الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عدنان عزيز دفار في رماد السنين بين أضرحة الوجع وصهيل الأماني

وجدان عبدالعزيز

2010 / 6 / 23
الادب والفن




تتصاعد الأصوات الشعرية في الساحة العراقية كاشفة وجه الإبداع وانبلاج عصر عراقي آخر ، يبدو انه عصر ذهبي بالنسبة للإبداع الثقافي ، رغم أن هذه الأصوات تحمل بحة الحزن والإحباط المسقط عليها من خلال فترة الاستلاب والتعسف ، وكما هو معروف ، فان الصوت العراقي يبقى يحمل نكهة التميز والأصالة ، كونه ينبع من ارث حضاري متوغل في القدم ، فهو ينبع من وسط الاحباطات المتعددة التي أوجدتها أطماع أقوام همجية راحت تمني النفس بالسيطرة على وادي الخير والخصب وهو العراق ..
ومن خلال هذا افترض الدخول إلى ديوان (رماد السنين) للشاعر عدنان عزيز دفار وأنا لااحمل أحكاما مسبقة أو انحاز لآي منهج نقدي بحد ذاته سوى انه يحضرني قول جوليا كريستيفيا : (إن كل نص هو عبارة عن لوحة فسيفسائية من الاقتباسات وكل نص هو تشرب وتحويل لنصوص أخرى)* وهذه المقالة تحيلني إلى الجهد الاستقرائي التحليلي الذي من خلاله ، قد اجد حالات التأثر والتأثير بنصوص سبقته ، لاشك تظهر لي حالات التميز المسندة إلى حالات التأمل واسترجاع الذاكرة ، وهكذا أجد الليل والعثرات والقلق ، حتى يختلط أمس الشاعر مع يومه الحاضر كما في قصيدة (الليل) :

(للامس طعم اليوم
للغد ضباب كثيف ونافذة معتمة)
ثم يقول في موضع آخر :

(يطاردني العار ..)
و(أنا ؤول رجل سرّب أسراره)
وهذا تأكيد للحالات التي أشرنا لها فالشاعر يقول :

( أخشى أن أمارس القلق )
لأن الإنسان الشاعر يمتلئ بالقلق وهو الإبداع ، والإبداع بوح وممارسة حرية مرفوع في وجهها الكارت الأحمر ، والقلق في رؤية الشاعر هو البحث عن الحقيقة وهذا البحث يشكل مجسات الطريق الموصل للمناطق المحرمة ، لذا يضطر للدخول إلى ( أضرحة الوجع ) كي يتطهر من العيون الراصدة ولعله يتبع ( صهيل الأماني ) . التي تتراكم في ذاته ( مشيرا إلى قمة الفجيعة ) ، لكن الشاعر الفتى يتسلقها وهذه هي عزيمته ، لأنه سليل حضارة أبت إلا أن تكون إنسانية في تطاولها مع الزمن من أجل جمال الحياة ، ثم يرفع ( أشرعة الرغبة ) ليقول : ـ ( كنت أرزمها ليوم عاصف / أشعل النار فوق الهضبة / وانغرس مطرا ) ، فهو يضع الأماني في كفة وينغرس مطرا في جوف التطلع ، فأي رغبة يبغي الشاعر هنا وأي شهوة يتدثر فيها خالقا نهوضا آخرا للحزن ، كلما أخذته الشيخوخة من أجل حمل أسرار الشاعر الذي لا يملك الا الحرف و( ألواح الطين التي أصبحت منصة / خطاه العاثرة زقورة ) ، وكأنه يستعير خلود زقورة أور الحضارة التليدة ويردد : ( أور . بعد الشمس ) أي بعد سرمدية الشمس منذ الخلق الأول وكانت عباراته ( بتراتيل سومرية ) تبحث عما وراء اللغة ، لتكون بلغة شعرية اعتمدت الثراء واكتفت بالإشارة ، لذا حينما نتمعن في القصائد ونحاول التوغل إلى الأعماق نجد الشاعر قريبا منهمكا لتأسيس حالات أخرى كانت بمثابة أسرار له ( ملوحا لبنات أفكاره / بالعري ) وهو في أوج الانتظار إلى ( لذة الاكتواء ) والشاعر يحمل تبريراته كما في قوله:

( عقرب قلبي ..
فعوى الذئب .. وبكى أخوة
غدروا
ومضى يبكي قميص قدُ
بالهوى
فما شعروا
اقتفوا اثر نبي شاء الرب أن لا يعثروا )

ليجد أن أفكاره ورؤيته هي أفكار ورؤى مقدسة ، فهي قادرة لدحض منطق التعسف والتسلط والظلم ويتصاعد انفعال الشاعر وهو يقول :

( وأنا أتحصن بحبي خلف التلال
زاهد قد زاده العسر جلد . )

وهنا يحضرني جزء من حياة الأمام علي بن أبي طالب ( ع ) فهو الأمير والخليفة ويملك ما يملك ، رغم هذا كان غذاءه خبز الشعير والماء والملح وصبر المؤمن على مصاعب الحياة ، ليكون ( في أناجيل العشق والكتب ) وكان عشق الشاعر مورقا ، رغم ما كان يلاقيه من واقع مر وتآمر الأخوة ، ولن يتوقف الا ( في خاصرة الصبر ) ويبرر حالة القلق التي تدفعه للبحث عن المخرج ، فهل أن الخروج يكون حصيلته ( رماد السنين ) أم يبقى ( يطارد العار كي يثأر ) ، ومن ثم يبقى انسانا عاشقا يتحمل أوصاب الحياة ، فحتى ظله يطلق النار عليه يقول كلهم ( احتشدوا لقتلي ، كان بينهم ظلي يطلق النار ) ، فهذه التهويمات حول الواقع المــر لتفسيره شعريا بأن الإنسان داخل هذا الشاعر يبحث دوما عن النقاء والحب لحد العشق ولا يلاقي سوى الجوع والقتل وما عليه الا ( الغزو ) من أجل الافتخار بالظفر والنصر وهي حالات افتخار وتغني بالمجد الفردي الذاتي الذي أسقطه الشاعر منذ البدء في الذاتي الموضوعي فهو يقول :

( قبل أعوام .. كنت أنا
وبعد أعوام أصبحت أنا
ولما رغبت أن أعرف من أنا ؟
لم أجد وجهي في المرآة . )

ومن هذا تعايش مع حالة القلق والتوتر المستمرين وهو يفكر بالمقايضة من خلال قصيدة (أضحية ) أن يفترض له ( رأس عجل ) وحينما يكون الاختيار هذا ( أختاره أحدهم أضحية ) وفي حالة شعرية نادرة في قصيدة كرها قلب الأشياء رأسا على عقب .. يقول :

( نتش من جلد كلبه بضع شعيرات
ليزرعها في فناء الدار
كرها بالقطط
كل يوم يسقيها نباحا
ذات صباح ..
أثمرت عن جراء
اتخذته عدوا دون القطط . )

وهذه دلالة على رفض الحالات الاجتماعية المنفلتة ، ولكن بطريقة مخفية اظهرتها قصيدته ( أقرا ) فهو رغم هذا القلق والرفض الا انه يحس نفسه في عالم الموتى ..

( يسألني المارة
عن المتوفى
أقول هذا الذي يمشي . )

فعاش الشاعر بأجواء هذا القلق والحزن بين الحياة وجمالها بوسط حالات مظلمة تحاصره ، فكأنه ميت يمشي وهذا العالم ظهر جليا في قصيدة ( كبوة ) وصراع الأنا الباحث عن ملاذ للخلاص يقول :


( حينما كبا جوادي
سقط هو !
وبقيت أنا
ممتطيا صهوته . )

وضمن مسيرة البحث وهو يمتطي جوادا كل مرة يكبو يحاول أن يعيش الصدق مع حبيبته لعله يخفف حالة الألم والآهات والضياع والجوع ( دعيني .. / يا حبيبتي أنا جائع ووجهك مستدير كالرغيف / دعيني .. أدهن شفتيك بقبلاتي ) وبهذه المغايرات اللغوية لنا أن نتساءل هل اكتملت اللوحة الفسيفسائية في ديوان ( رماد السنين ) ؟ ليقول الشاعر عدنان عزيز دفار : ( أغرس نفسي في الأعماق محاولتي الأولى للتجذر / لكني أتسرب من بين أصابعه وجعا ) وبقولته هذه يكون الديوان قد شارف على اكتمال قصائده ، التي تحولت الى لوحة واحدة أخذت من جوارها ألنصوص الأخرى ما جعلتها تكون غير بريئة . عذري أن على عجلة من أمري رغم أعواء القراءة ، لكني لم أجد بد من التوقف عند هذا الحد وقد تكون لي قراءة أخرى .


• كتاب (الخطيئة والتكفير) / عبد الله الغذامي / المركز الثقافي العربي / ط6 /ص16
• ديوان (رماد السنين) الشاعر عدنان عزيز دفار /دار الينابيع دمشق ـ سوريا لسنة 2010 م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضحية جديدة لحرب التجويع في غزة.. استشهاد الطفل -عزام الشاعر-


.. الناقد الفني أسامة ألفا: العلاقات بين النجوم والمشاهير قد تف




.. الناقد الفني أسامة ألفا يفسر وجود الشائعات حول علاقة بيلنغها


.. الناقد الفني أسامة ألفا: السوشيال ميديا أظهرت نوع جديد من ال




.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي