الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحصن

عبد الفتاح المطلبي

2010 / 6 / 22
الادب والفن



كالعادة في الساعة ذاتها،أبطيء من سيري على الرصيف الممتد على يمين الطريق الذي يسلكه جميع قاطني المدينة، ليست صدفة مسألة سيري على الرصيف الأيمن للشارع و أنا ذاهب لعملي ، لقد اخترت ذلك ، فأنا أكره أن أسير في الجانب الذي يوجد فيه الحصن ،و هو في هذه الحالة الجانب الأيسر من الطريق عند ذهابي لعملي في نهاية الشارع بالرغم من أن الكثير يصل إلى هدفه قبلي ، و عند عودتي، أجد نفسي في الساعة ذاتها أبطيء من سيري و ألتفت إلى الناحية ذاتها و أنتبه إلى إنني كنت أسير على الرصيف ذاته الذي كان رصيفا أيمن و في الإياب أمسى رصيفا أيسرو في الحالين أكان الرصيف في لحظته أيمنا أم أيسرا فأنا أتمهل قليلا لأنظر شمالا في المرة الأولى و يمينا عند الإياب ، لكن الثابت و الأكيد ، رغم عوامل التغير الجغرافي ، إنني أنظر بريبة مشوبة بغموض مقيت ووقار صارم إلى أسوار الحصن القابع على شمالي في الذهاب وعلى يميني في الإياب ، و عندما أسأل نفسي لماذا ؟ أجد أن الأمر لا يعنيني ما دمت على رصيفي الذي يتحول من اليمين إلى الشمال بانتظم مع ذهابي و عودتي، لكنه يعنيني بقدر تعلق الأمر بالناس الذين بدوا مصرين على النظر إلى فوق، لأسوار الحصن المتوجة بصف طويل من الأسنان الحجرية التي تشبه أسنان المنشار ، الحصن ذاته لا يعنيني ، إنما يشدني و يجعلني أتريث في تلك النقطة التي تقابل الحصن ، هو ما يفعله كثير من الناس، إصرارهم على النظر إلى فوق من مواقع أسفل سور الحصن ، متلمسين جدران الحصن بأصابعهم و عيونهم معلقة بأسنان السور دون أن يمتلكوا اللحظة لتفقد سور الحصن من مكان قريب لذلك فهم لا يرون إلا نهايات السور العالية و المقرنصة تندفع من خلالها دفقات الضوء الباهر للسما ء المشمسة .
في الأحوال كلها كان السور حقيقة ماثلة للجميع ، لا يمكن إنكارها، هو موجود لا غنى لأحد عن الشعور بوجوده كطوطم كانوا ولا زالوا يرقصون حوله، رقصات متغيرة كل حسب هواه و لكنها رقصات تعني شيئا لحياتهم كما يعني الملح للطعام، الجميع يهمه ذلك إلا القلائل الذين أجبروا على الإستغناء عن ذلك المعنى الذي يشيعه الملح.
لقد كنت من أولئك القلائل الذين لا يعنيهم الحصن إلا بتعلق الأمر بالمجاملة و المراوغة و مسايرة الآخرين، إذ لا مناص من ذلك، فبغير تلك المناورةالتي أمارسها بشأن وجوده و أهمية ذلك ، سأتعرض لضرر فادح يقرب من حدود الخسارة ، و على ذلك لم يكن الأمر ليعنيني إلا بهذا المعنى..، أما الحصن فهو موجود منذ زمن بعيد، لا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، لم نكن أنا و أمثالي لنفكر بما وراء جدران الحصن لكننا عندما تنتابنا الرغبة لفعل ذلك تمنعنا تلك الجدران المتطاولة إلى عنان السماء و تلك الحشود التي لا تعرف ما تفعل سوى الإنبهار بسور الحصن الشاهق ، يتلذذون بطاقة التخيل التي هي صلتهم الوحيدة بما وراء أسوار الحصن، فنتساقط ككرات صغيرة تتقافز على الرصيف، ليس لي أن أحيد عن درب الحصن فهو طريقي الوحيد إلى عملي حيث يتربع الحصن ببواباته الكبيرة و المتينة و المموهة أحيانا، وفي أحيان كثيرة أنسى هدفي و أقف قبالة جدران الحصن دون أن أقترب كثيرا، فأنا لا أعرف بعد هل يسمح لي بلمس جدرانه أو إن ذلك ينطوي على خطر ما لكنني عندما رأيت الآخرين يتلمسون جدران الحصن و هم يسيرون كالعميان ترددت كثيرا ، و هكذا هم يدورون حول الحصن و خلال ذلك أسمع لغطا و همهمات كثيرة، أراهم من الجانب الثاني حيث أقف دائما في نفس النقطة ، و حين تأخذني الدهشة ولا أعود أقاوم إغراء الحصن المحرض على عدم تجاهله، و في اللحظة التي أهم فيها للإنسياق إلى إغراء الحصن يعبرون إلى ناحيتي و كأنهم قد ملوا و تعبوا من الرقص و النظر إلى فوق، يقتعدون دكات الرصيف ، يتكلمون ، يثرثرون، يبعثرون مختلف التكهنات و الأوهام عند تلك اللحظة أميل برأسي إلى حيث تستطيع أذني أن تلتقط ، تتسمع ، تنصت، و كأنني حشرة في حقل تريد أن تميز الحفيف المألوف لوريقات الشجر عن الأصوات و الإهتزازات الدخيلة و الغريبة و عندما أبدأ بتقليب تلك الأفكار و أفاضل بينها، أحصل على النتيجة ذاتها، أفكار مشوشة ، خليط أوهام عفن، أماني مكسورة لم تتحقق يوما ، تهافت إلى الحضيض ، ذلك الحضيض الذي نعرفه جميعا..
قال أحدهم:
-يقال أن وراء الحصن دنيا مختلفة فمثل تلك الجدران المتطاولة لا بد و إن تخفي وراءها عمالقة من نوع ما فارعي الطول ، مهيبوا الهيئة.
قال الآخر:
-ربما و ربما لا يعني ذلك إلا وهما ، ربما يبدوا الأمر كذلك لأننا أقزام قميئوا الأجساد و الرؤوس و الأفكار، و تخيلنا للعمالقة خلف الحصن هو بعض شطحاتنا الذهنية ، لأننا بالحقيقة صغار حد الضئالة ، الضئالة في جانب تصنع الهول و العظمة في الجانب الآخر...!
و عندما وصل المتكلم لجملته الأخيرة ، كان لزاما علي أن أتفحص قامتي، قامات هؤلاء الذين يتكلمون، وجدت أنهم لم يكونوا إلا هم ،و لم أكن إلا أنا و كل ما حولنا مألوف لحد الملل، في اللحظة ذاتها تحركت هواجس كانت مختفية في أعماقي و رحت أسأل أين الخلل؟، رأيت إن الأمر لا يعدو عن كونه خطأ في مواقع رصد الحصن و تأثير أشعة الشمس المنسدلة فوق الأسوار تعمي البصر و تكسر الرؤية لذلك رحت أتغافل عن النظر إلى فوق حيث السور المقرنص كأسنان المنشار، وعندما فعلت ذلك اقتربت كثيرا من جدار السور ، كان هناك ثقب في جدار السور لا يتطلب بلوغه سوى وضع حجر تحت قدمي، نظرت من خلال الثقب فاختفى السور ووجدت نفسي في الجانب الآخر أحملق فيما لا أسوار له، لم يكن هناك عمالقةو لا أسوار عالية ووجدتني أسير على ذات الطريق لكنني لاحظت أن الرصيف انحنى قليلا نحو فضاء أوسع ولم يكن هناك يمين ولا شمال ولم يعد الحصن موجودا ولم يكن هناك مثرثرون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت


.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو




.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو