الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اخطاء عبد الكريم كاصد

معتز رشدي

2010 / 6 / 27
الادب والفن



الصواب واخطاؤه

عن ديوان الاخطاء للشاعر الكبير

عبد الكريم كاصد


يا صوابي الخاطيء

اين تقودني ؟



كان هناك

- كما في الحلم -

على مقربةٍ منّي

سماءٌ خالية

أغصانٌ جرداء

أوراقٌ تتطاير

تراها أخطائي؟

( من قصائد المجموعة )

1

( ديوان الاخطاء ) قصيدة - ديوان ، تنتظمها فكرة واحدة ، بعنوانات مختلفة . وهذا ، في

يومنا ، ديدنُ كل شعر حديث جدير بأسمه . زمن المجموعة التي تنفرد كل قصيدة منها بهم ٍ

مختلف ، عن الاخرى ، قد ولى ، وانتمى مرة واحدة والى الابد ، الى ازمنة كان فيها كاتب

الشعر او دارسه يختار من بين مجاميع الشاعر قصائد َ، مختارة ًقد يفصل الواحدة منها عن

الاخرى سنوات ، وربما عقود . نحن ، اليوم ، في زمن المجموعة – الكتاب ... زمن

الكتابة . وهذا مبحث شعري وفكري يطول شرحه .

2

ما الخطأ ؟ ما الصواب ؟ كأني بهما الشجرة التي انجبت غابة ًوارفة الظلال ، اهي شجرة

الخير والشر ؟ اصلها في قلب الانسان الوحيد ، من بين كائنات الطبيعة ، المدرك لحقيقة

زواله ، بينما اعلاها ذاهب ، عميقا ، في خفايا الطبيعة .

هذا ما تبينته ، جيدا ، بعد انتهائي من قراءة ديوان الاخطاء للشاعر عبد الكريم كاصد ؛ حقيقة

مرعبة ، حقا ، ومؤداها : ان الحياة ماكرة لعوب ؛ فهي قد تدفعك دفعا ، لاهوادة فيه ، وبرفق – ايضا –

غير محسوس - اوكما يبدو للوهلة الاولى- ، الى تبني خيارات بعينها في مرحلة ما من مراحل

العمر ، ريثما تكتشف ، بعد حين ، وفي وقت متأخر دائما ، ان الحياة لم تفعل ، مدة دهرها ، شيئا

برفق ، ولن . وانها قد ورطتك ، احيانا ، في ما لا طائل لك فيه . وانك قد خُدعت ... أخذت

على حين غفلة ، وانك كنت تجهل ما يراد بك ... ويراد لك .

وهي ، لو لم تكن ، كذلك ، حقا ، اذن لكنا سُئلنا قبل الولادة ، ان كنا راغبين بالمجيء

اليها ، ولكنا سُئلنا عن وطن الولادة ... ، الى ما آخر ذلك ... من اسئلة هي الوجه الآخر لصراع

القائلين باحدى الفكرتين القائلتين : امخير هو الانسان ام مسير في امنا الدنيا ... ام دفر على حد

تعبير ابي العلاء المعري ؟

ما الصواب ، وما الخطأ بالنسبة لشاعر يتأمل ، او يستذكر في آخرة الليل ... اقواله وافعاله ؟

ليت شعري ، ما الصواب وما الخطأ ؟ كيف يتلبس احدهما لبوس صاحبه ... وكيف يخرج من

جلده ، مُخرجا لسانه ؟ أهكذا يُخرج الحي من الميت ، والميت من الحي ؟ الجليل من

الوضيع ، او بالعكس ؟

كأني بديوان الاخطاء ، صوابٌ متنكر بنقيضه ، او خطأ متنكر بصوابه :



هناك في الطريق

من يرى الصواب

برفقة الخطأ؟



أخطائي واقفة

ممّ ترى تحرسني؟



حتّى في أحلامي

ثمة خطأ



سأضع حدّاً لأخطائي

باقتراف الخطأ .



هل قلت ان ديوان الاخطاء ، برغم ما تقدم كله ، حافل بصواب التجربة

الانسانية ؟ يمكننا النظر الى ديوان الاخطاء ، على انه ديواننا ، جميعا بلا استثناء

يُذكر ؛ اخطاؤه اخطاؤنا مهما ادعى الواحد منا عصمة وقداسة مزيفتين .... في زماننا هذا

العظيم الذي علمنا ان اخطاء وتناقضات الكائن الانساني ، ليست سبة او نقيصة كما

دأبت ازمنة سابقة ، اقل ترفعا – رغم جهامتها المتعالية – على القول بذلك ، بل هو أمر ، اي

الخطأ والصواب ، منبعه جذور وجودنا الانساني نفسه ، وما قسوة الحدود التي وضعت

بينهما الا لغلظة فكرية ، دينية ٍاخلاقية المنشأ ، صاحبت نوعنا الانساني المخدوع

منذ نشأته الاولى :



كلمني الصواب مرة

وقال:

"أنا خطؤك المقيم"



قلْ لي:

أ ثمة من يفرح بأخطائه؟



خطأ صغير

يتشبث بي

ويبكي .



تمهّل أيها الصواب

لا تسرعْ أيها الخطأ

العربة الخفيفة

لا تنتظر حصانين .



لماذا لحى أخطائي

بيضاء .

وهل قلت ان الفكرة الاولية التي تسند الديوان كله ، كانت لتتحول الى شبه غرفة

مقفلة يجلد المرء فيها ذاته آناء الليل واطراف النهار ، لو ان الديوان كُتب في زمان

آخر غير زماننا هذا ، او قبله بالاحرى ؟

هل قلت : ان ديوانا كهذا لا يكتبه الا ابن حاضرة ؟ اذ تهب المدينة لساكنيها ، ما لا

يقدر عليه الريف . والمدينة المقصودة ، هنا ، مدن تنقل او تشرد فيها الشاعر منذ مطلع

شبابه الباكر . لا تبخل الحاضرة ، اليوم ، على ابنائها بالطرافة ، وقد اثقلتهم بصنوف

المرارات ، وارتهم ما لم يره اباؤهم من قبل . وهذا وجهُ خطأ ٍ، من وجوهها المتعددة ، خالطه

وجه صواب ٍ ؛ حيث ثوراتها العلمية ، وكشوفاتها الانسانية ، التي لم يسبق لها مثيل .

نعم ، ثمة طرافة مقهقهة تتخلل الديوان ، دمعة بالكاد تُرى .... وابتسامة اسيانة .

3

في لقاء اجري مع الشاعر ، وهو واحد من اروع اللقاءات التي اجريت

مع شاعر عربي ، اجراه معه الاستاذ والشاعر المغربي عبد القادر الجموسي ، وطبع

في كتاب بعنوان ( الشاعر خارج النص ) ، تحدث شاعرنا عن صنفين من

الشعراء الكبار ، النوع الاول منهما ، هو القديس الذي يُخفي ، لظروف ما مزاجية

ونفسية ، لعنته ... يخفيها لاسباب خارجة عن ارادته ، اما النوع الثاني ، فهو الموسوم

بلعنة ابدية ، وكأنه نوع من شيطان آخر ، عن هذا الآخير قال شاعرنا ما مؤداه : هو

قديس ، ايضا ، اخفى ، او أُخفيت ، قداسته تحت رداء من اللعنة . ترى ، الي ايهما ينتمي

عبد الكريم ، هنا ؟ في كتابه العظيم ( ثياب الامبراطور ) تحدث فوزي كريم عن شخصية

الشاعر البصري العظيم السياب ، قائلا ، ان لم تخني الذاكرة : كان شعور السياب

بالذنب ، كبيرا ، هذا الشعور بالذنب ، هذا الضعف الانساني المقدس امدنا ، نحن

القراء ، باروع قصائد السياب . كان كلام فوزي نوعا من كشف لي ، صدر عن قاريء

كبير للسياب . عزا فوزي مشاعر السياب بالذنب ، الى حقيقة ان السياب ، في اعماقه ، هو

رجل صالح ، بل وشديد الصلاح . فهل نحن ، قراء ( ديوان الاخطاء ) ، امام صلاح

من نوع آخر ؟ فالاسئلة المطروحة في ( ديوان الاخطاء ) تدل على شفافة صاحبها ، وشدة

مراقبته لافعاله ، حرصا من عند نفسه – والقراءة هنا محض شخصية – على مشاعر

المحيطين به . حسب رأيي - الشخصي ايضا – ان صلاح عبد الكريم كاصد ، هو

صلاح من عركته الاسفار ، ومن امدته ثقافة المدن العالمية ، التي عاش فيها ، بقوة

انسانية مضاعفة – وهذا ما لم يتوفر للسياب - وقفت حائلا بينه وبين بلوغ مرحلة جلد ٍ، ذاتي غالبا

ما يكون مصحوبا بنواح وعويل ، والنواح العراقي ، في حالتنا ، شديد ، حتى لتتمزق

منه نياط القلب ، الممزقة اصلا . وما عبادتنا للسياب الا لانه استشعر قبلنا جميعا وقع خطى كارثة

كانت ، وشيكة . و كان ، هو ، اول من رأى نذرها الحنظلية السود في روحه وجسده

على حد سواء ، كارثة لم ننتظر ، لسوء حظنا ، طويلا ، حتى وقعت على جسد وروح كل ذكر

وانثى منا :



آلام الجسد اختبرتها

آلام الروح اختبرتها

ولو سُئلتُ

أيهما أشقّ؟

لما أجبتُ

متطلعاً إلى جسدي

بعينين مطرقتين

الاطراقة ، في المقطع اعلاه ، هي اعمق واجمل اطراقة في شعرنا الحديث ، اطراقة

الحائر ، لا عن عجز عن الاجابة ، ولكن ، لان الاجابة اكبر من ان يجاب عنها بكلمات .

وتلك هي الحداثة الحقيقية في الشعر ؛ الابقاء على الصمت ، والاجابة الموحية الخافتة

النبرة ، على صخب والحاح السؤال ، مما يُشرك القاريء ، برفق واثق من نفسه ، في

عملية ابداع القصيدة .

4

لا ادعاء صاخبا في شعر عبد الكريم كاصد ، فهو يتمتع، شأنه شأن كل شعر كبير آخر ، ببساطة

آسرة هي الوجه الآخر لعمق ونبل انسانيين نادرين ، في عصرنا العربي هذا ، عصر ترهات

الحداثة ، وما بعدها !

اما التعالي على واقعه ، وواقع قرائه فهو اكثر ما يكون بعدا عنه . والتعالي ، في حداثتنا العربية ، اليوم ،

سمة شديدة الوضوح من سماتها الزائفة ، التي ساهمت في صرف القراء عنه ، لانه ليس لديه

ما يقوله للناس ، وكأن الشعراء ، اليوم ، فزاعات مضحكة في حقل غير ذي زرع ؛ لِم يكتبون ؟

ولمن ؟ اذا كان واحدهم لا يفهم ما يريد صاحبه ايصاله له ! هل يفهم كاتب النص ، منهم ، هم

انفسهم ، لِم هو يكتب ، وماذا يكتب ؟ اذ ضرب كل واحد منهم ، حول ذاته ، فراغا اشد

خواء من خوائه الذاتي !

الجميع ينطقون بالصواب

من ينطق بالخطأ؟

نعم ، كلهم ناطق باجمل الشعر ، فمن اين انهمر على رؤوسنا كل هذا الهراء ؟ هراء حداثة

صبيان الابدية ، وما بعدها !

ويظل ديوان الاخطاء ديواننا ، جميعا بلا استثناء يُذكر ...














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم


.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في




.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش