الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكهرباء والشرارة الممكنة!

كامل كاظم العضاض

2010 / 6 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الكهرباء المولعة قد توّلد شرارة حارقة، وربما تؤدي الى حرائق كارثية، ولكن هذا الأمرهو أمر مجازي هنا، فنحن نعرف بأنه أمر لا يحصل تقنيا، إلا إذا عندما يكون هناك فيض لتيار كهربائي يسير باسلاك متهرأة أو ينّظم بأقفال ومفاتيح تالفة. هذه حالات نادرة ومحدودة الأثر، ولكننا نتحدث عن شرارة تطلقها كهرباء مطفأة، أي عن الشرارة التي قد يسببها لهيب الصيف الحارق لمساكن صُممت على أساس أنها تتبرد بالكهرباء، وليس على غرار بيوت أبائنا، حيث البيوت مفتوحة وتبّرد بالعاقول، وترش بالمياه، وقد تحاط بالمنافذ الطينية، (البادكيرات)، التي تتلقف تيارات الهواء البارد حين يهب ليلا أو نهارا. فهنا ليس المقصود أذن هو الشرارة الفيزياوية، المولّدة لحريق حقيقي، إنما المقصود به هو الشرارة الإجتماعية ذات البعد السياسي. فحينما يعاني الناس بغض النظر عن ولاءآتهم المذهبية من إنقطاع شبه مستمر للكهرباء، مما يتسبب بقيض سامط، وجفاف هالك، فينامون على صفيح ساخن، وتمر عليهم سبع سنوات، عانوا في صيفها الإختناق والجفاف وتداعت فيه صحة المرضى منهم، على وجه الخصوص، وفي شتائها أيضا، تعرضوا للبرد و حُرموا من الدفء الكافي في مآوايهم، فثمة من سينهض ويطرح السؤال، من هو المسؤول؟ هذا سؤال كبير، وليس جوابه بالتعقل المنطقي والفلسفي، إنما بالخروج الى الشارع لإعلان هذا السؤال. نعم من المسؤول؟ هو هذا السؤال الذي طرحه ويطرحه الناس اليوم في إنتفاضتهم الكهربائية هذه! الناس ببساطة، تقول، نحن إنتخبنا القادة والحكومة وأولي الأمر وإستبشرنا بهم خيرا، وصبرنا عليهم لدورتين إنتخابيتين، ودفعنا من دمائنا وحيواتنا وفقدنا فلذات أكبادنا، وصبرنا على الخوف والعطش وسؤ الخدمات، والتهميش والإهمال، وتقييد الحريات ومنع التجوالات الليلية، وفضاعة التفجيرات، و بشاعة الذبح والإغتيالات، فضلا عن الفساد والإفساد وهدر المليارات. ومع كل ذلك، فينا من يقول، ولعله معظمنا؛ "أنهم معذورين"، فالإرهاب والقاعدة والفساد المتوارث، وربما قلة التجربة لحداثة هؤلاء الحكام الجدد في أمور إدارة الدولة والمجتمع، ربما هي الأسباب التي حدّت من قدرتهم على أداء واجباتهم، بدون ان يحول ذلك، طبعا، من قدرتهم على حماية أنفسهم، والتمتع بخيرات إمتيازاتهم التي حسبوها هم لإنفسهم، دونما قانون منصف أو معقول ينظمها لهم. نقول، قيل كل ذلك، لتعزية النفوس و لتقبّل إملاءآت الإنحيازات الطائفية والمذهبية والعرقية! ولكن بعد مرور عقد من الزمن، بان كل شئ، عاريا وساطعا، فالمسالة ليست مسألة أن هذا الحاكم من ملتي أو مذهبي او عرقي، وبذلك فهو سيسعدني ويخدمني، إنما الحقيقة هي أنه جاء ليخدم نفسه فقط أولا، فهو لم يلتزم حتى بالقناع الطائفي أو العرقي الذي لبسه ليصدقة البسطاء من ملته أو عرقه، جاء وهو غير مؤهل، جاء وهو غير مدرك لمسؤوليته الإجتماعية والإنسانية، جاء وهو لم ينهل من أية مدرسة أخلاقية؛ هل جاء هو من مدرسة صوت العدالة الإنسانية الذي قال، "لو كان الظلم إنسانا لقتلته؟" ام هل جاء هو من مدرسة من قال، " هل تحمل عني وزري يا هذا في يوم القيامة؟" وهو يحمل كيس الطعام على كتفه ليوزعه على الأيتام، رافضا أن يحمله عنه غيره، وهو ثاني الخلفاء الراشدين بعد رسول الله،(صلعم). من أية مدرسة أخلاقية جاء هؤلاء؟ ولكي لا يظلم أحد من هذا التعميم، نقول، حتى لو وجد بينهم أحد يدعي الإنتماء الى أي من هاتين المدرستين، فلماذا لا يخرج ويقول؛ كفى، لا يمكن أن أسكت او أستمر بالمشاركة في حكومة أو برلمان فاشلين، هاكم إمتيازاتكم، أنا مستقيل، بل سارفض حتى امتيازات ما بعد الإستقالة! لا لم يفعل ذلك أحد، بل حتى النادر الذي فعل إستمر ساكنا في المساكن المجانية والمحمية والمرفهة والتي لا تنقطع عنها الكهرباء، بل وحتى الذي خدم لبضعة أشهر في ما يسمى بجلس الحكم، يتقاضى اليوم راتبا شهريا يزيد على خمسة آلاف دولار، مدى الحياة! لماذا؟ هل صنعتم معجزات يا سادة؟ أم أنها رشوة بريمرية/ امريكية معروفة!؟
نقول، حتى لمن نستطيع وصفهم بحسني النية، وهم بلاشك غير قلائل، وهم قد يجدون من حرمانهم في الماضي بعض التبرير الذاتي لقبول الإمتيازات التي نزلت عليهم من السماء، ولم يطالبوا بها، ولكن جرى التمسك بها بعدما نزلت، نقول لهم، ان المشكلة التي تكمن فيهم هي أنهم غير أكفاء، ومن كان كفؤا بينهم، فهو لا يستطيع العمل بوسط غالبية ليست غير مؤهلة فحسب، بل وقليلة التجربة وغير حصيفة، اي غير متحسبة للمستقبل؟ فهؤلاء، إن كانوا حصيفين، عليهم البحث بضراوة عن الأكفاء وليس عن اللصوص والسماسرة، ليعاونوهم، ليديروا الأمور فنيا، بالنيابة عنهم، وهم بذلك سيحافظون على ماء وجوههم، وعلى إمتيازاتهم التي يجب أن يدفعهم حرصهم ذاته الى تقليمها وجعلها مقبولة ومنطقية، او في الأقل قابلة للمقارنة بإمتيازات اقرانهم في الدول الكبرى، كالولايات المتحدة نفسها؟ لقد اذهلني الأمر حينما إكتشفت أن مرتب بريمرالحاكم الأول بعد الإحتلال كان أقل من راتب أي مسؤول من المسؤولين العشرة الكبار في دولتنا العتيدة! وطبعا لا نقارن راتبه، او راتب سيده رئيس الولايات المتحدة براتب رئيس جمهوريتنا العتيد، ، ومن ثم رواتب وإمتيازات من يسمون أنفسهم بممثلي الشعب!
فالمسالة هي ليست فقط ظروف العراق بعد السقوط، والصراع الإقليمي، والقوى الإرهابية بانواعها، ولا هي فقط حداثة التجربة وقلة الخبرة، فهذه عوامل، نعم موجودة، ولكنها هي بالذات الإختبار الحقيقي لمعادن الرجال والنساء، ممن يتصدون لمسؤولية قيادة البلاد في مرحلة خطرة كالتي نمر بها اليوم، إنما هي في الأغلب غياب الكفاءة، من جهة، وغياب الأخلاق والوازع الضميري الحي لدى الكثير منهم، من جهة أخرى. ولكي لا نتجنى بالتعميم المطلق، فهذه هي الساحة العراقية شاخصة أمامنا، وها نحن جميعا ننظر بعجب لتفاهة الصراعات الدائرة لتشكيل حكومة، بعد مضي أكثر من أربعة أشهر عليها، هل ينم هذا الأمر عن أية حذاقة أو شعور عال بالمسؤولية، أم أنه يبدو كصراع يشبه صراع الأطفال الغر.
كامل العضاض
28 حزيران، 2010
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصائل المقاومة تكثف عملياتها في قطاع غزة.. ما الدلالات العسك


.. غارة إسرائيلية تستهدف مدرسة تؤوي نازحين بمخيم النصيرات وسط ق




.. انتهاء تثبيت الرصيف العائم على شاطئ غزة


.. في موقف طريف.. بوتين يتحدث طويلاً وينسى أنّ المترجم الصينيّ




.. قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على مخيم جباليا