الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
كلمات في تأبين سردشت عثمان وتأبين حال الصحافة في العراق *
شاكر الناصري
2010 / 6 / 26الصحافة والاعلام
ها نحن نلتقي اليوم لنشارك في تأبين أنسان قد فارق الحياة قبل أكثر من أربعين يوما . كان أنسان نابض بالحيوية في بيئته وكليته ووسط محيطه الأجتماعي وتمتلأ روحه بالآمال الكبيرة بأن يحيا حياة هانئة وسعيدة ومرفهة ويكون قادرا فيها على قول وكتابة كلمته بحرية ودون رقيب أو دون خوف من شبح الأختطاف والأعتداء والقتل الوحشي أو أن يكون قادرا على ممارسة حقه في كشف المستور من الفساد وأستغلال السلطة بعيدا عن الأعراف والقيم العشائرية والأجتماعية المتخلفة التي تزيد من قيوده وتجعله أمام خيارات مظلمة فأما الصمت وأما القتل.
لم يكن سردشت أول كاتب كلمة حرة وأول صحفي يقتل في العراق أوفي أقليم كردستان، بل سبقه الكثير وسبق لنا جميعا أن نعينا وأبنا الكثير من الصحفيين والكثير من كتاب الكلمة الحرة وأطلاقنا شاركنا في الكثير من حملات الدفاع عن الذين تمت مصادرة حرياتهم أو تم زجهم في السجون بتهمة التشهير أو التطاول على رموز السلطة أو على مكانة العوائل والعشائر الحاكمة ، الا أن حالة سردشت تكاد تكون حالة نموذجية وتكشف حجم الاصرار والتعمد على قمع حرية الصحافة وقمع حرية التعبير وممارسة أبشع أشكال الأستبداد والقمع والتنكيل من أجل أسكات كل صوت لم يعد قادرا على الصمت أزاء ما يحدث وأزاء الأمتهان الذي تتعرض له حياة الأنسان وكرامته وحقوقه من قبل الفئات الحاكمة.
لقد كان سردشت شابا طموحا إسوة بالكثير من الشباب الذين وجدوا أنفسهم في بلد مضطرب بالصراعات السياسية الدامية وبأستغلال السلطة ونهب ثروات البلد ، شباب يحملون الكثير من الآمال والكثير من التطلعات للعيش في مجتمع يمكنه أن يكون بمستوى طلعاتهم وآمالهم وبمستوى أنسانيتهم والتي تعني التمتع بحياة حرة ومرفهة بعيدا عن قيود القسر والأجبار أو الخضوع المذل للسلطات التي تريدهم أن يكونوا أدوات مطيعة وخانعة في ماكنة سلطتها التي لاترحم . غير أن تلك الطموحات والآمال واجهت وتواجه كل يوم منعطفا خطيرا يزيد من حدة العزلة وأنقسام الناس البسطاء عن السلطة ومكانتها وأمتيازاتها .
إن الحديث عن سردشت عثمان ، الصحفي الشاب الذي لم يتردد عن قول كلمته التي هي كلمة الكثير من الشباب في كردستان العراق ، كلمة الحقيقة الواضحة والتي تنطوي على الكثير من الشعور بالحيف والأنتهاك ، لابد وأن يدفعنا للحديث عن أوضاع الصحافة والصحفيين في العراق خلال السنوات الماضية وحتى أيام معدودات من يومنا هذا . فابسط ما يقال عن هذه الأوضاع أنها أوضاع بائسة ومزيرية ومحفوفة بالمخاطر ، أذ أصبح العمل الصحفي من الأعمال التي تقود صاحبها نحو التهلكة أو تجعله عرضة للأعتداءات والتجاوزات المهينة والخطيرة والتي توصله الى الموت في الكثير من الحالات .
في عراق اليوم فإن حالات التجاوزات على الصحفيين والعاملين في الحقل الأعلامي، كالأختطاف والقتل والأعتداءات المسلحة والتجاوزات اللفضية المهينة وتعرية الصحفيات في وضح النهار وأمام أنظار الأجهزة الأمنية ومصادرة معدات العمل الأعلامي أو التقديم الى المحاكم وأغلاق مكاتب الصحف والوكالات الأعلامية ومواصلة ايصال رسائل التهديد والقتل الى الصحفيين والكتاب وحوادث الأعتقال والحجز ، أخذت أبعادا خطيرة مما يدلل على أن السلطات القائمة في العراق وفي أقليم كردستان العراق ، أي سلطات الأحزاب والمليشيات المسلحة أو السلطات الدينية والطائفية والعشائرية أصبحت تجد في ما تقوله الصحافة وما يكتبه الصحفيون ، تهديدا خطيرا لمصالحها ومواقعها وأمتيازاتها وتجاوزاتها على حقوق الأنسان في العراق وأستلاب حقوقه وجعله عرضة للأنتهاك والمصادرة . لقد شهدت الفترة الممتدة من حزيران عام 2009 وحتى حزيران الجاري فقط ، تسجيل أكثر من 262 حالة تجاوز وأنتهاك صريح بحق الصحفيين .
أصبحت ملفات الفساد وكشفه وممارسات أستغلال السلطة والنفوذ ونهب ثروات البلد ، من المناطق المحظورة التي يصعب الدخول اليها أو تنازلها من قبل الصحفيين وهذا ما فعله سردشت عثمان ،إذ أوصل تحديه للقائمين على السلطة والجهات المتنفذة فيها الى اقصى درجة ممكنة قد تخطر في مخيلة الصحفي الذي يستشعر حجم المعاناة التي تولدها الفروقات الأجتماعية والاقتصادية بين الطبقة السياسية الحاكمة وعوائلها وأمتيازاتها من جهة وبين الناس البسطاء الذي عاشوا في ظل حرمان مدقع طوال عقود طويلة من التهميش والأقصاء والظلم .
لقد مارست القوى المذكورة كل أشكال الأنتهاكات والتجاوزات بحق الصحافة والصحفيين وأصبح من الصعب الوقوف عند أحصائية محددة تبين لنا عدد تلك الأنتهاكت والتجاوزات التي تكشف عن مدى التضييق والعنف المدروس الذي يتعرض له الصحفيون في العراق وتواصل المساعي الرامية للسيطرة على حرية الصحافة من قبل السلطات الحكومية والقوى السياسية وان بقاء مرتكبي جرائم العنف والتجاوزات ضد الصحفيين أحرارا وعدم تقديمهم الى المحاكم يشكل دليلا فاضحا على مدى تهاون السلطات في تعاملها مع هذا الملف الخطير .
أننا اليوم أزاء قضية حساسة ومصيرية تخص المجتمع العراقي وحياة الأنسان فيه ، الا وهي قضية حرية الصحافة وحرية العمل الصحفي والأعلامي في العراق عموما . فعلى الرغم من الضجيج الذي رافق التحولات السياسية في العراق بعد أسقاط النظام الدكتاتوري السابق ، ضجيج التحول الديمقراطي وأحترام حقوق الأنسان واشاعة قيم المساواة والحرية والعدالة وسيادة حكم القانون والتبادل السلمي للسلطة في العراق الا ان أوضاع الصحافة في هذا البلد تواجه أنتكاسات متلاحقة وتدلل على كل ما يحدث وكل ما يتم قوله ليس سوى محاولة لتزييف الوعي واشاعة الأوهام وأن الحقيقة هي عكس ذلك تماما . فالصحفي الذي كان يمارس عمله في حقبة النظام الدكتاتوري ، كان يعرف أنه أزاء نظام متسلط ومستبد له قيمه وأمتيازاته وخطوطه الحمراء وإن عليه أن يمارس عمله المهني بما يمكنه من البقاء على قيد الحياة . غير نفس هذا الصحفي الذي أنتقل الى مرحلة ما بعد سقوط ذلك النظام أصبح في مواجهة سلطات متعددة ، باسم الأحزاب أو بإسم القوميات والطوائف أو باسم رجال الدين والمؤسسات الدينية المختلفة . أمتيازات كثيرة وتلاعب بمقدرات البلد وفساد يفوق الوصف وخطوط حمراء كثيرة ومتشابكة . إن تشابكات وتعقيدات كهذه تجعل العمل الصحفي في العراق في مواجهة مخاطر جدية كثيرة .
حين وضعت المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة ، العراق ضمن أخطر المناطق في العالم تهديدا للعمل الصحفي فإنها لم تستند الى فراغ ، فأعداد الصحفيين الذي قتلوا أثناء ممارستهم مهامهم المهنية أو الأنتهاكت والتجاوزات المسلحة والحجز والأعتقالات التعفسية بحق الصحفيين كلها مؤشرات تدلل على حجم المخاطر التي تعترض العمل الصحفي ولذلك فإن الدعوات المتواصلة من أجل اقرار قانون حماية حرية العمل الصحفي وحرية الوصول الى المعلومات وأحترام مكانة العاملين في الحقل الصحفي والأعلامي تبقى دعوات تحمل الكثير من الجدية خصوصا أذا ما علمنا بأن الكثير من الجهات السياسية في العراق تعمل على عرقلة وجود قانون لحماية الصحفيين وتعمل بجد كذلك لأن يبقى هذا القانون حبيس أدراج مجلس النواب العراقي.
نكرر في هذه المناسبة مطالباتنا السابقة وأسوة بالكثير ممن فجعوا بجريمة أختطاف سردشت عثمان وبقتله الوحشي ، بضرورة الكشف عن الجناة الذي شاركوا غي هذه الجريمة ونفذوها . ان حكومة أقليم كردستان التي طالما تحدثت عن الاستتباب الأمني في الاقليم تتحمل وبشكل كامل مسؤولية الكشف عن ملابسات جريمة قتل سردشت عثمان وتقديم الجناة الى المحكمة حتى ينالوا جزاؤهم العادل .
* النص أعلاه هو الكلمة التي القيت في الحفل التأبيني الذي أقيم أستذكارا للراحل سردشت عثمان ، في يوم 26 حزيران الجاري في العاصمة الدنماركية كوبنهاكن وكانت بأسم الجمعية العراقية لحقوق الأنسان في الدنمارك .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - حرية الصحافيين
جورج كتن
(
2010 / 6 / 27 - 01:10
)
نحيي جهودكم للدفاع عن حرية الصحافيين واحياء كم لذكرى الصحفي زرادشت عثمان الذي كانت تهمته الوحيدة أنه حاول بكلماته فضح الفساد والتسلط العائلي والعشائري في اقليم كردستان العراق .
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر