الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسودة اعترافات على صدر ابنة توسيوس-2-

عبدالحق فيكري الكوش

2010 / 6 / 28
الادب والفن


ابنة توسيوس
على الطاولة نفسها، حيث لوح لنا الحب من بين سحب الأنواء البعيدة وهو يتعلق برقبة القمركوليد حديث العهد بأمه، أرتشف نفس الليل ، أقداح باردة من الترقب والترصد والانتظار، وكأن لا شيء تغير، لا المسرحية "سابفو" سيدة الشعر المزدانة بأكاليل الغار، ولا المسرحي فرانس جريلبارتسر بأحاسيسه الإنسانية...
ابنة توسيوس، هكذا ناديتك ونحن نختلس بعض الشغب من ضجيج حديثنا عن حوار الحضارات ونحتسي رائحة البحر الباردة رفقة فاكهة الاعتراف:
العرض مسترسل وممتع والممثلون في عرض باليه راقص للترحيب بالجمهور، المساء بعبائته يتثائب ويتعمد الاستيطان في عيون جميلات فيينا، النص حيث التقينا وحيث اختلفنا، والصخرة التي رمت من خلالها البطلة سابفو نفسها الى البحر هي الصخرة نفسها حيث ارتمت قصة وداعنا وتهشمت أضلعها، يقول فاون وهو يوجه الخطاب الى سيدة أكاليل الغار:
كنت أحلم منذ قليل عندما كنت نائما
حلما غريبا وعجيبا
وجدت نفسي منقولا الى الأوليمب
تماما مثل سابق الزمان عندما رأيتك
هناك لأول مرة في السباق البهيج
كنت أقف وسط الشعب الفرح الصاخب
ومن حوله العربة وتدافع الصراع
فإذا بصدح عزف أوتار و صمت على شيء
فقد كنت أنت تغنين بمباهج الحب الذهبي
و أصابني التأثر في أغوار أعماقي
فاندفعت إليك، تذكري آنذاك
أعرف انك تذكرين، مثلما أنا أذكر المساء بتفاصيله، مسرحية "سابفو" والمساء الذي امتلأت وجنيته بالخجل، حيث شفتيك الغجريتين أشبه بالمعبد الإغريقي، تعجان بالورع والتقوى، فتتعمدان صب أقداح من القبل الحبيبة على طاولتي خدي..
شفتين داعبتهما يديك الناعمتين ، ودبغتهما -بمهارة أكروباتية- أحمر شفاه ناعم ارجواني أقرب الى لون محاربي الشاولين...
لا زلت أذكر المساء والبحر الصاخب في زفيره وشهيقه الحاد، والموج الهادر في أغنيته الكلاسيكية الأبدية، والفرحة طليقة في عينيك ، وحيث تلألأت نجوم السماء، وكأنهن عارضات أزياء، تتأبطن المباهج والزينة والمجد، وتتربعن في قيلولة شاي قرب الأمير القمر، ترعين العشاق وترعين الجبال، وفي حديث ذي شجون يلكنه هواجس غيرة وحسد وأنت كعروس مميزة، تداعب خصلتي شعرك الذهبية ريح صبا ..
كنت ترتدين- يا ابنة توسيوس- رداء قرمزيا، وعلى كتفيك شال منمق وملطخ بالفرح في شكل دوائر لامعة، وتحت ذراعيك حقيبة صغيرة، تختلف كثيرا محتوياتها، لا أحمر شفاه ولا مراهم ولا مسدسات، ولكن مسرحية سابفو لهذا الكاتب النمساوي جريلبارتسر !!
وكنت أرتدي أنا بعض الحزن وأضع ربطة عنق حريرية غامقة منسوجة من القلق والأرق..
كانت أحاسيسي مضطربة وكنت أتأملك بفرح، وأنت قربي كشجيرة الود والبراءة تعبقين، وكان أول سؤال تمتحنيني من خلاله، و أنت فرنسية مختلفة ومميزة جدا، عن تاريخ عيد ميلادي، لم تسأليني أسئلة متعبة جاهزة، أ موظف حكومي أنا أم بائع كبريت؟ لم تسأليني تلك الأسئلة العربية التي تشبه سلاسل العبيد، التي تطوقني بها عجائز عربيات ألتقيهن مهرولات في المساء محملات بالاضطراب وفي حلقهن شوك وحشرجة، نساء كالقيثارات المحطمة، و كالفطائر والأرغفة الممزوجة بالثوم ، وما ألمز الى إهانة نسوة أشترك وإياهن متعة السفر في قطار ذاهب نحو اتجاه معاكس، تعرفيني نبيل وللنسوة العربيات فضل علي، ومن قابلتهن في الواقع من هؤلاء النسوة كان في عدد أصابع اليد، ونسوتنا العربيات جد نبيلات وكريمات، وإن كن قد رقدن في محلول تصبين الزيف، وسممت مشاعرهن الجميلة، ذكورة مزيفة، هن تبقين رائعات ومميزات..
وقلت لك ولدت قريبا من العيد، فابتسمت –يا ابنة توسيوس- ابتسامة ممزوجة ببعض الطفولة التي سكبتها عينيك في كوب القهوة، يا لحسن حظك يا رجل العيد: هكذا وجهت إلي الخطاب !!!
قلت لك إن الأعياد عندنا مشوشة وخائفة، وأنه حيث أعيادنا فثمة هو العنف الحبيب !!!
وفي يوم ولدت فيه مثلما ولد العيد: كانت العيدية المقدمة إلي، رصاصات مثلما استقرت في صدور في كثيبة من الجنود تربصت بسيد الأطلس العظيم ، استقرت نفس الرصاصات في لاوعينا نحن كل جيل هذا العيد، فكان إسفنج وهدايا الأعياد المقبلة رصاصات مقلية في رغيف القهر، وبارود و أكواب من أباريق الأرق و الضطراب والتوجس والخوف، هو جيلي كل مواليد العيد، لهذا لا تتفاجئي إذا انتابتني نوبات عنف..
كنت في بطن أمي قبل العيد، لهذا تعجلت الهبوط الى هذا الدرك الأسفل "نهر أشرون"، لأوقظ العيد، لكني صدمت وخيبة أملي كانت كبيرة، احتكر أجدادي كل شيء الحكم والولاية والنبوة، ولهذا اكتفيت بأن أكون شاعرا في شكل فطيرة خالية من الخميرة، لكن في زمن كثر فيه الشعراء وقل فيه الشعر، فضلت تدمير هاته المقدرات الذهبية بحمق وتهور وعلى طريقتي...
نحن نحتفل بالعيد يا ابنة توسيوس بشكل مختلف، نعتدي على قطيع من الغنم ونطلق فيه الرصاص ونعدم فيه الجنود : سواء كانت حيوانات متوحشة، أو كثيبة حمقاء من الجنود الأقزام، أو فزاعة تسمى رئيس دولة ...
نحن نختار التوقيت المناسب والطريقة المناسبة للاحتفال بالعيد، وهو أن نقترف العيد جريمة و جنحة !!
وهكذا بدأن منذ ذلك العيد نحن مجموعة أطفال سيئو الحظ في جمع أكوام من الأحزان عوض أن نجمع أكواما من الأزهار.. ! !
أعتذر يا ابنة توسيوس والى اعتراف ثالث، لكن لن يزول حبنا إلا بزوال النجوم، و سأنتمي وإياك الى كل الأزمنة الماضي والمستقبل ، أي الى الزمن الخالد..
وهذا وعدي...










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا