالسرد وبالكتاب.. يصوغ لنفسه نوعاً من سيرة نظرية هي خلاصة وجهة نظره ( رؤيته ) المستمدة من خلال تجربته في الكتابة الإبداعية، وقراءاته الجادة للأعمال السردية. وتبقى كتاباته غير السردية ( مقالاته ) هوامش وتعليقات ليس إلاّ، على كتاباته وكتابات غيره، السردية. فما يهمّه، في النهاية، هو السرد.. إنه سارد المدينة بامتياز. قصصه تمثيل لروح المدينة في تحوّلها.. يلتقط ذبذباتها الخفية ليحيلها إلى حركة متموجة في قلب النص السردي، وعلى سطحه.
لطالما تخيلت محمد خضير وهو يشتغل بدأب نملة، لكنه، وباستعارة اصطلاحات من فن التشكيل والسينما، ينظر إلى العالم، بالتعاقب، بعين النملة وعين الطائر. إنه واحد من أكثر قصاصي العرب إدراكاً لتقنيات صنعته.. إنه يعرف ماذا يفعل.. إن لكل قصة من قصصه خريطة سرّية مرسومة بدقة وحذاقة. ولعل هذا يفقده ( أحياناً ) بعضاً من تلك التلقائية والطراوة التي يتطلبها العمل المبدع، ويقرِّبه من المجرد، والإيغال برسم الأشياء، على حساب الحسّي والإنساني.
لقصصه أناقتها الارستقراطية، وبناؤها المهذّب، وهندستها المفرطة.. إنه السارد المهندس، أكثر من كونه السارد الشاعر ( لاسيما بعد مجموعتيه: المملكة السوداء. وفي درجة 45 مئوية )، ولهذا فهو في نصه نسيج وحده. ودوماً بقي على مسافة من أقرانه ومجايليه ـ أقصد كان يبتعد عنهم بخطوة على الأقل. ولا أجزم هنا، حكماً معيارياً تفضيلياً إلاّ على مقلديه، وهم كثر للأسف. وباشتغاله الصبور في السرد، وفي التعقيب على عمليات إنتاج السرد، شيّد لنفسه برجاً خاصاً، معزولاً وغير معزول في الوقت نفسه.. إنه هناك يطل عبر نافذته الواسعة على مشهد العالم، ويتوه في بطون الكتب، وفي ممرات السرود العظيمة. هاجسه فنه، رقي فنه، لهذا لا يريد أن يسهو.. إنه يراقب وينقّب ويتقصى ويستجوب.. إن نصّه الوقور يجعل الآخرين يتقبلونه بشيء من الرهبة، حتى وإن لم يعجبهم. فإبداعه موضع احترام حتى عند أشدّ خصومه الأدبيين.
إن الجيل التالي من كتّاب السرد العراقيين مدينون لمحمد خضير، وقد تعلموا منه، حتى وإن أنكر بعضهم جميله.. إنه، وكما يعتقد أغلبهم، أستاذ صنعة السرد، ولا يمكن تجاوزه. وأفضل هؤلاء هم الذين عملوا جاهدين ليكونوا مختلفين عنه.. فهموا درسه جيداً؛ ( كن نفسك ولا تقلّدني ).
السرد إنشاء، ومحمد خضير أستاذ إنشاء من طراز فريد.. صانع تحف ماهر، تحف من كلمات وعبارات وجمل؛ تحف سردية. مهارته في الإنشاء، ولذته المستحصلة من العملية تقوده، أحياناً، إلى الإفراط فيها. وفي هذا الخضم يظل يتساءل عن أشياء كثيرة، ذاهباً إلى أبعد نقطة يستطيع الوصول إليها، مدركاً جوهر وظيفته الإبداعية؛
( الحياة والزمان والحب والحرية والموت، الخ، ليس إلاّ موضوعات وعناصر سرد، وما عليه سوى أن يهتم بإنشاء نصوص سردية، كي يمثّل تلكم الموضوعات الكبرى في عالمه السردي، ويضفي عليها الحيوية والقيمة والمعنى ).
إنه الراصد المراقب.. إن حاسته الأولى هي عينيه، لذا نجد تشبيهاته ومجازاته وصوره بصرية، في الغالب. محمد خضير هو السارد التشكيلي.. إنه يرسم وينحت بقدر ما يسرد.. إن العالم كله في منظور صانع السرد ليس سوى مادة أولية لماكينة سرد عملاقة.. هيولى غير متشكلة تنتظر مهارة السارد كي تتحول إلى مادة قابلة للفهم، وتكتسب صلابة ونظاماً؛ أي شكلاً مفعماً بقيم جمالية.
محمد خضير، في كتاب ( السرد والكتاب ) هو قارئ الكتاب قبل أن يكون صاحبه، وبعد أن يكون حامله. إنه يُخرج الكتاب من عتمة الدرج والمخزن إلى النور.. إن الكتاب بين يديه شيء يجب أن يُلمس ويُشم ويُبصر بعناية. وتجيء شروحه وتنظيراته حول فعل السرد وإبداع النصوص والعلاقة الحميمة مع الكتاب ( الورقي ) غنية بالأفكار، تفصح عن طريقته الباهرة في بناء النص السردي، وفي قراءته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسرحية -شو يا قشطة- تصور واقع مؤلم لظاهرة التحرش في لبنان |


.. تزوج الممثلة التونسية يسرا الجديدى.. أمير طعيمة ينشر صورًا




.. آسر ياسين يروج لشخصيته في فيلم ولاد رزق


.. -أنا كويسة وربنا معايا-.. المخرجة منال الصيفي عن وفاة أشرف م




.. حوار من المسافة صفر | المخرجة والكاتبة المسرحيّة لينا خوري |