الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة الفلسطينية المستقلة ليست على مرمى سنتين.. أو حجرين...!!

طلعت الصفدى

2010 / 6 / 26
القضية الفلسطينية


الدولة الفلسطينية المستقلة ليست على مرمى سنتين.. أو حجرين...!!

الفاحصون.. والباحثون.. والسياسيون.. وقادة الرأي.. والمواطنون العاديون أصحاب الخبرة والتجربة ... الذين يمتلكون أداة التحليل العلمي، ومباضع نقد الواقع الفلسطيني والعربي والدولي، يدركون بلا تردد،وقبل غيرهم أن الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، بلا احتلال، وبلا استيطان ليست قابلة للتنفيذ في المنظور القريب، وربما بعيدة المنال في ظل الأوضاع الانقسامية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، واستمرار حكومة نيتنياهو اليمينية المتطرفة، وتشابك وتعقد المصالح العربية والإقليمية والدولية .

إن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، كاملة السيادة، وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 ككيان سياسي وحقوقي، هو أحد أهداف نضال الشعب الفلسطيني، لكن عناصرها ومقوماتها الأساسية الثلاثة: الأرض، والسكان، والسلطة، تتعرض جميعها للانتهاكات الاحتلالية الإسرائيلية، ومحاولات تفريغها من مضمونها ووجودها المادي والواقعي. إن الشعور بالانتماء إلى وطن يرتبط ارتباطا وثيقا بالأرض، ولا يمكن أن تقوم دولة في الفراغ أو في الهواء ، وهي بحاجة لإقليم تقوم عليه، وإطار جغرافي لسلطتها حتى تقوم بواجباتها وتعزز سيادتها، ولحدود واضحة معترف بها قانونيا ودوليا تمارس حقها ضمن هذه الحدود،وباعتراف واحترام المجتمع الدولي لحدود هذه الدولة ، ووحدة ترابها الوطني.

لقد أدرك، الشعب الفلسطيني منذ أكثر من قرن، أن الصراع مع الحركة الصهيونية، والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة،هو صراع على الأرض، يحاول السياسيون والعسكريون الإسرائيليون تفريغ ألأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين، على قاعدة صهيونية عنصرية " أرض أكثر، وسكان اقل " ومارسوا سياسة التهجير والترانسفير والإبعاد للشعب الفلسطيني لإدراكهم أنها الوسيلة الوحيدة لمنع إقامة الدولة الفلسطينية حتى في حدودها الدنيا . ولم ينجح الشعب الفلسطيني حتى ألان برغم نضاله الطويل، ومعاركه الكفاحية والطبقية،وتضحياته الجسيمة من حسم الصراع على الأرض لصالحه، وعجز في إيقاف مصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات والوحدات السكنية، وهدم البيوت، وبفعل سياسة نهب الأرض فقد تقلصت مساحة الأرض الفلسطينية لحد خطير يمنع إقامة الدولة، وبدلا من التوحد لمواجهة السياسة الاستيطانية، جاء الانقسام الداخلي لتفتيت وحدة الأرض الفلسطينية، ويفصل غزة عن الضفة الغربية سياسيا وجغرافيا.

إن مطالبة الشعب الفلسطيني، والمجتمع الدولي، بقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967،التي أقرتها قرارات الشرعية الدولية ينسجم مع القانون الدولي، وأن إقامتها دون حدود معروفة وواضحة، ومعترف بها دوليا، أو بحدود مؤقتة يتناقض مع أهداف الشعب الفلسطيني التحررية، ومع مفهوم علم السياسة للدولة.

لا توجد دولة دون مجتمع بشري، وسكان يعيشون فيها، وهم يشكلون مواطني الدولة، يرتبطون ببعضهم بعلاقات مميزة، تجعلهم مجتمعا وطنيا متماسكا، يجسدون وحدته، ويدافعون عن مصالحهم المشتركة، ويختفي تناقضهم الثانوي في مواجهة العدو الخارجي والمشترك للجميع. إن أية دولة تتحدد بواقعها الاقتصادي والاجتماعي، وبعلاقات الإنتاج السائدة فيها، فإذا كان المجتمع قائما على الملكية الخاصة فان الدولة وسلطتها تصبح أداة في ايدى الأقلية ،تفرض سيطرتها بالقوة على الأغلبية من الجماهير الشعبية. ومع أن الملكية الخاصة تفرق ما بين الناس، وتدفعهم إلى التناقض والنزاع والصراع، فإنها لا تقضي على الروابط الاقتصادية بين الناس، كما أن انقسام المجتمع إلى طبقات لا يقضي على وحدة المجتمع وتكامله. إن احد سمات الدولة أنها توحد الناس على أساس الأرض بالمقارنة مع المنظمة العشائرية القائمة على وحدة دم القربى، والشعب الفلسطيني الذي تعرض للعدوان المتواصل منذ نكبة عام 1948 واغتصبت أرضه، وتشرد في بقاع ألأرض، فقد معها جزءا كبيرا من وطنه، وتقلص وجوده على أرضه، وتوزع في غزة والضفة الغربية وإسرائيل وفى مواقع اللجوء والشتات، يجد نفسه مضطرا للعيش في كل مواقع تواجده بعيدا عن أرضه وأهله، وتراثه وتاريخه، ويجري تدمير علاقاته الاقتصادية والاجتماعية، ويتحول تدريجيا لجزء من الواقع الجديد، وترتبط مصالحه ونضالا ته بوجوده ألقسري خارج الوطن، مع عدم انطفاء أمله في تحقيق أهدافه الوطنية وفي مقدمتها حقه في العودة إلى أرضه.

تحاول إسرائيل تكريس هذا الواقع ألتشريدي للشعب الفلسطيني، وإطالة مأساته، بغرض التشويه المتعمد لحياة الفلسطينيين في الضفة وغزة، وتحويلهم إلى مجموعات سكانية منفصلة بعضها عن بعض، ومحاصرة المدن والقرى والبلدات، وتحويلها إلى كنتونات معزولة عن بعضها، في محاولة لخلق واقع جديد يفضي إلى حالة من التفكك الوطني والأسري جراء سياستها، وبهذا تعيق تطور المجتمع الفلسطيني من جهة، ومن جهة أخرى تحرمه من قيام دولته الفلسطينية المستقلة، وتفرض على اقتصاده التبعية والإلحاق بالاقتصاد الاسرائيلى، وإبقائه رهينة للمعونات والمساعدات والهبات الدولية، بهدف ضرب مقومات صموده وقدرته على الإنتاج الاقتصادي، التي تعرضت قوته الإنتاجية، واقتصاده النامي للتدمير والحصار المؤلم. ومع تراجع القضية الفلسطينية جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل عليها ، ودخولها في نفق الصراعات الإقليمية والعربية والدولية،والتواطؤ الأمريكي والصمت العربي، وعجز منظمة التحرير الفلسطينية كقائدة لنضاله الوطني التحرري، وتفاقم التناحرات الداخلية، وإهمال الدور السياسي للشعب الفلسطيني في الشتات ومحاولات البحث عن بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية، والعجز في اختراق الساحة الإعلامية الدولية، كلها أضعفت من قدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة العدوان الإسرائيلي المتواصل،والذي يحتاج لدعم عربي وإسلامي ودولي ، ولا زال يمتلك إرادة متجددة وطموح وطني للحرية والاستقلال والعودة.

السلطة سيدة نفسها،هي السلطة التي لا تخضع لاى سلطة أخرى، لا داخل الدولة، ولا خارجها، وتمتلك قرارها المستقل المعبر عن مصالحها المختلفة، ويعتبر الشعب هو صاحب الولاية الحقيقية والسلطة، وهو من يفرض بالضرورة قيام نظام سياسي قادر على ضبط أوضاعه وتنظيم العلاقات المجتمعية الداخلية،وهو المنظم السياسي والضابط لشؤون المجتمع، ومع أن الدولة هي القوة التي نشأت من المجتمع، لكنها تضع نفسها فوقه وتنفصل عنه أكثر فأكثر، وحتى تمارس سطوتها وهيبتها، تستخدم كافة أجهزتها ومؤسساتها للسيطرة والقضاء على مقاومة الطبقات المضطهدة، وتستخدم أدوات القمع وإلا كراه، كالشرطة والأجهزة الأمنية المختلفة، والقضاء، والسجون،والمليشيات العسكرية،والإعلام، وكافة المؤسسات الفوقية للمجتمع، ولإنشاء أجهزة القمع والإكراه تحتاج لأموال تجمعها من السكان على شكل ضرائب وأتاوات، وكلما كبر جهاز القمع واتسع، استدعى المزيد من الضرائب على الطبقات الشعبية لتطال حاجاتها الضرورية والأساسية كالخبز والكهرباء والعلاج، وترتفع وتيرة النفقات على أجهزتها المختلفة في غياب سلطة القانون والرقابة الشعبية والمؤسسات التشريعية.

وفى الحالة الفلسطينية الراهنة فما زال شعبنا يخوض مرحلة التحرر الوطني، ويمر بظروف استثنائية خطيرة، بسبب تعقيدات القضية الفلسطينية، وتشابك المصالح العربية والإقليمية والدولية، وواقع الانقسام الفلسطيني الذي فرض وجود سلطتين تحت الاحتلال، والحصار، وأجهزة أمن مختلفة ومنفصلة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، يتوجب عليهما حماية أمن المواطن، وصون حقوقه العامة والخاصة، والدفاع عن الوطن من العدوان الخارجي، والعمل على تمتين الجبهة الداخلية، ورص صفوف القوى السياسية ومكونات المجتمع المدني، وتحشيد كل طاقات الجماهير لمقاومة العدو المشترك، وهذا يتطلب التوقف فورا عن الاعتقالات السياسية، وملاحقة المناضلين والمقاومين تحت حجج ومبررات واهية لا تستند إلى الواقع، والإفراج الفوري عنهم. إن الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية ينظرون بخطورة لتصاعد حدة الاعتقالات اليومية سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة على خلفية سياسية، ومصادرة حق المواطن في التعبير عن رأيه، والتعدي على حقوقه، وتشديد القبضة على حرية الرأي والصحافة والتعبير والتظاهر، وتخويف الجماهير أو القوى السياسية في التعبير عن رأيها ضد كافة الانتهاكات الاجتماعية والديمقراطية، وتلك التي تمس قضايا الناس وحياتهم الخاصة، ومع تصاعد وتيرة الانتهاكات الداخلية فإنها لا توفر بيئة صالحة لتعزيز صمود الناس، ولا تشجعهم الانخراط في العمل الوطني. ويشعر المواطن الفلسطيني بخيبة أمل وبمرارة استخدام وسائل الإعلام والفضائيات للتحريض المتبادل ، وعرض أسماء المعتقلين والمختطفين من أبناء شعبنا في السجون الفلسطينية على شريطي فضائية فلسطين والأقصى التي تسيء لشعبنا، وتحرجه من مطالبة المجتمع الدولي بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

إن الحديث عن الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، بحدود معترف بها، ضمن قرارات الشرعية الدولية هو على مرمى سنتين أو حجر أمرا غير واقعي، حتى وأن كانت جنينية مظاهر السيادة بتقديم أوراق اعتماد بعض السفراء لبعض الدول، أو مظاهر الاستقبال للرئيس على البساط الأحمر، أو حتى محاولات لخلق مؤسسات الدولة القادمة، طالما بقيت فارغة من مضمونها الوطني، وغابت مرجعيتها القانونية منظمة التحرير الفلسطينية . وهذا يتطلب العودة للشعب الفلسطيني صاحب المصلحة الحقيقية في التحرر، والانعتاق، والعمل بكل الوسائل لإعادة وحدته، وتعزيز الديمقراطية في مؤسساته، وتفعيل دور شعبنا في الشتات، وإعادة الاعتبار للبعد العربي والدولي، والتسلح بقرارات الشرعية الدولية، إنها جميعا تشكل الروافع الحقيقية للمشروع الوطني الفلسطيني التحرري.

طلعت ألصفدي غزة – فلسطين
السبت 26/6/2010
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا