الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرنامج النووي لخدمة السياسات الاسرائيلي

ديالا بشارة

2010 / 6 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


قبل احتلال فلسطين العربية وإنشاء الكيان السياسي اليهودي, إسرائيل, بقراردولي وموافقة اعضائه الكبار في مجلس الأمن, عملت الحركة الصهيونية العالمية منذ الثلاثينيات على وضع التصورات العامة لوضعهم في المنطقة ورسموا الخطط والبرامج السياسية والعلمية والعسكرية لوجودهم على الأرض المحتلة لاطول فترة ممكنة. ربط اليهود مستقبلهم ووجودهم الهش قي المنطقة وبقائهم الوجودي على عنصر التفوق في كل مجالات الحياة, الاقتصادي والعسكري والسياسي. لهذا ارسوا القواعد اللازمة لبناء قاعدة علمية عملاقة ومأسستها وبناء الاسس المتينة لها في هذا المجال. بدأوا بهندسة الأعمال ذات المردودية العالية والبعيدة المدى, كالبرنامج النووي للأغراض العسكرية والمدنية, لتعويض النقص في الموارد الطبيعية والبشرية, كذلك من أجل ردع دول الجوار من القيام بأي نشاط غامض لاتحمد عقباه, لحماية الأمن القومي الاسرائيلي الوجودي المضطرب, وليعطيها القدرة والامكانية لخوض حرب أو حروب وفرض مواقف وضمان استقرارها الامني وتحقيق مصالحها, ويساعدها في بناء مشروعها السياسي والعسكري ويكرس تفوقها ونجاحها, ويفرض وجودها المادي في المنطقة المحيطة بها من أجل التحكم بها ثم التوجه الحثيث نحوتحقيق أهدافها السياسية المبنية على بقاء العنصراليهودي والدولة اليهودية العنصرية القائمة على التوسع الجغرافي والديمغرافي. يستدعي هذا التوسع الاسرائيلي الدائم, القائم على مبدأ القوة الجرداء, على هضم الأرض العربية وحضارة شعبها وأهلها وتأريخها وترأثها وتفريغها من طاقاتها الحيوية كي تصبح ضعيفة, مشوشة, مضطربة في حالة فوضى وضياع. لقد عمل اليهود من أجل بقاء هذا الكيان, الدولة المشوهة, دولة اسرائيل, كدولة فاعلة ومؤثرة, ضامنة لمصالحهم الانانية الضيقة, من خلال التدخل العسكري المباشرأوالتأثيرالسياسي المباشر أوالغيرمباشرفي شؤون دول الجوار. ويستدعي بالضرورة أن تبقى الشعوب العربية والمجتمعات العربية هشة سياسياً ومنهكة اقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً, ليس لديها القدرة على شن حرب اوفرض واقع سياسي اوموقف سياسي أوتطور اقتصادي اوعلمي مؤثر يحسب له الحساب. ففي كل حرب قامت بها اسرائيل على جيرانها العرب, خرجت منها رابحة على أكثر من صعيد, جربت خلالها اسلحتها الحديثة ومدى فاعليتها العملية. كما استطاعت من خلالها ان تروج لاسلحتها وتكون بمثابة اعلان سلعة جديدة في سوق السلاح العالمي, لتجني منه في نهاية المطاف الكثير من المكاسب المادية تقدربمليارات الدولارات. ليس هذا فحسب, فقد استخدمت إسرائيل في حروبها الأخيرة على لبنان وغزة الأسلحة المحرمة دوليا, كاليورانيوم المخصب, وما يخيف في الأمرأن الناس الذين يستنشقون الهواء من المحتمل انهم سيصابون بأمراض ومشاكل صحية خطيرة, ومن أكثر المشاكل التي يمكن ان يتعرض لها الإنسان في هذه الحالة هم الأجنة في أرحام أماتهم بأن يلدن أطفالاً مشوهين أواحتمالات اصابتهم بالسرطان إذا كان هناك الكثير من اليورانيوم في الغلاف الجوي. فهناك زيادة كبيرة في عدد الاصابات بالسرطان في البلدان التي تعرضت لهذا النوع من الأسلحة. وما يثير حفيظة المرء أن الدول الفاعلة في الشؤون الدولية كأوروبا وغيرها تتسترعلى هذه الجريمة النكراء التي ستترك أثارها المدمرة على المنطقة لمدة طويلة من الزمن. بل أن الدول الأوربية تعمل على أن تحول بلادنا إلى مستنقع أو حفرة لدفن نفاياتها النووية تحت الأرض العربية كسوريا, الذي دفنوا فيها كميات كبيرة من النفايات النووية التي جاءت عبرسفن ودفنت في صحرا تدمر وعلى أعماق بسيطة ودون حماية فعلية من خطر الإنتشار, مما يشيرإلى تلوث الماء والتربة, كما أصبحنا مكاناً للتجارب النووية كالتي استخدمتها فرنسا في الجزائر. وهذا غيض من فيض. ان الوجود الاسرائيلي على أرض عربية محتلة لم يجلب لنا إلا الكوارث على كل الصعد. فقد أدخلوا المنطقة في أزمات متفاقمة ومتفجرة لقدرة هذه الدولة الهجينة, إسرائيل, على تطوير آلياتها السياسية المرنة وقدراتها العسكرية الاستراتيجية وتفوقها في المجالات العلمية والاقتصادية الموجهة نحو التمدد والتوسع خارج حدودها وتعمل على التدخل في القرارات السيادية للبلدان العربية, مصر والاردن والخليج على سبيل المثال لا الحصر, وان تفرض عليهم الحظرمن القيام بأي نشاط عسكري أوموقف سياسي اوتفوق او تطور اقتصادي لا يتساوق مع مصالحها ومواقفها مما أدى إلى تحكمها الكامل في الشان العام الداخلي للكثير من الدول العربية وسلب إرادتهم وأن تفعل بهم ما تريد وتشاء. كما هو معروف فقد أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية العبرة والدروس من القنبلة النووية التي القيت على مدينة هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين لتكونا درساً وعبرة لها من أجل تكريس وجودها كقوة وحيدة ومنفردة في الشرق الاوسط في عالم لا يحترم فيه الا الاقوياء والمتفوقين في كل المجالات. لهذا بدأ الاسرائيليون مبكراً في التنقيب عن اليورانيوم في صحراء النقب إلى ان عثروا عليه في العام 1950. هذا الاكتشاف السريع دفعهم إلى تطويرطريقة علمية مبتكرة لإنتاج الماء الثقيل بطاقة مخفضة. يذهب البعض إلى ان العلماء الاسرائيليون ساهموا في إنشاء مفاعل جي _1 لتوليد البلوتينوم ومنشأة يو بي _ 1 في ماركوبي في فرنسا مقابل استفادة هذه الاخيرة من منشأة الماء الثقيل وتخصيب اليورانيوم المنخفض في إسرائيل. كما قلنا أنفاً أن اسرائيل استطاعت منذ بدء نشؤوها ان ترسخ قاعدة علمية متينة لتكون ضمانة لسياساتها في مواجهة أي مشاكل تعترضها او صعوبات تقف في طريق تطويربرنامجها النووي المتصاعد. وفي سرية تامة نجح التعاون النووي الفرنسي الاسرائيلي في الخمسينيات وبداية الستينيات في تطوير القدرات النووية لكلا الطرفين دون القيام بالتأكد العملي على مدى نجاح العملية على الأرض. لكن الاسرائيليين نجحوا في تجميع كمية من اليورانيوم المشع يكفي لصناعة قناعل نووية تقليدية. القدرات العلمية التي امتلكتها اسرائيل جعلتها في وضع عسكري قوي ومنحها الثقة بالنفس والتفوق. ومع كل حرب شنتها على جيرانها العرب عملت على الاستفادة من التجربة التي خاضتها, فتطور نظامها العسكري ومنظومتها الأمنية التي ساعدها على أخذ العبروالحكم من تجاربها القديمة والاستفادة القصوى من الدعم القادم إليها من الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الغربيين. حتى وصل معها الأمرأن تعرض على بلدان صديقة لها كدولة جنوب افريقيا العنصرية في سبعينيات القرن الماضي ان تبيعها اسلحة نووية وصواريخ من طرازاريحا القادرعلى حمل رؤوس نووية. فقد كشفت وثائق سرية حديثة ان اسرائيل عرضت بيع رؤوس نووية لدولة الفصل العنصري في جنوب افريقيا تقدر بمليارات الدولارات. وحسب تقريرصحيفة الغارديان البريطانية في الرابع والعشرين من مايو الماضي الذي جاء في حيثياته ان هناك وقائع عملية وفعلية جرت في الواقع. فقد حدثت اجتماعات مكثفة اومحاضر سلسلة من اللقاءات السرية بين مسؤولين كبارفي الدولتين في العام 1975 منها بين وزير الدفاع الجنوب افريقي في ذلك الوقت, بيك بوتا ونظيره الاسرائيلي في ذلك الوقت شيمون بيريز, مفاده طلبا من جنوب افريقيا في الحصول على ثلاثة رؤوس نووية اسرائيلية لهم. كما وقعوا اتفاقات سرية تنظم العلاقات العسكرية بين الدولتين. فقد تبين ان الجيش العنصري الجنوب افريقي كان يريد استخدام الرؤوس النووية من أجل الردع اولاستهداف دولا مجاورة لها. كما كشف الاكاديمي الامريكي سورانسكي عن وثائق تثبت امتلاك اسرائيل اسلحة نووية رغم الايهام بعدم تأكيد أو نفي امتلاكها هذه الاسلحة. ان اسرائيل تقدم الايحاءات بأن امتلاكها للاسلحة النووية لن تسيء استخدمها في صراعاتها مع الجوارفي حين أن دولة مثل ايران لا يمكن الوثوق بها على هذا الصعيد, أو لنشر الدعايات الاعلامية ضد ايران لتكون فزاعة يمكن التلويح بها ساعة يشاؤون. هذا الجانب من المعادلة دفع الكثير من الدول العربية ان تأخذ موقفاً سلبياً ومتشنجاً من البرنامج النووي الايراني فبدلا من الاستفادة منه ودعمه والسهر على دفعه إلى الأمام فإنه تحول إلى مشكلة وسبب في تعميق الانقسامات العربية البينية, وتحول الموقف الايراني الايجابي من القضية الفلسطينية إلى عملية استقطابات سياسية وفكرية وايديولوجية عميقة مرشحة أن تزيد مأساة الشرق الاوسط المأزوم اصلا. ويجدر بنا أن لا نبعد عن تفكيرنا أن تقُدم بعض الدول العربية المفلسة على كل الصعد من العمل على تحريض ودفع اسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الامريكية على ضرب ايران وتدميربرنامجها النووي السلمي الذي يمكن ان يكون في صف الحركات المعادية للهيمنة الغربية في هذه المنطقة المضطربة من العالم. كما هو معروف لقد نجحت اسرائيل منذ نشؤوها في الاعتماد على التفوق العسكري والعلمي لضمان بقائها قوية ومراقبة اي دولة سواء بعيدة او قريبة من التفوق عليها. فالصواريح البعيدة المدى في الهند أو البرازيل او الباكستان اوايران هو تهديد لوجودها. لهذا تستخدم نفوذها وعلاقاتها الراسخة مع الكتلة الغربية على الضغط السياسي والاقتصادي وسياسة الحصارمن أجل لجم اي مشروع سياسي او علمي او عسكري في العالم لحماية أمنها المهزوز. كما عملت بشكل حثيث على ترسيخ تحالفها الاستراتيجي مع الكتلة الغربية المتمثلة بالولايات المتحدة الامريكية وأوروبا وعملت على تحقيق تنمية صناعية تكنولوجية متقدمة ذات مردودية اقتصادية مرتفعة وخاصة في الجانب العسكري مما جعلها دولة اقليمية فائضة عن حجمها العادي وأكبرمن وزنها الجغرافي. هذا التفوق الذي رسمته ونفذته اسرائيل عبروجودها الهجين وقصيرالمدى اعطاها وزناً اقليمي قوي يمتد من الصين والهند إلى اليابان والبرازيل ومن اوروبا إلى الولايات المتحدة الامريكية بالرغم من العداء العميق مع الشعوب العربية. لقد دفعت إسرائيل الحكام العرب ان يجروا أذيال الخيبة والاخفاق نتيجة لتراجع دورهم ونفوذهم ومكانتهم في المنطقة, الذي اغرى قوى اقليمية كايران وتركيا ان تسرع لملء هذا الفراغ الكبيرالذي تركته الأنظمة العربية تحت تأثير االسياسة الاسرائيلية الفاعلة بقوة في شؤون الشرق الاوسط, وجعلهم عاجزين في الخروج من المآزق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي اوقعوا انفسهم بها ودمروا إرادة شعوبهم وعطلوا قدراتهم في البناء والتحرر. في الواقع مات النظام العربي سريرياً كمحصلة فعلية للسياسات المشبوهة التي لعبوها مع اسرائيل في إدارة الصراع في المنطقة, والمساومة على مكانتها مما همش دورها وحولها إلى دول ضعيفة وتابعة في لعبة الاستقطابات الدولية. لقد فشل العرب في كل شيء, في قضايا التنمية والتطورالعلمي والمعرفي ووصلت بلداننا إلى مرحلة الانهيار الاقتصادي الذي تبدو تباشيره على الأبواب في المستقبل القريب التي ستكون محصلته وصولنا ان نصبح دول فاشلة تماما. من الواضح للعيان ان العلاقة بين الاستبداد والتسلط على الشعوب والاخفاقات المعرفية والعلمية والسياسية والاقتصادية وانعدام المكانة الاقليمية للبلدان العربية هي نتجية مباشرة لعلاقة هذه الانظمة باسرائيل. لقد ساهمت الانظمة العربية في إدخال مجتمعاتنا في أزمات بنيوية عميقة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والفكرية من خلال احتكارها مفهوم الصراع مع العدو ولجم حركة الفكروالابداع وتخريب الذمم وانهاك الإنسان العربي بأزمات مفتعلة ومدروسة وتشويشه عبر اعلام موجه لتخريب عقله. لقد وصلت بلادنا إلى مرحلة من التدهورالاخلاقي والانحلال الاجتماعي ليس بالسهولة الخروج منه. هذه الأزمة ستستمروتتفاقم يوماً بعد يوم ما دامت النخب الحاكمة ليس لها هم إلا في إعادة إنتاج بقاءها في السلطة والمراهنة على استمراربقاءها أطول مدة ممكنة ثم توريثها إلى أبناءها ومن بعد ذلك لا يهمهم من يذهب إلى الجحيم أو يبقى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترقب في إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية في قضية -الإبادة ا


.. أمير الكويت يصدر مرسوما بتشكيل حكومة جديدة برئاسة الشيخ أحمد




.. قوات النيتو تتدرب على الانتشار بالمظلات فوق إستونيا


.. مظاهرات في العاصمة الإيطالية للمطالبة بإنهاء الإبادة الجماعي




.. جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تتعهد بقطع شراكاتها مع إسرائيل م