الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن بعض أمنيات التكوين الروحي لمباراة كأس العالم ..

جاسم المطير

2010 / 6 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



أريد أن أقول ، أولا ، أن مباراة كأس العالم 2010 المقامة في جنوب إفريقيا ، في هذه الأيام ، ممتعة جدا وقد تميزت عن سابقاتها بكونها قد اكتسبت شكلا جديدا ومعمارا جديدا في تكتيك غالبية الفرق المتسابقة . كنا ، نحن المشاهدين ، نرى حركة الكرة كأنها حركة شكل ومعمار واجتهادات اجتماعية لاستيعاب الفعل الكروي المتجدد . بالتالي فأن هذين العنصرين (الشكل والمعمار) قد أسسا لبناء ٍ تحتي ٍ جديد ٍ في مباراة كرة القدم ستزيد من متعة المليارات من الناس على مدى المستقبل.
من خلال لعبة كرة القدم أثيرت قضية مهمة في ذاكرتي . ربما تدور القضية ذاتها في ذاكرة البشرية ، كلها ، عن حركة التاريخ في بلدين متجاورين ، هما في الأصل بلد واحد ، قسمته الأيديولوجيات المتنازعة والحروب المتصارعة . كما لعبت السياسة الإستراتيجية للدول الاستعمارية الكبرى دورها في تقسيم الدولة الكورية إلى شمالية وجنوبية أثرت على جميع المشاهدين من أنصار الفريقين بأفكار وانفعالات مقننة أحسست فيها ، شخصيا ، أن مشاهدتي لفريقين كوريين وليس لفريق واحد قدم لي إحساسا خال ٍ من المعنى والحياة والتفاعل . كنت أفضل أن اسمع مذيع التلفزيون متحدثا عن (الفريق الكوري) وليس عن الشمالي (نورث كوريا) والجنوبي (ساوث كوريا).
منذ الحرب الكورية عام 1950 سيطر عليّ حب جمهورية كوريا الشمالية مثلما سيطر عليّ ، بذات الوقت ، كره دولة كوريا الجنوبية حين انطلقت في البصرة مظاهرة شاركتُ فيها تحت شعار: ( يا أحرار العالم أوقفوا الحرب الكورية ) .
حب الدولة الأولى ( كوريا الشمالية ) نشأ عندي وفقا لطريقة (الحب الأعمى) بسبب حبي للشيوعية وانتمائي إليها في حين كان كرهي للثانية ( كوريا الجنوبية ) ناتجا عن الظاهرة الاستعمارية وعن حقدي الشديد على الاستعمار والامبريالية اللذين ألحقا دولة كوريا الجنوبية بمعسكرهما ومصالحهما .
مر وقت طويل منذ أول قراءة لي ، ساذجة ، عن الواقع الكوري في حركة التاريخ ، حتى صرت الآن خجولا من بعض المواقف من ذلك التاريخ وأمثاله في بلدان أخرى انقسمت على نفسها أو قسمتها القوى السياسية الدولية نتيجة الحرب العالمية الثانية مثل ألمانيا الديمقراطية الشرقية وألمانيا الاتحادية الغربية ، اللتين عادتا لتشكيل فريق رياضي واحد بعد سقوط جدار برلين وعودة الوحدة الألمانية . لكن الجدار الفاصل بين كوريا الشمالية (الاشتراكية) وكوريا الجنوبية (الرأسمالية) ظل ، حتى اليوم ، غير قادر على مجابهة تجارب الحياة الرياضية ومباريات كأس العالم بفريق واحد ، مما جعل الفريقين ( الشمالي والجنوبي ) غير مؤهلين للفوز . صحيح أن المباريات أثبتت أن لكل فريق ديناميكيته الخاصة من خلال قدرته التدريبية في تحطيم كل سياقات بطولة كأس العالم صعودا إلى جنوب أفريقيا 2010 لكن واقع الصراع في ساحات جنوب القارة السوداء علمتنا نحن المشاهدين حقيقة لو كان الكوريون قد دخلوا السباقات بفريق كوري واحد ربما تغير سياق النتائج ، التي فرضت نفسها على الفريقين بالخروج مبكرين من ساحة المنافسة رغم أن النموذجين من الخسارة كانا مختلفين في الشمالية عنه في كوريا الجنوبية .
من يدري ربما أن أقدار أعضاء الفريقين بوجودهم في بلدين أثنين منفصلين عن واحد لا توقظ فيهما الرغبة في تحطيم تلك الأقدار التي جعلت الوضع على حدودهما المشتركة متوترا بالأسلاك الشائكة وبالتصريحات نصف الحربية وبأسلحة الجنود المتأهبين ، ليلا ونهارا ، لإطلاق النار على الخيبة التي جعلت من الأراضي الكورية الواحدة بلدين متنازعين بالسلاح وليس متنازعين بكرة القدم . كما أنهما على خلاف شديد بكل أنماط الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حين صارت أحلام الشعب الواحد ومثله ومطامحه مختلفة تماما بالأساليب والنتائج .
مساحة كوريا الشمالية حوالي 120 ألف كيلومتر مربع يسكنها 24 مليون نسمة يحكمها (رئيس وراثي) حكم البلاد بعد رحيل أبيه كيم ايل سونج مؤسس كوريا الاشتراكية الحالمة بإقامة الجنة على الأرض الكورية عبر سيطرة حزب واحد ورأي واحد وجريدة واحدة وبرامج تلفزيونية واحدة ونظام انترنت واحد وأساس أخلاقي وروحي واحد . بينما مساحة كوريا الجنوبية اصغر قليلا من الشمالية حيث مساحتها حوالي 100 ألف كيلومترا مربعا ، لكن عدد سكانها حوالي 50 مليونا ، يتناوب على حكمهم مجموعة من الأحزاب المتنافسة انتخابيا كل أربعة أعوام . كل حزب يقول ويدعي انه يريد إشاعة الحياة الديمقراطية بالبلاد مثل نموذج الحياة الديمقراطية الغربية خاصة الأمريكية ، حيث نرى الكوري الجنوبي يتجول في شوارع بلاده ماسكا بيده الموبايل وجهاز الكومبيوتر المحمول على كتفه ليطلع على بعض الأرقام المنشورة عن واقع الحال في الكوريتين إذ تقول نشرات الإحصاء العالمية أن الكوريين الشماليين حققوا في العام الماضي ناتجا قوميا بحوالي 29 مليار دولار أي أن دخل الفرد هو 1244 بينما حقق الجنوبيون ناتجا قدره 832 مليار دولار أي بمتوسط أكثر من 17 ألف دولار سنويا للفرد الواحد ..
ترى ما هو المستوى من القوة سيحققه الشعب الكوري في الساحتين الرياضية والاقتصادية إذا ما توحد الشمال والجنوب في جمهورية (فيدرالية) على الأقل ..؟ السياسيون في الجزأين يخشون (الوحدة الكورية) لكنني واثق أن الرياضيين الكوريين لا يخشون ذلك ، بل أنهم يتمنون دخول مباراة كأس العالم 2014 بفريق كوري واحد ..!
أنها أمنية أكثرية أبناء الشعب الكوري أن يتداخل السياقان الكوريان معا في المستقبل ، أي سياق نشوء الدولة الكونفدرالية الواحدة والفريق الرياضي الكونفدرالي الواحد حيث تعود الطاقة الكورية الواحدة ، العقلية والبدنية ، قادرة ، حتما ، على تحقيق كل لحظة من لحظات الانتصار الرياضي والاقتصادي اعتمادا على الدلالات اللانهائية للوحدة الكورية الوطنية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 28 – 6 – 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - غريبه
منذر ( 2010 / 6 / 28 - 13:18 )
تحيه طيبه استاذ جاسم,يبدو ان مشاكل العراق قد حلت لكى تكتب اليوم عن الكوريتيين.


2 - تجارب
nedaa Aljewari ( 2010 / 6 / 28 - 19:39 )
تحية للأستاذ الكاتب وللسيد المعلق انها تجارب الشعوب في زمن الصراعات الدولية والهيمنة الأستعمارية الجديدة وتغيير الأيدلوجيات وما نحن فيه أحدها


3 - عجيبة غريبة
محمد الرديني ( 2010 / 6 / 29 - 09:29 )
رضا الناس غاية لاتدرك .. انها فعلا معضلة المعضلات

اخر الافلام

.. أوراق الجوافة..كيف تحضر مشروبًا مثاليًا لمحاربة السعال والته


.. دراسة: مكملات الميلاتونين قد تمنع الإصابة بحالة الضمور البقع




.. في اليوم الـ275.. مقتل 20 فلسطينيا بغارات على غزة| #الظهيرة


.. ترقب داخل فرنسا.. انطلاق الجولة الثانية للانتخابات التشريعية




.. اقتراح التهدئة.. تنازلات من حركة حماس وضغوط على بنيامين نتني