الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الكونية والخصوصية ....هي فوضى ؟؟

عبد الاله بسكمار

2010 / 6 / 28
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


العولمة الجارفة تصرف في ثناياها الغث والسمين... تجرف القض و القضيض...لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة فترتنا التاريخية هذه ، التي نعيش أطوارها الغريبة بأي فترة سابقة عرفتها البشرية منذ اختراع الكتابة في بلاد ما بين النهرين ...البشرية التي تجاوزت الآن الحقبة الصناعية إلى حقبة المعلوميات، المعروفة بتخطيها للحدود وعبورها للقارات بشكل لم يسبق له مثيل...ويتم الأمر بكل أسف في ظل اختلال فظيع على صعيد موازين القوى وتوزيع الثروات بين المجتمعات والدول والشعوب التي تتحكم في ميكانيزمات هذه العولمة والأخرى ( وهي أكثر دول ما كان يسمى بالعالم الثالث مع الدول العربية ومجمل الدول الإسلامية فضلا عن كل شعوب القارة الافريقة) من هنا نفهم تخبط الحكومات وأصحاب الشأن إزاء التدفق الهائل للمعلومات... بين إمكانية المنع الكلي ( وهو أمر صعب تقنيا في كل الأحوال) أو التعامل المرن ( منطق جبر الخواطر وتوقي أسباب القلق والتوتر) أو ترك الحبل على الغارب تحت يافطة حرية الرأي والتعبير والحق في الاختلاف ..تبلبلت النفوس ما بين أمركة صريحة وعولمة تحمل من المزايا التقنية والتواصلية الشيء الكثير ...ولا بد أن يمر وقت قصير أو ممتد حتى يتم نوع من الفرز الفكري والثقافي والسياسي أيضا ...وهو قد بدا بالفعل في دول الشمال الغني، بين قوى السوق والعولمة المتوحشة من جهة وقوى المجتمع المدني المضادة للعولمة من جهة ثانية ( التظاهرات المعادية لمنتديات مجموعة الثمانية ، تجمعات الدفاع عن البيئة ، تظاهرات الدفاع عن السلام ونبذ الحروب والنزاعات.... تزايد حدة المطالب الاجتماعية ) دون إغفال الحديث عن التعبيرات العنصرية والفاشية المتطرفة التي أفرزتها ظاهرة العولمة بتجاذب مع المشاكل المحلية والأزمات الاقتصادية ( ارتفاع أسهم أحزاب اليمين المتطرف في أغلب أنحاء أوربا )..عبرهذا الوضع الملتبس ، تخضع خصوصيات وثقافات الشعوب التي كانت مستعمرة سابقا لامتحان قاس مرير، يطرح سؤالا عريضا حول مصيرها في الأفق المنظور..، في ظل الزحف السريع والاكتساح المتواصل للعولمة الثقافية بشكل يبدو معه الأمر وكأنه قدر مقدور أوقضاء محتوم لا مفر منه...وتتراوح ردود الفعل بين رفض بئيس( يبطن رأسمالا ثقافيا ورمزيا ضعيفا لا يستطيع المقاومة طويلا أمام إغراءات العولمة وأفقها الاستهلاكي الجارف) وبين إقبال نهم ، غريزي أحيانا، قد يصل إلى مستوى إلغاء الفكر والنقد وحس التمييزجميعا..وتتكامل .بذلك سمات الإنسان ذي البعد الواحد بتعبير الفيلسوف الأمريكي هربرت ماركيوز ...حيث تفلح العولمة في تنميط البشر ( ذي الرأسمال الرمزي الضعيف كما سبق الذكر)عبر ردود أفعال متوقعة ، إن لم نقل مبرمجة مسبقا لدى الشركات والمؤسسات الكبرى : البطلة الجديدة المتوجة من قبل المرحلة و المتحكمة في المجالات المعلوماتية والاتصالاتية من شبكة عنكبوتية وفضائيات وهواتف ثابثة ومحمولة وأقمار اصطناعية ...ومن أبرز ردود الأفعال تلك : تبخيس الذات واستبطان الهزيمة الداخلية للإنسان ( وهي أخطر أنواع الهزائم) باعتبار تفوق الآخر على جميع الأصعدة وكونه بتحكم في قوى جبارة ، لا قبل له بها ، لغات الجنوب مثلا ( ومن أبرزها اللغة العربية ) وثقافاته في كل أبعادها العالمة والشعبية تواجه قدرا رهيبا في ظل كل هذه الشروط...لا تكتفي العولمة بذلك بل يذهب المسلسل في اتجاه ما أصبح ينعت بالمجالات الجديدة ( ونحن هنا نلاحظ الظواهر ولا نستعجل أحكام القيمة ) من بينها على سبيل المثال لا الحصر بروز قضايا الأقليات الدينية ( نقصد تلك التي بدأت تعلن عن نفسها في المجتمعات العربية التي تدين أغلبية سكانتها بالإسلام كالأقلية المسيحية في شمال إفريقيا والشيعة وطائفة البهائيين فضلا عن الفئات الملحدة جهارا ...فهل ودعنا نهائيا منطق الإجماع ونسبة 99،99% ؟ سؤال موضوعي أصبح يفرض نفسه) والأقليات الجنسية ( مسألة المثليين والمتحولين : الإناث منهم والرجال التي بدأت هي الأخرى في الإعلان عن نفسها هنا وهناك رغم ردود الأفعال المتشنجة في الطرف المقابل) باختصار فان كثيرا من القضايا والمفاهيم والأفكار التي كانت تعد إلى عهد قريب من باب الطابوهات أو المحرمات ، أصبحت الآن تطرح جهارا صراحا وفي واضحة النهار ، وليس بعيدا أن يصبح جلها أو أكثرها مسألة طبيعية وعادية في السنوات المقبلة ، إما أن تندغم مع الإطار العام للمجتمع ككل ، أو تقع تحت يافطة حرية التعبيروالاعتقاد والحريات الفردية ومسألة التعامل مع الجسد التي أصبحت بدورها مقياسا للتنمية البشرية بل عنصرا للابتزاز السياسي أحيانا ...هذا فضلا عن العودة القوية للمكبوت الطائفي والاثني والعرقي والقومي ...وربما كانت الأصولية الدينية ذاتها إفرازا موضوعيا للعولمة المتوحشة.. تبدو في مظهر "البديل" لتلك العولمة عبر تطرفها في التعاطي مع البعد الديني ، لكنها في حقيقة الأمر نتيجة مباشرة لعولمة الاقتصاد والثقافة والمؤسسات ( ليس بدعا أن يرتع التنظيم العالمي لاحظوا نعت "العالمي" للإخوان المسلمين عبر مؤسساته وتنظيماته المعولمة هي الأخرى في طول وعرض العالمين العربي والإسلامي جارفا هوالاخر الكثير من الخصوصيات والتمثلات المحلية عن الإسلام والمسلمين ) هذا لا يعني في تقديري الشخصي ضمور أو انهيار البعد الإنساني بقيمه واقانيمه المعلومة كالعدالة الاجتماعية والتحرروالمساواة المتجمعة حول اليسار بشكل عام وقوى المجتمع المدني الجديدة بشكل خاص ...بالعكس استطاعت هذه القوى الديمقراطية في أغلبها خلق دينامية عالمية لم يسبق لها مثيل ، وان لم تتضح معالمها الفكرية والأخلاقية والقيمية بعد ، بسبب تركيزها على النشاط الميداني والعمل الإجرائي على أرض الواقع ..ولا بد أن تنعكس هذه الحركة على شعوب الهامش إن عاجلا أو آجلا ... الحاصل الفعلي في الواقع الحالي أن خصوصيات الشعوب تهتز فعلا أمام مشروع كوني لم تتضح معالمه بعد ، الشيء الذي يؤكد مرة أخرى فرضية الفوضى العالمية إلى إشعار آخر أما مصير الخصوصيات فالحديث فيه ذو شجون ولعلنا نتحاور فيه مع القراء والمبحرين في مقال قادم على صفحات الويب بمجلة الحوار المتمدن الرائعة ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام