الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


والحقد في الصغر كالنقش في الحجر

آلان كيكاني

2010 / 6 / 28
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير



رداً على سؤال عن كيفية إصلاح الإنسان التركي قال الكاتب التركي الساخر المغفور له عزيز نيسين : هناك طريقة واحدة وهي أن نأتي بآلة للزمن تعيد كل تركي بالغ إلى أيام طفولته الأولى ومن ثم نقوم بتربيته من جديد تربية إنسانية قائمة على أسس حضارية , وبهذه الطريقة فقط يمكن أن نبني إنساناً تركياً مثالياً بعيداً عن الهمجية والتخلف , وبغيرها لا يمكن أن يصلح التركي أبداً .
لا أود الإساءة إلى أحد في هذه الأسطر فالشعب التركي كما كل ملل الأرض فيه الصالح وفيه الطالح وإنما ما يهمني من قول عزيز نيسين الحكمة المبطنة فيه والتي تنم عن حقيقة علمية ساطعة لا ريب فيها , وإنْ أوردها عزيز على شكل طرفة يضحك بها قراءه كما درج على فعل ذلك في جل أعماله , وكأنّ عزيزاً يقول أن شخصية الإنسان وطباعه تتكون بشكل أساسي في سني الطفولة والمراهقة حين يكون صلصالاً طرياً ليناً , حيث نستطيع أن نصنع منه ما نشاء , أو ورقة بيضاء يمكن أن نكتب عليها ما نريد , أو صخرة نستطيع أن ننحت منها الشكل الذي نرغب , وإذا كبر فقد مرونته ومطاوعته ومن الصعب ثنيه عن طباعه التي اعتاد عليها مهما كانت سيئة , وهذه الحقيقة دفعت الدول المتقدمة إلى الأهتمام الكبير بأبنائها في سني الطفولة والفتوة بتنشئتهم على قاعدة مدنية علمية قائمة على الإحترام والمحبة والتسامح ونبذ العنف والكراهية والعنصرية , فأنتجت هذه الدول مجتمعاً يكاد يكون خالياً من أية عقدة نفسية أو إجتماعية , ينطلق في الحياة باندفاع دون أن يعيقه عرق أو دين أو لون أو لسان . هذا في الغرب , فما حال شرقنا هذا من هذه المعادلة الذهبية ؟
لا يزال السياسيون والمسؤولون عن حقل الثقافة في معظم دول الشرق ينفثون السموم في أدمغة الناس منذ الصغر تحت ذريعة تنمية الشعور القومي والوطني لدى الناشئة حيث يلقنونهم أفكاراً متطرفة توهمهم أنهم خير أمة على وجه الأرض وأنهم من تبر وما سواهم من تراب , والنتيجة هي وقوع الأجيال في فخ العنصرية العمياء والكراهية المقيتة .
ولعل خير مثال يمكن أن أورده هنا هو هذا الموقف الذي جرى لي منذ أيام قلائل وهو الذي جعلني أكتب هذه الأسطر :
مطعم تركي قريب من بيتي اعتدت على التعامل معه كزبون دائم منذ أكثر من سنة , يديره ثلاثة شبان لم يبلغوا العشرين بعد , وهم من سكان ولاية هتاي أو ما يعرف سورياً بلواء اسكندرون , ولعل هذا هو السبب في تقربي منهم وتوددي إليهم وتقديمي بعض الخدمات الطبية لهم مجانا , انطلاقا من شعور وطني سوري , إذ لا يخفى على أحد أننا كسوريين تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن لواء اسكندرون أرض سورية مغتصبة أُلحِقت عنوة بتركيا في عام 1939 دون إرادة أهلها . إلّا أن هؤلاء الفتيان سرعان ما انفضوا عني حين علموا أنني مجرم , علموا ذلك من خلال حديثي أمامهم بالكردية إلى أحد الأصدقاء إذ فجأة اكفهرت وجوههم وبانت عليها علامات القلق والخوف وباتوا يتجنبونني وكأنني أحمل مرضاً خطيراً معدياً .
الكردية , إذاً , جريمة في نظر هؤلاء , وكونك كردياً فأنت مجرم يجب أخذ الحذر والحيطة منك لأنك خطير لا تعرف غير القتل , وأنت متمرد انفصالي تقاتل في سبيل شرخ الأرض التي خلقها الله للترك وحدهم دون سواهم .
هذا ما دأبت الآلة الإعلامية التركية على تلقينهم منذ طفولتهم مما جعلهم يكنون لي العداء لمجرد علمهم بانتمائي الكردي .
لم ألمهم في شيء , رغم شعوري بالأسف عليهم , فليس من أحد يخلق عنصرياً , والعنصرية صفة غير محمولة على المورثات يمكن أن تنتقل من الأبوين إلى الأبناء وإنما هي مكتسبة يتعلمها الفرد من محيطه من خلال التربية والتعليم ووسائل الإعلام بصورة رئيسة .
بث سموم الحقد والكراهية في رؤوس هؤلاء الفتيان , العرب عرقاً والعلويين مذهباً , منذ الطفولة هو المسؤول عن تصرفهم الأرعن تجاهي . وهو المسؤول عن إقدام الجندي التركي على الدوس على جثث المقاتلين الكرد ليلتقط لنفسه صورا تذكارية يتباهى بها أمام ذويه وأصدقائه , بعد الانتهاء من الخدمة العسكرية , على أنه صنديد قاهر لأعدائه ! يقوم بفعله هذا بدم بارد ووحشية قل نظيرها , حتى القبائل البدائية لا تفعلها , ومعروف أن العرف القبلي الذي ينعت دائماً بالمتخلف يقضي أن العدو إذا سقط أرضاً لا يجوز المس به حياً كان أم ميتاً , والاعتداء عليه وهو مطروح ليس من شيم الرجال الشجعان المحترمين بل هو من صفات الأنذال والجبناء , إلا أن هذا العرف يبدو غير موجود في ضمير العسكر التركي وسياسييه لأنهم من إنتاج مطابخ أتاتورك العنصرية .
لو كنت في موقف مفاوض كردي مع الحكومات المضطهدة للكرد لطلبت منها شيئاً واحدا :
أن ارسموا في أذهان أولادكم صورتي جميلة غير مشوشة .
لعمري أن هذا هو مفتاح كل الحلول والحقوق .
فما قيمة دستور يعترف بي ولكنه يقبع على الرف ويتراكم عليه الغبار ؟
أو ما قيمة دستور يشمل حقوقي ولكن تسهرعلى تطبيقه عقول مريضة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي لك
رستم علو ( 2010 / 6 / 28 - 14:01 )
هذا حال الكورد مع الاغلبية العربية والاسلامية مع الاسف . والحق على الحكام والاعلام والنخب التابعة والمستقلة . فهم لا يقبلون الآخر ليس كورديا فقط انما بشكل عام . وذلك سببه الفكر الفاشي والنازي لاغلبية العرب وكل المسلمين . والقافلة تسير رغما عنهم .


2 - أقــوام و عـتـمـة
عبد الجبار الـيـائــس ( 2010 / 6 / 28 - 16:44 )
هكذا كان.. وهكذا سيكون!!!...
هكذا كان من مئات السنين وأكثر.. وهكذا سيكون ـ مع الأسف المرير ـ للسنوات العديدة القادمة. لأن مجتمعاتنا الشرقية أو الإسلامية وحتى العربية قائمة على التمييز الطائفي والعرقي.. وليس على مبدأ المواطنة والتعايش المشترك. تمييز عرقي وكراهية وحذر طائفي, يتحجر يوما عن يوم. وتعصب أعمى يغرق البلد في عتمة الجهل والجهالة. مثل الحجاب الكامل الأسود الذي يغلف نساءنا أكثر وأكثر.. كأننا بلد لا يسكنه سوى الغربان...الناس تمشي في شوارعنا عابسة. فلا ابتسامة امرأة ولا ضحكة طفل. أصبحنا أشباحا متحركة بلا روح.. بلا حــب.. بلا جـمـال.. عتمة وحذر.. وفكرنا أشجار جافة محروقة يابسة.. لا تصلح سوى لـلـحـرق!!!..


3 - شــــربعة حقوق الانســـــان
كنعان شماس ايرميا ( 2010 / 6 / 28 - 20:48 )
تحية للاستاذ كيكاني لو ارغمت الدول التي تتناســل وتتفرخ العنصريــة في برامجها التربويــة ارغمت على تدريس شريعة حقوق الانسان في مدارسها الابتدائية من المحتمل ان تغسل روح ابنائها من شرطانات العنصرية والاستعلاء على الاخرين ... انظر الى امريكا انها تضم كل امم واجناس واديان الارض وهي الامبراطورية الاقوي في كل تاريخ البشر


4 - thanks
huda a ( 2010 / 6 / 30 - 00:12 )
thanks

اخر الافلام

.. سيارة تقتحم حشدًا من محتجين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة أمري


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. سيناتور أمريكي يعلق على احتجاجات جا




.. الولايات المتحدة.. التحركات الطلابية | #الظهيرة


.. قصف مدفعي إسرائيلي على منطقة جبل بلاط عند أطراف بلدة رامية ج




.. مصدر مصري: القاهرة تصل لصيغة توافقية حول الكثير من نقاط الخل