الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترتيب الفوضى

أوري أفنيري

2004 / 8 / 16
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


ما زالت خطة "الانفصال" التي وضعها أريئيل شارون في بدايتها، ولكنها ما لبثت أن أحدثت فوضى عارمة في جميع المجالات.

لقد أدت إلى أزمة حكومية متواصلة ودوامة في بعض الأحزاب وارتباك في الرأي العام، وارتباك في الأجهزة الأمنية ونزاع عنيف بين المنظمات الفلسطينية.

قوى السلام الإسرائيلية مرتبكة هي أيضا، فبعضها يؤيد شارون من أجل "الانفصال" وحتى أنه يريد الانضمام إلى حكومته، والبعض الآخر يشجب ما يفعله شارون شجبا قاطعا.

دعونا نرتب بعض هذه الفوضى.



1. ماذا تقول الخطة؟



شارون ينوي، على حد مزاعمه، إخلاء– وربما هدم- كل المستوطنات الموجودة في قطاع غزة، وإخلاء المستوطنين والجيش من هناك، وإبقاء المنطقة تحت السيطرة الفلسطينية. تقضي الخطة بإبقاء "محور فيلادلفيا تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، وذلك بهدف خلق حاجز لا يمكن اختراقه بين القطاع ومصر.

تقضي الخطة أيضا بإخلاء ثلاث مستوطنات صغيرة وليست ذات أهمية، تقع شمال قطاع غزة، وذلك كعملية رمزية.



2. هل سينفذ ذلك



من غير المؤكد قطعا.

لم تكن هذه الخطة ثمرة عمل مدروس ومنهجي. لقد كانت عملا مبتذلا، على شكل خطة بهدف إلى نيل رضا الرئيس بوش. شارون كان يعلم بأنها ستواجه معارضة من قبل اليمين والفلسطينيين على حد سواء، وستسحب البساط من تحت أقدام حزب العمل.

لقد قررت الحكومة رسميا قبول الخطة مبدئيا، ولكنها لم تتخذ قرارا حتى الآن بشأن تفكيك المستوطنات، فهذا الأمر يتوجب اتخاذ قرار آخر.

تسير الأمور في هذه الأثناء بوتيرة بطيئة. على الجيش أن يجهز برنامجا، ولكنه يريد نقل أمر تنفيذه إلى الشرطة. وعلى ووزارة العدل أن تطرح مشروع قانون. وعلى لجنة خاصة أن تضع جدول أسعار لقيمة التعويضات. لا تشهد وتيرة ما يحدث الآن على أمكانية التنفيذ السريع.

ولكن الأهم هو أنه لا توجد هناك أية محاولة لتجنيد الرأي العام لصالح خطة الانفصال. معارضو الخطة، من المستوطنين وحلفائهم، يزيدون من نشاطهم. لقد أحرزوا نصرا في استطلاع الرأي بين منتسبي الليكود، ونظموا مظاهرة السلسلة الضخمة ويقومون بتنظيم نشاطات أخرى. إنهم يستغلون وسائل الإعلام بذكاء لا مثيل له. بإمكانهم تجنيد عشرات الآلاف من المستوطنين واليمينيين في أي وقت يرغبون فيه. تقع تحت تصرفهم موارد مالية غير محدودة تقريبا، وهي تبرعات من أثرياء أمريكيين يهود ومتعصبين مسيحيين من الولايات المتحدة.

لا يواجه هذا الضغط الترويجي إلا بالصمت. الليكود لا يجند نفسه لأجل الخطة، وحزب العمل مشغول بالمشاجرات الداخلية حول الانضمام إلى الحكومة، واليسار لا يعرف كيف يبتلع هذا الموضوع.

مؤيدو الانفصال يجدون لهم عزاء في حقيقة كون الخطة تحظى بتأييد أغلبية الجمهور في استطلاعات الرأي. ولكن هذه الأغلبية هي أغلبية مضعضعة، تفتقر إلى الإثارة والإقناع الذاتي، ولم تتعرض حتى الآن إلى أية تجربة. يمكن لهذه الأغلبية أن تتلاشى بسهولة.



3. هل هناك جدول زمني؟



لا يوجد.

شارون ورجالاته يتحدثون عن بدء الإخلاء في شهر آذار 2005، وكأنهم يمرون مر الكرام، على أن ينتهي الإخلاء في أواخر عام 2005. حسب مجريات الأمور، فهذه الأقاويل أقاويل فارغة. منذ أن قال إسحق رابين أن "ليست هناك تواريخ مقدسة"، لا يوجد أي زعيم إسرائيلي يلتزم بجدول زمني محدد. التوجه الطبيعي هو تأجيل اتخاذ القرارات الحاسمة دائما.

عندما التقيت اليوم ياسر عرفات، أبدى ملاحظة فقال: "لقد استغرق انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان ست ساعات. فما حاجة شارون إلى 17 شهرا للانسحاب من قطاع غزة الصغير؟



4. إذن ما هو قصد شارون الحقيقي؟



تتلاءم هذه الخطة مع وجهة نظر شارون العامة القاضية بتحويل كل أرض إسرائيل (أو كلها تقريبا) إلى دولة يهودية.

من وجهة نظره، فإن قطاع غزة (الذي يشكل أقل من 1.5%- من مساحة البلاد!) هو منطقة لا أهمية لها، تبتلع الكثير من الموارد العسكرية والمالية دون أية فائدة تجنى منها. الأهم هو، من ناحيته، "الضفة الغربية"، التي تزيد مساحتها على 16 ضعفا. إنه يأمل في أن يتيح له تنفيذ الانفصال في غزة، مستقبلا، ضم أكثر من نصف الضفة الغربية إلى إسرائيل، عازلا بذلك السكان الفلسطينيين في عدة قطاعات، معزولة عن بعضها البعض من الناحية العملية، وخاضعة للحسنات التي ستقدمها إسرائيل لها. أما على المدى البعيد فإن الهدف من ذلك هو خنق الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة.



5. إذا كان الأمر كذلك، فهل تنطوي هذه الخطة على وجه إيجابي؟



هناك أصوات في معسكر السلام الإسرائيلي تنادي بدعم الخطة، لأن تنفيذها سيؤدي إلى وجود سابقة تعتبر الأولى من نوعها فيما يتعلق بإخلاء المستوطنات في أرض إسرائيل. (يميت التي أخليت في إطار الاتفاقية مع مصر ليست جزءا من أرض إسرائيل وفق المفهوم المعمول به). من الناحية الشعورية والسياسية، من المؤكد أنه سيكون لذلك تأثير كبير جدا.

مؤيدو الخطة من "معسكر السلام" يدّعون بأن نية شارون بعيدة المدى ليست مهمة الآن. المهم هو ما يحدث على أرض الواقع - والواقع هو أنه سيتم إخلاء المستوطنين من قطاع غزة - إذا حدث ذلك بالفعل.



6. إلى جانب ذلك، هل يمكن لهذه الخطة أن تلحق أضرارا؟



حين لا تكون لخطة الانفصال أية علاقة بمسيرة السلام، فهي خطرة جدا.

رجالات شارون يدعون بأنهم لا يكترثون لما سيحدث في قطاع غزة بعد انسحاب إسرائيل. هذا نوع من المداهنة. يتداولون في القيادات العسكرية والسياسية، من وراء الكواليس، حول تعيين دكتاتور محلي ليسيطر على قطاع غزة تحت رعاية إسرائيلية (وبطبيعة الحال تحت رعاية الولايات المتحدة ومصر). محمد دحلان هو المرشح لتولي هذا المنصب.

إلا أن مصير هذا الحاكم المحلي يمكن أن يكون كمصير بشير الجميّل في لبنان، الذي كان من المتوقع أن يسيطر على بلاده تحت وصاية إسرائيلية، ولكنه قتل خلال وقت قصير. وستسيطر على غزة بدلا عنه التنظيمات المسلحة، التي ستواصل التصدي لإسرائيل بشتى الوسائل، ومن بينها إطلاق الصواريخ. أما رد فعل الجيش الإسرائيلي فسيتجسد في احتلال المناطق، وستعود الكرّة إلى بدايتها.

بالمقابل، إذا نجحت هذه المحاولة، فسيتحول قطاع غزة إلى منطقة ذات "حكم ذاتي" تحت رعاية إسرائيل، وسيحكم فيها دكتاتور يكون هو "الرجل القوي". هذا يذكرنا ببنتوستان في نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا. من المؤكد أن الشعب الفلسطيني سيرى في ذلك خطورة على وجوده وسيحارب هذا الوضع بكل الوسائل.



7. هل من الممكن تأيد خطة "الانفصال"



إذا توفرت الشروط التالية فقط:



أ. أن تعلن حكومة إسرائيل مجددا عن أن الضفة الغربية وقطاع غزة يشكلان وحدة جغرافية واحدة، كما تنص عليه اتفاقية أوسلو.



ب. خطة الانفصال تكون مرهونة باستئناف المفاوضات السلمية بين حكومة إسرائيل والزعامة المنتخبة من قبل الشعب الفلسطيني.



ج. تنفيذ الانفصال في إطار اتفاق مع السلطة الفلسطينية، وتسليمها المنطقة بشكل منتظم. وأن تشتمل الاتفاقية على ترتيبات تضمن أمن كل من الطرفين. يفضل أن يتم دعم الاتفاقية من قبل قوات سلام دولية.



د. إزالة "محور فيلادلفيا" . وفتح التواصل بين قطاع غزة والعالم، برا وبحرا وجوا. من الممكن أن يخضع لرقابة دولية.



هـ. يتم تسليم كل المباني والبنى التحتية في المستوطنات إلى السلطة الفلسطينية، أو هيئة دولية، ومن الممكن حساب قيمتها عند التوصل إلى حل مشكلة اللاجئين.



و. تحديد جدول مواعيد ثابت لكل مراحل الانفصال.



ملاحظة:

عندما التقيت عرفات اليوم ، سألته: "هل تؤمن بأن خطة الانفصال ستنفذ بالفعل؟"

فأجاب: "نحن نأمل في ذلك!"

ألححت عليه قائلا: "لم أسألك إذا كنت تأمل، بل سألتك إذا كنت تؤمن".

ابتسم عرفات وأجاب ثانية: "نحن نأمل!"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في إسرائيل تطالب نتنياهو بقبول صفقة تبادل مع حماس |


.. مكتب نتنياهو: سنرسل وفدا للوسطاء لوضع اتفاق مناسب لنا




.. تقارير: السعودية قد تلجأ لتطبيع تدريجي مع إسرائيل بسبب استمر


.. واشنطن تقول إنها تقيم رد حماس على مقترح الهدنة | #أميركا_الي




.. جابر الحرمي: الوسطاء سيكونون طرفا في إيجاد ضمانات لتنفيذ اتف