الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسودة اعترافات على صدر ابنة توسيوس

عبدالحق فيكري الكوش

2010 / 6 / 28
الادب والفن


ابنة توسيوس
المساء والبحر الصاخب في زفيره وشهيقه الحاد، والموج الهادر في أغنيته الكلاسيكية الأبدية، وعلى الطاولة نفسها، حيث لوح لنا الحب وهو يتعلق برقبة القمر، أرتشف الليل كوبا باردا من الترقب والترصد و لإنتظار..، وتشايكوفسكي يحاصر المقهى و البحر و السماء رفقة كثيبة من البجع ، و شعب النوارس وحده في سماء تتلألأ نجومها، وبعض الأرق يسقط كالثلج في في شكل اعترافات باردة تستفزني، وسأعترف ياابنة توسيوس، لابد من الاعتراف ولو انه اعتراف مثل المطر المتأخر:
أحبك جدا، أول اعتراف أهزم به جمهورية ضعفي، وأول كلمة تغادر حلقي بنعومة، مثلك أيتها الناعمة ابنة توسيوس، أيتها المخلوقة من زبد البحر ومن ماء الآلهة، أنت يا سيدة النساء ويا ملكة الشمس، أنت يا سيدة البحار ويا طفلة الماء، أنت يا زورقي الملتهب ويا ميناء سلامي وحمولة مشاعري وصدقي، تستحقين أيتها الفرنسية المطرزة بفلسفة الأنوار، تستحقين يا سليلة أسرة الشمس والقمر، مختلفة أنت وجدا، مختلفة ومختلفة...
تحضرني أبيات الآن أحتفي بك من خلالها وأحتفي بعودتي اليك، أبيات هي لمارد اسباني بنكهة القهوة والشعر والقرنفل، وبطعم العسل ولون الشمس والحب والغضب ومعتق بالعطر والثورة، شاعر يستوطنني وأدمنه، مارد روض - بمهارة وحذق - الشعر الهائج، في حدائق الاندلس، وفي سماء قرطبة و بلنسية، وفي سماء اسبانيا "المراهقة المشاكسة"، هو ذاك الشاعر الذي أطعم الثوار والأحرار ويعرفه كل الأحرار رغيف الخلد، أحتفي بك من خلالها، بأن نتناول هذا المساء طبقا أندلسيا من تلك القطعة الضائعة، حيث تفرق دم عائلتي، طبق من اعداد الذوق لوركا سيد الشعر وسيد مملكة الشعراء، الطفل الذي هبط من ضلع فوبيوس، الطفل ذو المشاعر المجنحة والملتهبة، نتناوله بدون الحاجة الى شوكة صينية، بل نكتفي باطعام قلبينا لغة العصافير والسلام ولغة العشب والتمرد ، من مسودات لوركا الذي قرأت له، فكان أن أمسكت بزهرة الأرض فسحرتها في شكل خاتم "فرحة" كان أن أهديتك إياها في ليلة عرس كانت موؤودة..
آسف سيدتي، خانني الحظ العاثر في أن أرافقك على متن العربة الذهبية، لكني سأهديك شيئا مختلفا أعوضك به عن هذا الحظ ، لكني لا أعرف طبيعة الهدية..
كم أنت وحيدة في بيتك،
بثيابك البيضاء تسمعين نوافير الماء الرائعة ...
في فناء دارك والتغاريد الصفراء الواهنة
للكناري
في المساء ترينها تتمايل،
شجرات السرو مع العصافير
بينما تطرزين على مهل ،
حروفاً على النسيج...
كم أنتِ وحيدة
في بيتك بثيابك البيضاء
وما اصعب أن أقول لك : أحبك ....
هذ أول اعتراف، أيتها السيدة الفرنسية المطرزة بالفرح، أيتها السيدة النبيلة، يا سليلة أسرة الشمس والقمر و الذهب، أحبك جدا، لكني كما قال نزار قباني أنا جد متعب بعروبتي، ومتعب بطائفيتي، ومتعب بإنسانيتي، لقد أكملت مهمتي الشاقة، مهمتي الصغيرة، قد ذهبت أتفقد الشجرة حيث أغمض جدي عينيه، وحيث خبأ لي وصيته في صندوق حديدي، ونجحت في العثور على الوصية الضائعة، نجحت في مهمة المقاتل الصغير أن أطرد بعض الثعابين والحيات من حول تلك الشجرة، تعرفين اني مراكشي جدا، وأتقن ترويض الأفاعي، وها أنذا قررت العودة الى عشك والى صدرك، ومهما كبرت أبق الطفل الصغير في شكل حبات رمان وأريج برتقال، فشكرا على تفهمك وعلى المساحات البيضاء التي منحتني، شكرا على الهدية المميزة ونوعها، شكرا لأنك منحتني كل الزمن لأروض خيلي الجنوح، ولأن أكون العصفور والوردة والشمس والقمر وقارورة العطر وكتب الثورة وكل مسودات العشق..، وأن أكون أنا الإنسان..
شكرا للوفاء و الأريحية و النبل، وشكرا لأنك تحملت هاته الكمية الكبيرة من جنوني وحماقاتي ...
انتهيت سيدتي من القضية الصغيرة وحان وقت القضية الكبيرة، رغم أني لا أعرف نوع هاته القضية، نحن مقاتلون كالمعتاد ومقتولون كالمعتاد، نتأبط ملفات جميلة وملفات شائكة، ونسافر ضمن سفينة من المقاتلين الأشاوس، مسافرون الى الشمس كالمعتاد، فوطننا هو الشمس وجواز سفرنا مختوم من وزيره وحاجبها القمر، نحن أبناء الحرية، وأطفالها الشرعيون، لأننا نحن رجال الشمس، مقاتلون في نفس المدينة ومن أجل هاته المدينة، بأحلامنا الكبيرة والعظيمة، مدينة الوفاء التي تحرس أسوارها أرواح أجدادي العظام، ومقتولون، سواء قدم الموت الينا أم قدمنا عليه، وقاتلنا واحد يا سيدتي منذ أن هبط آدم الى هذا الكوكب مغضوبا عليه، هو ذاك الموت....
لكن نحن لا نخش الموت!!!
البندقية أكفنا والحمامات قلوبنا، هكذا نحن، لا نستريح الا لنقاتل، وأعدائنا شتى، النفس والمتربصون وقطاع الطرق و الأمل و قطاع التاريخ والحضارات، و تلك السحليات التي تحفر بيوتها وتتخندق في تربة الصبار الشوكي حيث يختبأ الخوف...
السحليات اليوم تستوطن جماجمنا وقلوبنا وعيوننا وأفكارنا..
لكن السحليات ليس قضيتي...
تعرفين يا سيدتي،يا ابنة توسيوس
تعرفين الكثير عني، تعرفين حجم النبل و كمية القلق في دمي، تعرفين أني لم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب، بل ولدت كبقية المغاربة وسط كوانين الألم، والاختلاف الوحيد أن لحظة الولادة اختفى الليل أسبوعا كاملا، نحن هكذا كثيبة من العمالقة، نولد مختلفين ونكبر مختلفين ..
لا تفهمي أني طائفي الهوى والتفكير، ولكني والحالة هاته، طائفي في عشق وطني وأمتي، وهم هكذا الكوشيون كما عهدتهم يرابطون فوق الأسوار والمعالي وطائفيون في الحب وطائفيون في العشق وطائفيون في الجد، هؤلاء أجدادنا و لن نرضى مطلقا، أن يكون عرقنا من غير عرق هاته السلالة "الحب" و"الوفاء"، وأنا وفي لهؤلاء الأسلاف العظام، وفي لهم وجدا: في أن أتبرع بكميات من الحب، وكميات من الوفاء وكميات من الشجاعة والجرأة والإباء وفي أن أرابط مثلهم حول أسوار الحق، أنا من تلك السلالات العظيمة التي تزحف نحو واحات الشرف وواحات الكبرياء، من تلك السلالة التي روضت التاريخ بأن تبرعت بدمها لبيروت و الجزائر ومراكش، من أجل الحب ومن أجل أن يسود اللون الأخضر، لون الإسلام، مساحات شاسعة من حقول هذا الكوكب، أنا من سلالة هؤلاء المرابطين الذي كانوا و يجب أن يظلوا مرابطين بقلوبهم وعقولهم في حراسة مملكة الحرية ومدينة الحق الفاضلة....
أنا من هؤلاء العمالقة، الذي يستوطنون في مدن الوفاء، و لعل الوفاء تجسد أني لم أعثر على قبر جدي منذ 400 عام ومايزيد..
أنا من هؤلاء الماردين المميزين، الذي رفضوا مصاهرة الملوك، وقنعوا بخدمة ملك الملوك، انا من هؤلاء الذي يولدون و لأجلهم يختفي الليل تبجيلا لهم، من تلك الكثيبة من جنود الحق و حرس الرباط وسدنة الوفاء...
أنا من فصيلة هؤلاء الفرسان المجنحين، الذي يأتون من خلف الأنواء البعيدة ومن خلف السحب المتوهجة، والذين يهبطون في شكل أسراب من المقاتلين الشجعان.
أعرف يا ابنة توسيوس أني بهذا ألمع و أبرر شرعية تصرف أسلافي وأجدادي، لكن نحن مميزون حتى في استغلالنا للنفوذ، فنتعمد الى تشغيل أحبتنا وتوظيفهم وتفويت الصفقات إليهم، نعم سيدتي، لن تجدي أحدا يشغل أبناء عمومتي وخؤولتي، الحق والحرية والإنسانية والحب والشرف والكبرياء المغربي..، غير هؤلاء الأجداد في الماضي والمستقبل و في كل الزمن الخالد...
تريدين الأدلة، أنا وكل هؤلاء الأجداد نفتش عن قبر شجرة العائلة سيدي عبد الله الكوش، لقد قتلوه لأنه كان يملك أسلحة دمار شامل سبحة وأورادا، وكان يطعم ثلاثة آلاف فقير ويعلمهم القرآن ومقارعة البرتغاليين المحتلين... لذا لن تجدي لنا ذكرا في المقررات المدرسية، و ستجدين حكاية جحا والأبله، وحكايات رسمية بربطة عنق وبدلات مأموري الشرطة...
نحن يا ابنة توسيوس نهبط في شكل أزهار وأشجار وفاكهة و في شكل سبحة وأوراد، وعلى متن خيول مذهبة ومروضة ومدربة لها حوافر مطرزة بالشرف، نهبط عمالقة وماردين، فيفسح لنا درك السماء وشرطته من كواكب وأفلاك الطريق نحو الأرض وتؤدي لنا النجوم التحية الرسمية، وتنحني تبجيلا لنا كل الأقمار والشموس. نغادر الجنة في ثياب شفافة ومحملين باليقظة، لأننا نؤمن بأن لنا رسالة في هاته الأرض، أن نحمل السماء على أكتافنا، ولسنا من تلك السلالات الهجينة من الأقزام التي تسوس الناس بعيوبها فتفضحهم.
أعرف أن التاريخ خبأ لنا من الألم أكثر مما خبأ لنا من الفرح، خبأ لنا السكين والطعنة الغادرة، لكننا سنستبسل في الوفاء لعرقنا " الحب والوفاء"...
لكني عدت اليك بدون هؤلاء، لأني وفي و أحتاجك وجدا...
اعذريني سيدتي هذا هو الاعتراف الأول و بقية الاعترافات قادمة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا