الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التظاهرات الجماهيرية نذير عاصفة

يحيى السماوي

2010 / 6 / 23
مواضيع وابحاث سياسية




التظاهرات التي شهدتها بعض المدن العراقية مؤخرا تقود إلى اليقين بأن الإنفجار الشعبي بات وشيكا إذا لا تُلبّى مطالب الجماهير الشعبية في تأمين متطلبات الحياة الكريمة ووضع حدّ ٍ للفساد الإداري والمالي والسياسي ... فالشعوب حين تجوع قد تأكل قادتها المتخمين وتطيح بالحوانيت السياسية وبضاعتها الكاسدة من شعارات ووعود ... الجماهير التي خرجت بالأمس مطالبة بالكهرباء ، ستخرج في غد قريب مطالبة برغيف الخبز الذي بات يصغر يوما بعد آخر بينما المتخمون تزداد كروشهم تهدّلا وتزداد امبراطورياتهم المالية والعقارية اتساعا في ظل فساد ماليّ وسياسي لم يشهد له العراق مثيلا .. فساد مالي جعل ممن كان يبحث عن شقة متواضعة للإيجار بالأمس القريب ، مالكَ عقارات في أكثر من عاصمة عربية وغربية ، وجعل من بائع بطاقات الهواتف صاحبَ محطات بترول ، ومن بائع الخضروات على رصيف لندني مضاربا في سوق العقارات .. الجماهير التي حلمت بعرس ٍ سومريّ قد أفاقت على مأتم ٍ هاشميّ بينما الساسة يتناطحون على الكراسي دون أن يستفيدوا من دروس التاريخ ومن حقيقة أن الجياع لن يتوانوا عن أكل " آلهتم التي صنعوها من التمر " حين تنهشهم أنياب الجوع ..

بعض المسؤولين راح يحمّل بقايا أزلام النظام السابق ومريديه مسؤولية خروج هذه التظاهرات ، وهي ذريعة ينفيها واقع أن المدن التي شهدت تلك التظاهرات كانت من أوائل المدن التي انتفضت ضد النظام المقبور وهللت لسقوط الصنم ، وبالتالي فلا يمكن أن تكون المبادِرة بإعادة الإعتبار له ومحاولة بعثه من تحت الرماد .. المتظاهرون مواطنون عراقيون دفعتهم حياتهم الذليلة إلى المطالبة بحقهم في الحياة الكريمة اللائقة بالإنسان بعدما رأوا التفاوت اللامعقول بينهم وبين المتنفذين والميسورين الجدد وذوي الوجاهة الحزبية والدينية والمؤسساتية وحتى العشائرية ، وهو تفاوت يبعث على الإحتقان ويهدد بالإنفجار ... فلا يُعقل أن يُخصص لسكان " المنطقة الخضراء " من الطاقة الكهربائية مثلا أضعاف ما يُخصص لسكان محافظة كالمثنى أو القادسية ... ولا يُعقل أن يكون بدل الإيجار لكل وزير ثلاثة آلاف دولار أمريكي شهريا ـ مع أنه يسكن مجانا أو ببدل إيجار رمزي في قصر من قصور مسؤولي النظام السابق ـ بينما ثمة مئات آلاف العوائل العراقية تسكن في بيوت الصفيح والأكواخ الطينية أو تبحث عن شقق متواضعة للإيجار .. لا يُعقل أن يكون لهذا المسؤول الحزبي أو الحكومي أفواج كاملة من حرس الحماية بينما ثمة أحياء كاملة لا تحرسها أكثر من مفرزة شرطة .. لا يُعقل أن تعيش عائلة هذا المسؤول الحكومي أو الحزبي آمنة مطمئنة في لندن أو طهران أو واشنطن بينما آلاف العوائل العراقية تخشى الخروج للنزهة خوفا من سيارة مفخخة أو ساطور إرهابي .. لا يُعقل أن يوظّف هذا المسؤول الحكومي أبناء عشيرته بينما الكثير من الشباب الخريجين العاطلين عن العمل اضطر بعضهم أن يدفع بضع مئات من الدولارات لقبوله في سلك الشرطة !

لقد مضى على النظام الجديد سبع سنوات وما زالت غالبية الجماهير تشرب ماء آسنا ولا تنعم بأكثر من بضع ساعات من الكهرباء يوميا في ظل جوّ جحيمي ( ولا ثمة مايشير إلى أن الحال ستكون أفضل في الغد القريب ) ... سبع سنوات والمحسوبية تزداد استفحالا ... سبع سنوات والعراق أرخبيل دويلات : كل وزارة بمثابة دولة حزبية وفق نظام المحاصصة المقيت ـ فكيف لا تخرج الجماهير الشعبية متظاهرة وقد بلغت من الصبر عِتيّا ؟
حسنا فعل وزير الكهرباء بتقديمه استقالته ( أو أرغم عليها ـ الأمر سيّان ) فمتى يقدم بقية الربابنة استقالاتهم بعدما ثبت فشلهم في المسؤوليات المناطة بهم ؟
لقد أهدر النظام الجديد من الثروات في بضع سنوات أضعاف ما أهدره النظام السابق بعشرات السنين ... كان لصوص النظام القديم يكتفون بسرقة قد لا تتجاوز بضعة آلاف من الدولارات في حال حدوثها ـ وكانت قليلة قياسا للحاضر ... أما اللصوص الجدد فإنهم لا يقنعون بعشرات ملايين الدولارات ... لصوص سرقوا مئات الملايين من الدولارات ومازالوا طلقاء لأن لهم أحزابا يدها أطول من يد العدالة ـ بينما صغار اللصوص يلقى عليهم القبض لأنهم ليسوا من " حصة " هذا الحزب وليسوا ضمن جلساء مائدة " المحاصصة " أو لأنهم لايحملون جنسيات مزدوجة !

قبل فترة وجيزة نشرت صحيفة العالم عن رئيس لجنة النزاهة القاضي رحيم العكيلي قوله إنّ مؤسسته لا تمتلك التفاصيل الدقيقة لمصروفات الطبقة السياسية العليا، لأن مرتبات هؤلاء ومخصصاتهم «بلا قانون» محملا مجلس النواب السابق كامل المسؤولية حيال غموض ملف المصالح المالية لأكبر 10 موظفين في العراق لكن رواتبهم أعلى رواتب حكومية في العالم ! فإذا كان كبار مسؤولينا الحكوميين يتقاضون أعلى راتب حكومي في العالم وهم لم يحققوا للشعب احتياجه من الماء والكهرباء ، فكم ياترى ستكون رواتبهم لو أنهم حققوا للشعب العيش الكريم والتخلص التام من الإحتلال الأمريكي ؟ هل ستُخصص لهم واردات حقول نفط بابا كركر أو الرميلة ؟؟

تم في الأيام القليلة الماضية تداول فيلم فيديو ( لم يعرف بعد فيما إذا كان صحيحا أو مفبركا ) يظهر فيه رجل دين يمارس الفاحشة مع أحدى بائعات الهوى ... تداول هذا الشريط بشكل واسع أعطى الإنطباع بأن مروّجيه نظروا إلى المعضلة العراقية من زاوية ضيقة ... فالمعضلة العراقية ليست وليدة فساد وتهتّك أخلاق رجل دين .. هي بالدرجة الأولى وليدة الخلل في نظام المحاصصة وتغليب الفئوي على العام من لدن المرجعيات السياسية المهيمنة على صنع القرار وتنفيذه ( وهذا لا يعني تبرءة المرجعية الدينية من قسط من المسؤولية طالما أن لها كلمتها المسموعة من قِبَل ساسة المرحلة ) ..

نشرتُ أمس مقالة عن مسألة فيلم الفيديو ، أجدني غير مصيب في بعضها ... رجل الدين إذا ارتكب ما يتنافى والقانون فإنه يُخضع لعدالة القانون بعد ثبوت التهمة كما يُخضع لها السياسي وغيره .. رجال الدين ليسوا ملائكة .. ما أكثر الذين اتخذوا من الدين حصان طروادة أو جسرا لتحقيق مطامحهم ومنافعهم الشخصية ... فكما حدثت أفعال لا أخلاقية من قبل قساوسة غير مُحصّنين روحيا وجسديا فإنه قد يحصل لأدعياء دين متأسلمين نفس الإنفلات الأخلاقي .. المرجعية الدينية مطالبة بسحب ثقتها من وكلائها غير النزيهين وإدانة سلوكهم الشائن وإلآ فهي شريكة في الفعل الشائن إنْ تستّرتْ على ذلك .

وعودا على بدء : التظاهرات التي شهدتها مؤخرا بعض المدن العراقية تنبئ عن أن الإنفجار بات وشيكا مما يوجب على القيادة السياسية تغليب مصالح الجماهير على مصالحها الحزبية أو المذهبية والفئوية قبل أن يتقد اللهيب فيحرق الجميع .

**








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الرياض.. إلى أين وصل مسار التطبيع بين إسرائيل والس


.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين يرفضون إخلاء خيمهم في جامعة كولومبيا




.. واشنطن تحذر من -مذبحة- وشيكة في مدينة الفاشر السودانية


.. مصر: -خليها تعفن-.. حملة لمقاطعة شراء الأسماك في بور سعيد




.. مصر متفائلة وتنتظر الرد على النسخة المعدلة لاقتراح الهدنة في