الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البصرة بعد 32 عاما! صورة الماضي الجميل، وواقع الخراب المريع!

رزاق عبود

2010 / 6 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


البصرة بعد 32 عاما....
صورة الماضي الجميل، وواقع الخراب المريع! (1)

حطت الطائرة القادمة من دبي على ارض البصرة الفيحاء. مطار اشبه بمعسكر. بعد اجراءات بيروقرطية عادية اكثر تخلفا مما تركتها. استقبلني جنود المحتل بابتسامة ساخرة، وحركات توحي: نحن اسياد البلد!اخذوا صورة لعيوني وكانني ارهابي مشتبه به. اسلوب التسلط، والتعالي يجعلك تشعر بالاهانة في بيتك. لقد اقسمت ان لا ازور البصرة، وفيها جندي محتل واحد، اما ان يستقبلني جنوده بهذه الطريقة الاستفزازية فامر خدعني به من اقنعني بالزيارة، وباني لن ارى أي مظهر للاحتلال. زيادة في الاستفزاز او تباه مج قال الجندي الامريكي بلكنة: شكرا! لم اتحمل ان يعتبر نفسه في ارضه فاجبت بردة فعل تلقائية ضد احتلال بصرتي، واستلاب لغتي: Thanks

تكحلت عيني بعد غربة طويلة بصبخة ارض عطشى على امتداد النظر، وكانني اسير في صحراء قاحلة. لم المح حتى ولا شبح نخلة. رمز البصرة، وعلامتها المميزة، وسر جمالها. سارت بنا السيارة الخاصة الى خارج المطار. مطار البصرة ليس مثل مطارات العالم. من يستقبلك، او يودعك يقف على مسافة الكيلومترات من اسوار المطار(المعسكر). جمع المستقبلين وجوه كالحة، مغبرة، متعبة تبدو اكبر من اعمارها بكثير. سنوات القهر، والحروب، والحصار، والاقتتال الطائفي تركت اثارها. عيون قلقة خائفة، ونفوس مرتعبة متوجسة، واجساد هدها الحزن، والالم، وايدي كانها حبال تسحب الاعباء. الدموع انحبست، العبرات جافة، قاسية تخنق الانفاس، وتكدر فرحة اللقاء. أي امتياز نتمتع به خارج الوطن، واي ثمن دفعه هؤلاء الذين اختاروا، او اضطروا، ان يتحملوا البقاء داخل الوطن؟!

أين النخيل؟! سألت تلقائيا! بل قل اين البشر! جائني الرد المفجوع بسرعة! صمت، فهمت ان كل تعليق قد يثير الهموم، واللواعج. شمس البصرة اللاهبة تحرق الابدان، وتحول خضرة الزرع الى صفار باهت. شعرت انني في جنازة مدينة، وليس في زيارتها. ليس هناك ما يشبه ما تركته الشوارع، والبيوت لم تعد كما كانت. حتى الاسماء تغيرت، وتبدلت، وتحورت. طريقة التحية، اسلوب الاستقبال. المصافحة مع القريبات، او الجارات، وحتى الرفيقات، والزميلات السابقات لم تعد ممكنه. ارتطمت بجدار تحفظي رهيب. كأن الطاعون الذي اصاب المدينة في القرون الوسطى عاد من جديد، فصار الناس يحذرون من مصافحة الغريب، او المسافر، او الزائر. كيف اشعر بحرارة اللقاء، وصدق المشاعراذا لم احتضن من احبني، واحببته، من رافق نموي، وشهد نشأتي؟ من حملني الشوق الى العوده للقائه! كل شئ غريب حتى اهلي!

اذن، انا لم اعد من غربة، بل جئت الى غربة رهيبة قاسية.عبرت حاجز الزمن الى قرون الوراء المتخلفة حيث الحذر، والخوف، والريبة. كأن الطائرة، التي اقلتني الى بصرتي، ماكنة زمن خيالية عادت بي الف سنة الى الوراء. وليتها فعلت لكنت التقيت الفارابي، والفراهيدي، والدوؤلي، والجاحظ، واخوان الصفا. فكثير من الذين التقيهم لم يسمعوا بسعدي يوسف ولا يعرفون من هو السياب رغم انتصاب تمثاله في اشهر شوارع البصرة. علق احدهم على دهشتي: لو كان من البرونز او النحاس لما بقي في مكانه. لكان قد بيع خردة في اسواق السكراب. نصب اسد بابل لم يعد على حاله حتى اتجاهه تغير. وضح مرافقي انه ليس نفس الاسد الذي عهدته، فهذا نصب اخر. بعض المتحجرين ارادوا ان يزايدوا على طالبان افغانستان فهدموه، مثلما هدم اشقائهم في التخلف اكبر تماثيل بوذا، واشهرها فخسر العالم رمزا حضاريا تاريخيا. وفقد الاسلام ادعاء التسامح الى الابد، مثلما خسرت انت صورتك الجميلة عن البصرة!

سارت السيارة الانيقة الجديدة بين خرائب المدينة العتيقة، وشوارعها المحفرة، والاوساخ المنتشرة في كل مكان. بين الاف الكلاب، والقطط السائبة، وروائح الجيف، والمزابل المتعفنة. "طسات، وطسات، وطسات". لولا المقاعد المريحة للسيارة الفاخرة لتقيئت فطور الطائرة الروسية البائس. من الدقائق الاولى شممت رائحة(خيسة) الفساد الاداري. المافيا الروسية دفعت لكي يسمح لطياراتها المتهالكة فقط ان تحط في البصرة، وربما في مطارات العراق الاخرى. طائرات من السنوات الاولى للقرن الماضي تنقلك الى اغنى بلد في العالم.

للحديث صلة....

رزاق عبود
24/5/2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حبك لعراقك العزيز وبصرته الفيحاء ابكانا
اكاديمي مخضرم ( 2010 / 6 / 26 - 12:44 )
شكرا استاذ رزاق
حبك هذا الجياش لعراقك ولبصرته الفيحاء جعلك تكتب نصا يبكي الحجر
شكرا لك على تقاسمك الهموم معنا فالحب واحد والهم واحد
البعض يعتقد ان الوطنية هي التراب ولكن ابن الرافدين ومن ازمان مبكره
كان يئن ويغني
وماحب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
ولكن ابني او اخي رزاق انت وانا تؤمن بما قاله الجواهري عن شعبنا
باق واعمار الطغاة قصار
واهلنا في البصره يقولون - كلها تصير سوالف
كلها تصير سوالف اذا نحن ابناء الرافدين - وابناء الشط العظيم الذي يجب ان نسميه باسم البصرة وليس باسم قتلتنا من العرب والمسلمين
اقول كلها تصير سوالف اذا ننحن اهل العراق تسامينا على العرقيه والدينيه
والطائفيه وصرنا ابناء برره متمدنين مواطنون في غالم القرن الواحد والعشرين
انت شاهد عيان لما الت اليه موسكو وكل روسيا عند سقوط النظام وكيف عمل اللئماء الى تحويل شعبها العظيم الى مجاميع من الجوعى والبؤساء يجمعون لهم ثياب الموتى في اوربا مع المواد الغذائيه الفاسده لاذلال الشعب الابي وكسر نفوسه فكسر النفوس هي الجاده المؤديه الى العبوديه في طل الخراب
وعلينا ان لانسمح باستمرار ذالك في عرا


2 - تتمة التعليق
بصراوي ( 2010 / 6 / 26 - 18:19 )
ياأخي يا ابن عبود وزعت الفسائل لمن يحترم نخلتنا , وبالمجان مساهمة مني لاعادة هيبتها وسطوتها ,موازين الحياة متردية في كل شيء, لاأمان لاراحة وصحة , لاطموح ولا أمل , لكنني اليوم احمل هم من سيأتي ويستقر فيها بعد غربته وعذابه , التأقلم فيها صعب جدا , حتى ولو كنت في الصومال , زرت بعض الذين عادوا وواسيتهم وطلبت منهم مزيدا من الصبر ,واسيت من عاد وقدمت له كل سبل الاقامة ..وبعضهم قال لي بالحرف الواحد ((عدت لاني أريد ان أموت ))وكانت أمنياتهم أن يستقروا ويبنوا حياة ابناءهم وأحفادهم من جديد .لكنهم دهشوا لما رؤها فالبقاء صعب جدا لمن تذوق الحرية والحياة والتمدن . ...شكرا لك عسى ان لاأكون قد حملت جبال همومك أكثر مما هي .

اخر الافلام

.. انتقادات واسعة لأداء بايدن أمام ترامب في المناظرة الرئاسية


.. الأسد يبدي انفتاحه لتحسين العلاقات مع تركيا




.. رئيس الوزراء الإسرائيلي: جنودنا مصممون وملتزمون بمهمة حماية


.. صحيفة لوموند: مفتاح السلام يكمن في مرحلة ما بعد نتنياهو




.. اللواء فايز الدويري يحلل العملية العسكرية الإسرائيلية في حي