الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أغاني وذكريات

نارت اسماعيل

2010 / 6 / 24
سيرة ذاتية


مرّ بي يا واعدآ وعده
مثلما النسمة من بردى
تحمل العمرتبدّده
آه ما أطيبه بددآ
عندما أسمع هذه الأغنية الجميلة لفيروز، ينقبض صدري ويعود بي الحنين إلى أيام الطفولة
كنت أذهب مع أصدقائي أيام الجمعة في أشهر الصيف إلى مسبح الربوة قرب دمشق، كنا نمشي بمحاذاة نهر بردى حتى نصل بعد حوالي ساعة من المشي إلى منطقة الربوة حيث يقع المسبح الجميل الهادئ على جبل صغير، لم نكن بعجلة من أمرنا فالمشوار بحد ذاته كان ممتعآ، قبل أن ننعطف باتجاه المسبح كنا نلقي نظرة على صخرة عالية تقع على الطرف الآخر من الشارع كتب عليها عاشق مجهول قبل أن يرمي بنفسه ويدق عنقه: (لن أنساك أبدآ اذكريني دائمآ).
كان المشرفون على المسبح يذيعون هذه الأغنية باستمرار مع أغان أخرى لفيروز، لذلك انطبعت هذه الأغنية الرقيقة في ذاكرتي لتذكرني دائمآ بنهر بردى ومسبح الربوة وتلك الأيام الخوالي
نهر بردى وقبل أن يعبر دمشق يتفرع إلى سبعة فروع، أحد هذه الفروع وهو(فرع يزيد) كان يمر من حيّنا، كان نهر يزيد يأخذ كل سنة صبيآ واحدآ على الأقل غرقآ من شدة جريانه، الآن أصبح مجرد قناة فارغة من المياه مليء بالقاذورات والجرذان ومياه المجاري
أحيانآ كنا نصطاد فراخ السمك من النهر وكذلك البلاعيط (شراغيف الضفادع) والتي كنت أحضرها إلى البيت وأضعها في حوض الزرع الكبير والذي كنت أسقيه بالماء باستمرار وأراقب تحول الشراغيف خلال عدة أيام إلى ضفادع كاملة، في البدأ كان ذيلها يضمر شيئآ فشيئآ ثم تظهر الأقدام الأمامية ثم الخلفية لتتحول إلى ضفدع صغير سرعان ما يضيع أثره بعد ذلك
كنا عند انصرافنا من المدرسة نمر أحيانآ بالبساتين القريبة لنسرق المشمش من الأشجار، وأحيانآ نتسلل إلى الطاحونة المقامة على( نهر تورا )، وهو فرع آخر لنهر بردى، والتي يطحنون فيها جذور العرق سوس، فنسرق غصنآ ونهرب به ثم نقطعه قطعآ صغيرة نتقاسمها ونمصّها بتلذّذ، هذه البساتين صارت اليوم غابات اسمنتية

طفولة مليئة بالأحداث والمغامرات وحتى المخاطر، كثيرآ ما كنا نشجّ رأسنا أو نجرح إصبعنا
أطفال اليوم يقضون أوقاتهم في البيت متسمّرين وراء ألعابهم الالكترونية وشاشات كومبيوترهم، حتى عندما يرافقون أهلهم إلى أي مكان تجدهم مشغولين بموبايلهم أو آيفونهم
إذا كلمت أحدهم ينظر إليك فاغرآ فمه لأنك أخرجته من عزلته مع جهازه

سائليني يا شآم
حين عطّرت السلام
كيف غار الورد واعتلّ الخزام
وأنا لو رحت أسترضي الشذا
لانثنى لبنان عطرآ يا شآم
تذكرني هذه الأغنية بأيام الصيف في السبعينات عندما كانت فيروز تتوّج أيام معرض دمشق الدولي بإقامة مسرحية من مسرحياتها في مسرح المعرض، لم نكن نملك ثمن تذاكر تلك المسرحيات ولكننا كنا نسمعها من خارج المسرح ونحن نستمتع برذاذ مياه النوافير المضاءة بإضاءات ملونة والتي كانوا ينصبوها وسط مجرى نهر بردى المحاذي لمكان المعرض
في إحدى زياراتي لبلدي وبعد مدة طويلة من الغياب أبديت لأختي رغبتي الملحّة بزيارة الحي الشعبي الذي ترعرعنا فيه وقضينا فيه طفولتنا، نصحتني أختي أن لا أفعل ذلك، قالت : من الأفضل أن تحتفظ بذكريات الطفولة الجميلة لأنك لو ذهبت إلى هناك فسوف تصاب بالصدمة
لم أستمع لكلامها وذهبت إلى هناك سيرآ على الأقدام ولكني ما أن وصلت إلى منتصف الطريق حتى عدت أدراجي، فعلآ كل شيء تغير وللأسف إلى الأسوأ، كل شيء أصبح أصغر، أضيق، أقذر، مزدحم أكثر، القمامة أكثر والذباب أكثر
حي أبو رمانة الراقي بشوارعه الجميلة النظيفة وأشجاره المقلمة وهدوئه الساحر، كنا نذهب إليه عندما كنا صغارآ لنشاهد الفتيات يرتدين الميني جوب وآخر صيحات الموضة والأناقة، أصبح هذا الحي اليوم مزدحمآ بالسيارات، بيوته علاها الغبار وعفّرها دخان عوادم السيارات، ضجيج، زمامير، حتى الأشجار أصبحت معفّرة بالغبار والشحّار، السيارات المركونة على الأرصفة تمنعك حتى من المشي بهدوء على الأرصفة، فتضطر للمشي على الطريق، ربما تكون دمشق المدينة الوحيدة التي يمشي فيها الناس على الطريق وتقف السيارات على الرصيف! لن تجد اليوم فتاة واحدة بالميني جوب، لن تجد إلا قبيسيات ومنقبات وقليل من غير المحجبات
كلما ذهبت إلى مكان لاهثآ وراء ذكرى قديمة، لا أحصد غير المرارة والخيبة
لماذا تحتفظ مدن الغرب برونقها، والزمن يزيدها جمالآ وعراقة، بينما مدننا تتعفر وتتغبّر مع مرور الزمن؟
ليست فقط الأماكن هي التي تغيرت، ولكن الناس أيضآ تغيروا
في تلك الأيام، كان كل إنسان عنده أحلام كبيرة، قد يحققها أو لا يحققها، ولكنه كان يملك أحلامآ
أما اليوم، إذا مشيت في شوارع المدينة، يا ترى كم من الناس الذين تصادفهم يملك أحلامآ كبيرة؟
لقمة العيش صارت هي الحلم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من قاسيون ؟ تعانق السحبا ؟
رستم علو ( 2010 / 6 / 23 - 23:02 )
تغيرت الاحوال والبلاد سلمت لسارق والمحتال وهمهما جمع المال . وبدأت نغمة من اغاني وموال . من غزة واسكندرون وجولان طل نجاد واردوغان . وسلموا مفاتيح البلاد للاحباب والاصحاب . ولا فرق بين عربي وعجمي إلا بتحرير ما ضيعا من امجاد . لك تحياتي وتقديري اخي نارت .


2 - نعم ارغب بالتعليق .
رستم علو ( 2010 / 6 / 23 - 23:18 )
من قاسيون أطلَّ يا وطني .. فأرى دمشق تعانق السحب .


3 - لقد ابكيتني, لله درك
T. Khoury ( 2010 / 6 / 24 - 02:45 )
انا احسدك اخي نارت , على الاقل تستطيع تقبيل حجارة شوارعنا

لقد ابكيتني, لله درك


4 - كان هذا
فؤاد النمري ( 2010 / 6 / 24 - 05:39 )
كان هذا قبل أن يأتيكم حافظ أسد


5 - دخيلك يا أخ نارت
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 6 / 24 - 05:56 )
والله هيجت الأشجان يا أخي , وفوق الكل جاء أخونا رستم علو ليذكرني بالأغنية التي لا تفارق ذاكرتي,إييييه ! سقى الله تلك الأيام , دور الدنيا كلها سترى الصغير قبل الكبير يعرف ما هو السين ؟ لقد جعل منه الفرنسيون نهراً عظيماً وبردى بيسوى عشرة من السين عجزوا عن تنظيفه وتطهيره فراحوا وغطوه ليغطوا عجزهم وفشلهم, وبأيام المعرض ؟ بيضحكوا عالبسطاء من الناس بنافورتين ونيونتين ملونين وبطتين عند المدخل وباقي النهر يعج بالزبالة , شفت النهر عند جسر باب توما يا أخ نارت ؟ شفت البهادل ؟ يا حوينة ملاعب طفولتي. طيب وحياة بردى وقاسيون تقول لي : مين أبو هالعقل الأزور الخنفشاري اللي نازل بهدلة بساحة العباسيين ؟ وشو رح يعملوا فيها ؟ قول لي وحياة مسقط رأسي باب شرقي لماذا هذه البرمات والفتلات والدوخات من باب شرقي لساحة باب توما أعرق نقطتين سياحيتين في بلدنا ؟ هم لهم البلد ونحن لنا الله , ما بكفّي ؟ بدكن أكتر ؟.يا لطيف شو طماعين !!


6 - الاخت الكاتبه
هاله ( 2010 / 6 / 24 - 05:57 )
موضوعك جميل ولم يسيء اليه الا تعليق المعلق الاول الذي ربط ولا ادري كيف كل هذا الجمال والحب باوردوغان ونجاد والعرب وامجادهم الذي يكرههما
لااعرف كيف يسمحون بالتعليقات التي لا تتناول الموضوع
اسف جدا واعتذر لك وحقيقة ان موضوعك جميل ومؤلم في ان معا
تحية لك من اعماقي


7 - نعم اكرهم يا ست هالة .
رستم علو ( 2010 / 6 / 24 - 07:35 )
إي جمال وإي حب ؟ ده كان زمان ؟ وما كان كان ؟ افرح يا قلبي بنجاد واردوغان ؟ اذكركم بجمال باشاء الرؤوف يا اخوان ؟ و400 عام او يزيدان ؟ ونحن وآل عثمان حبايب وخلان ؟ واليدري يدري والمايدري فرحان ؟


8 - تحياتي قارئة الحوار المتمدن
رستم علو ( 2010 / 6 / 24 - 07:53 )
نعم من قاسيون أطلَّ يا وطني .. فأرى دمشق تعانق السحب . وسقى الله تلك الايام . على الاقل كان كل الزعماء يرولونا لعرين الاسد . ولكن الشبل يطارد الغزلان في انقرة وطهران ؟ مع اعتراضي على الاب والابن إلى الان . وتحياتي وتقديري للجميع .


9 - تصحيح .
رستم علو ( 2010 / 6 / 24 - 08:10 )

نعم من قاسيون أطلَّ يا وطني .. فأرى دمشق تعانق السحب . وسقى الله تلك الايام . على الاقل كان كل الزعماء يهرولونا لعرين الاسد . ولكن الشبل يطارد الغزلان في انقرة وطهران ؟ مع اعتراضي على الاب والابن إلى الان . وتحياتي وتقديري للجميع .


10 - أخي الفاضل نارت اسماعيل
مرثا ( 2010 / 6 / 24 - 08:22 )
صباح الخير ولك كل السلام والنعمة
اشعر بالشجن في مقالك ولك الحق في ذلك ، فالإنسان يحمل اجمل الصور عن وطنه وخاصة في مرحلة الطفولة والشباب . وأي تشويه فيها يخرب هذه الذكريات الجميلة
قلبي معك ومع كل من اصاب التخريب ذكرياته
تقديري واحترامي العميق


11 - ردود
نارت اسماعيل ( 2010 / 6 / 24 - 08:27 )
السيد رستم علو والسيد فؤاد النمري، أعتقد أن السبب هما الاستعمار والبسكوت كما قال الشاعر محمد الماغوط عبر مسرحية لدريد لحام، الاستعمار فهمناه، أما البسكوت فتستطيعوا أن تحمّلوا عليه أي شيء تريدونه، تحياتي لكما

الأخ ت. خوري، شكرآ لك ولمرورك العطر دائمآ تحياتي لك

الأخت قارئة الحوار المتمدن، لم أذهب إلى دمشق منذ أكثر من سنتين لذلك لا أعرف ماذا يحدث في ساحة العباسيين ولا بقية الأماكن التي ذكرتها، عندي أصدقاء كثيرين من باب توما والعباسيين والقصور
فعلآ دمشق تتدهور بسبب الازدحام وسوء التخطيط، تحياتي الصادقة لك

الأخت هالة، شكرآ لك ولتعليقك، تقبلي تحياتي


12 - الأخت مرثا
نارت اسماعيل ( 2010 / 6 / 24 - 11:09 )
سلام ونعمة، ملاحظتك صحيحة فالشجن هو الذي دفعني لكتابة المقالة
ولا شيء يثير الشجن مثل فيروز، كل أغنية من أغنياتها تعيدك إلى بقعة ما وزمن ما في الوطن
شكرآ وتحياتي لك


13 - السيد المعلق رقم 7 رستم علو
هاله ( 2010 / 6 / 24 - 12:03 )
تعليقاتك طافحة بالكراهية والعنصرية
لن يزيدنا كرهك وكره من يشبهك الا اصرارا وصلابة
اوردوغان بطل قومي للشعب التركي وللمسلمين ونجاد شوكة في عيون اسرائيل
ونحن باقون


14 - يا ست هالة
رستم علو ( 2010 / 6 / 24 - 13:22 )
لماذا هذا التهجم الموضوع ليس شخصي بيننا وبالتالي لا يجوز التهجم علي . بهذه الطريقة العصبية . مع ذلك الاناء ينضح بما فيه .


15 - السيد علو
هاله ( 2010 / 6 / 24 - 18:05 )
ينضح بكل خير وبركه
ليس فيه عنصرية ولا شوفينية ولا احقاد جاهلية ولا عداء لاحد ولا نفاق ولا كذب وسنبقى نحب اوردوغان ونجاد وعبد الناصر وهنيه ونصر الله
الى ان نموت

اخر الافلام

.. كأس الاتحاد الإفريقي - -أزمة القمصان-.. -الفاف- يتقدم بشكوى


.. نيكاراغوا تحاكم ألمانيا على خلفية تزويد إسرائيل بأسلحة استخد




.. سيارة -تيسلا- الكهربائية تحصل على ضوء أخضر في الصين


.. بمشاركة دولية.. انطلاق مهرجان ياسمين الحمامات في تونس • فران




.. زيلينسكي يدعو الغرب إلى تسريع إمدادات أوكرانيا بالأسلحة لصد