الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الكرة و السياسة والفساد في مصر

محمود يوسف بكير

2010 / 6 / 23
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


بالرغم من الاغتراب الطويل إلا أن هموم الوطن الحبيب لا تفارقنا لحظة، و حمدا لله فان الانترنت محت المسافات وعززت التواصل.
منذ نحو أسبوعين وأثناء تجولي المعتاد في الصحافة المصرية شدني عنوان أحد الصحف يتحدث فيه لاعب كرة سابق أسمه شوبير عما دار من حوار بينه و بين ابن الرئيس المصري، و في الحقيقة فان الحوار كان تافها لدرجة إنني لم أعد أتذكر أي شيء منه و لكن المدهش حفا ما أورده اللاعب من تفاصيل عن جنازة أبيه حيث ذكر أن كبار رجال الدولة حضروا العزاء بما فيهم ابن الرئيس وأعضاء من مجلسي الشعب والشورى والوزراء والأدهش من هذا ما ذكره من أن ما يقرب من مائة ألف شخص حضروا الجنازة!!
ولأنني لم أسمع عن هذا اللاعب من قبل بحكم الغربة، فقد طلبت من الأخ العزيز جوجل أن يزودني ببعض المعلومات عن اللاعب حتى أعرف سر هذا الاهتمام الأسطوري به من القيادة والشعب المصري. أكشفت أن هذا اللاعب عضو في الحزب الحاكم وعضو في مجلس الشعب و انه مشهور ببذاءة اللسان و انعدام الحياء و له سابقة تحرش بصحافية مصرية، كما أنه معروض على القضاء بسبب تعرضه بالقذف بحق شخصيات عامة مما أدى لتوقيفه عن عمله كمذيع لمباريات الكرة.
والخلاصة أننا إزاء شخصية انتهازية وصولية تتسم بالبذاءة ووضاعة الأخلاق وهذه الخصال معروفة للجميع ومنشورة في الصحف، أي أنها ليست أسرارا أو محض افتراء. والمحزن هنا انه بالرغم من كل هذا فان الرجل موضع احتفاء وتكريم من كل فئات الشعب.
مرة أخرى مائة ألف من المعزين في الوقت الذي لم يتجاوز فيه عدد المتظاهرين في أكبر مسيرة ضد الفساد في مصر 300 شخص!! وفي الوقت الذي لم يحضر فيه أحد تقريبا جنازة المفكر والمناضل الفاضل د. عبد الوهاب المسيري سوي بعض المفكرين و المناضلين الشرفاء. سيقول البعض، انه عند الموت ينبغي أن ننسى سيئات الإنسان و لكنني أتساءل هل يمكن أن ننسى السيئات و نتناسى الفضائل؟ أي نوعية من البشر أصبحنا؟ هل تغيرت خصال الشعب المصري إلى هذا الحد بحيث أصبحنا نكرم اللئيم و ننسى الكريم؟ هل أصبح النفاق والتملق والانتهازية والوصولية والعنف والبذاءة في القول والفعل هم معايير التقدير والتبجيل في مصر آل مبارك؟

هل المطلوب منا ألان أن نطوي صفحات الأدب والذوق والأخلاق الحميدة و الإنسانية في التعامل ونتحول إلى وحوش تحكمها شريعة الغاب حتى نتمكن من العيش في مصر مبارك؟

إن حوار اللاعب شوبير يحتاج إلى وقفة طويلة والى تحليل حتى نعرف إلى أين نحن ماضون والى أي مصير نسوق مصر. إن تزاحم كبار رجال الدولة وحرصهم على إظهار كل هذا التأييد لمثل هذه الشخصيات الوضيعة ينطوي على رسالة جلية للشعب وهي أن الإخلاص والتبعية للنظام الحاكم هما السبيل للخلاص والنجاة في مصر المأزومة والمهزومة بحكامها الجبابرة وشعبها الخائف الذي على ما يبدو تلقى الرسالة واستوعبها وبدأ العمل بمقتضاها والدليل على هذا مشاركة 100 ألف معز قي جنازة شوبير.

إن نظام مبارك يستغل عشق المصريين للكرة واللاعبين بها لتشتيت أذهان المصريين و تفريغ طاقتهم فيما لا ينفع وكلنا يتذكر ما حدث في مهزلة مباراة مصر مع الجزائر وكيف حاول أبناء الرئيس إدعاء بطولات كاذبة لتعزيز سيناريو توريث مصر لإحداهما، ولكن شاءت الأقدار أن تتحول المسرحية إلي فضيحة دولية لمصر بكل أسف.
وهاهم المصريون مغيبون ولاهون في مشاكل الكرة ولا يدركون مدي الانهيار الأخلاقي والمجتمعي الذي يستشري بشكل مخيف وسط جميع شرائح المجتمع، بل إن حجم فقدان الوعي وانعدام المسئولية تجاه البلد وتجاه أجيال المستقبل وصل إلى حد عدم الانشغال بأخطر مشكلة تواجه مصر عبر تاريخها الطويل و المتمثلة في شروع دول حوض نهر النيل "نهر الحياة"، في تقليص حصة مصر من المياه.

الآن عرفت لماذا يبدو د. البرادعي مترددا وحائرا في الترشح لرئاسة مصر، فالرجل علم أنه إزاء نوعية غريبة من الشعوب المستكينة والتي لم يعد لها حيلة أو قدرة أو حتى رغبة في الانبعاث والنهضة واسترداد العزة والكرامة والكبرياء لهذا البلد الذي كان يوما عريقا قبل أن يبتلى بآل مبارك.
إن الشعب يتوقع أن يقوم البرادعي وحده بلعب دور المخلص المعجزة وأن يصلح كل الأوضاع المقلوبة في مصر وأن يخلصها من الفساد والاستبداد والظلم والتخلف بينما الشعب يكتفي بالدعاء له دون أن يحرك ساكنا. و الجميع يتجاهل حقيقة أن كل القيم الجميلة والنبيلة لا يمكن أن تسود دون تضحيات أو قوة تساندها.
إن الخوف لدينا وصل لدرجة أنني لاحظت أن المعلقين على أخبار الفساد التي تنشرها صحف المعارضة يخشون مجرد ذكر أسماءهم الحقيقية ويكتفون بأسماء من عينة :المصري الحزين أو اليائس أو الخايب.....الخ أين الشباب وطلاب الجامعات؟ هل أصبحوا معنيون فقط بمظاهرات الحجاب والنقاب؟ أنني أترحم على أيام كنا نخرج في مظاهرات من جامعة القاهرة حتى مجلس الشعب سيرا على الأقدام والشرطة تتحرش بنا و تعتقل بعضنا دون أدنى خوف للتعبير عن سخطنا إزاء بعض سياسات الرئيس السادات.

إزاء هذا فإنني ادعوا الشعب المصري كله إلي الانضمام إلي حزب مبارك بحيث تغلق المعارضة مقارها وتسرح أعضاءها، كما إنني أدعوا البرادعي إلي العودة إلى أوربا و التركيز على حضور المؤتمرات الدولية التي يدعى لها بدلا من أن يخسر كل شيء، فالشعب المصري الحالي مشغول بلقمة العيش وليس في أجندته هذه المصطلحات المبهمة مثل الحرية والكرامة والتقدم، أما الأقلية التي تفهم هذه المعاني وتتمنى العيش بكرامة فإن عليها السعي بهمة للهجرة خاصة وأن معظمها يجيد أحد اللغات الأوربية. أما من يرغب في البقاء في مصر فعليه أن ينضم إلي حركة الإخوان المسلمين بحيث يعتكف معهم في المساجد مرددا عبارة حسبي الله ونعم الوكيل 77 مرة في اليوم حتى يأتيه الفرج "وربنا يمنحهم طول العمر"

لقد فشلت هذه الحركة كما فشلت الكنيسة المصرية في جعل الدين عاملا إيجابيا لنهوض مصر بمعنى أن يكون سلطة أخلاقية مستقلة وظيفتها مراقبة الدولة ومنع حكامها من التسلط كما اقترح الإمام محمد عبده منذ نحو 100 عام. علما بأن هذا لن يتحقق أبدا إلا إذا تجنب الدين أن ينغمس في السياسة وان يكون مشروع دولة كما يخطط الإخوان، وهذا هو سبب فشلهم وسبب ضياع مصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ