الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن -أمكنة تدعى نحن-

سعد محمد رحيم

2010 / 6 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تؤشر حمى الكتابة عن المكان العراقي بعد أحداث 2003 نوعاً من محاولة تأصيل، أو تعزيز، هوية شخصية وأخرى جماعية.. محاولة لها من المحمول الرمزي بقدر ما لها من المحمول الواقعي. فالمكان، ها هنا، تاريخ، وتضاريس طبيعة حولتها الثقافة، وأسطرتها المخيلة. والمكان، ها هنا، كذلك، شرط كينونة، ومعطى مشاعر وانفعالات، وأفق ذهني يمتد بين ماضٍ ضاع بعضٌ من حواشيه وهوامشه، وأجزاء من متنه أيضاً، ومستقبل ليس من السهل التكهن باتجاهه وصورته. وهي محاولة لتسكين قلق الوجود ومناورة في خضم صراع البقاء، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخزونات الذاكرة ومقتنياتها بعد أن راحت تتعرض للتهالك، ومن ثم للنسيان.
يخوض خضير الزيدي مغامرة مثل هذه الكتابة في كتابه ( أمكنة تدعى نحن: دار الينابيع/ دمشق ـ 2010 ) مستلهماً أماكن طفولته وشبابه بعدِّها حواضن نشوء وتكوين، ومسارح فعل، ومحرِّضات أحلام. يتمثلها قبل يمثِّلها عبر استعادة ما تبقى من إرث ذاكرته البصرية التي يشبِّهها بـ "الصندوق السحري للمصور الشمسي قبالة دار العدالة". ولا أدري إن كان هذا التشبيه موفقاً على الرغم من جماليته. تعينه ذاكرة تخيلية تحيل الواقعي الحسي إلى شعر وأسطورة. ولذا نراه حين تعييه الذاكرة يلوذ بالمجاز. وحين تتسع لديه مساحات الغياب يستنجد بأحابيل اللغة ومكرها. لكن ثقل الواقع وضغطه لا يدعه يبتكر مكاناً متخيلاً معززاً بتاريخ مؤسطر وأحلام هاربة متشظية على غرار بصرياثا محمد خضير. أو مدن إيتالو كالفينو اللامرئية. فهو سعى كما يخبرنا لصياغة هيتروتوبيات وهي في عرفه؛ "يوتوبيات مغايرة تُفترض من خيال الأمكنة اللامرئية في الأمكنة الحقيقية"، لكنه لم يُكمل مشروعه مثلما يجب، ومثلما كنا نتمنى.
يبدو أن الزيدي رسم في البدء خريطة واسعة لأمكنته التي رشحها للكتابة عنها. ولم تكن علاقته بها من حيث التجربة معها وفيها، ودرجة الحميمية، ناهيك عن المعرفة الخابرة، في مستوى واحد. لهذا جاءت بعض نصوصه في الكتاب شاحبة وبعض مشاهده مفتعلة. في مقابل نصوص ومشاهد انطوت على قيمة أدبية ووثائقية وجمالية مميزة.
في هذا الكتاب نجد الزيدي مغرماً بالتعريف المجرد، ولكل مكان في كتابه تعريف ما. وفي هذا المفصل تتباين قوة صياغاته وإنشائه ففي سبيل المثال يصف الناصرية بأنها "في التاريخانية الحديثة تنتمي للغرابة أكثر مما تنتمي لحضن الواقع البسيط". وأعتقد أن استخدام اصطلاح التاريخانية، في هذا السياق، لم يكن في محله. أما عن المقهى فيقول أنها "انفلات من قبضة تراص الهموم وثقلها الذي لا يُطاق". لكنه يعود ويصفها ثانية بعبارات أكثر سلاسة وصفاء وأعمق دلالة متخلصاً من جفاف بلاغته الفضفاضة في العبارة الأولى:
"هي الملاذ الآمن للغرباء والمشردين والتقاء الصحبة ومواعيد الضحك واتفاقات النهارات القادمة.. المقهى التعبير الخفي عن تقويض فكرة آصرة العشيرة والريف".
وفي موضع آخر يحدِّثنا عن الشارع الذي يراه "أرضية رحبة لمعصية الوالدين". تستثيره عبارة أولاد الشوارع وتمنحه فرصة تأمل الشارع عن قرب "آه ليتني كنت شوارعياً بختم أحمر لأروي ما حدث بالطريقة التي ترضي طموح أبناء جنسي المنسيين". وهذا اعتراف صادق. فالزيدي بقي متردداً في استكناه أسرار المدينة، ولامس بعض الوقائع على استحياء كما لو أنه يحذر لوم وغضب الأحياء والأموات. وظل كائناً بيتوتياً.. يقول في تصديره لكتابه؛ "قطعاً يا بني ستشيب في ذات البيت الذي ولدت فيه.. أتعرف لماذا؟ إنها دعوة أمك عليك..". وهكذا لم يغادر البيت أبعد بما يكفي لكتابة تتمادي في انتهاك المحرّمات. ومن أجل إكمال لوحة كتابه كان على الكاتب أن يخصص فصلاً واحداً على الأقل للبيت الذي نشأ فيه. بتأكيد أنه يعرف بيته أكثر من أي مكان آخر. مع هذا كانت ثمة فصول ممتعة وغنية بتفاصيلها عن شارع الحبوبي ومحطة قطار الناصرية، ومناطق أبو غار والمسنّاة، والأسود عراقي النكهة ( الشاي )، وشاشة الأحلام.
الأمكنة تكتبنا طوال الوقت، ومن واجب الوفاء على الكاتب أن يرد لها الجميل بجعلها مناسبات كتابة. وخضير الزيدي سارد ومؤرشف دؤوب، بكتابه ( أمكنة تدعى نحن ) ربحت الناصرية وربحنا نحن العراقيين، عملاً جيداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - امكنه تدعى نحن لماذا لاتكتبون عنها
اكاديمي مخضرم ( 2010 / 6 / 29 - 22:03 )
انا غير متاءكد ان الادباء العراقيين لايكتبون اولم يكتبوا عنها كما انا قراءت في الادب العالمي وراءيت في السينما العالميه حينما كنت شابا وعندي وقت فراغ وعيون صقريه
الان العمر والعيون لاتتيح القراءه الكافيه ولكني بعشر الوقت الذي اقراء فيه يوميا استطيع بفضائيات اوربا ان ارهم اكثر مئة مره مما ارى بالتسعين في المئه بفضائياتنا ومواقعنا الادبيه
استدعاني صديقي الكظماوي المرحوم ابراهيم - وهو ابن اخت الفنان الكبير الراحل جعفر السعدي حوالي سنة 1950 لزيارة بغداد ولحضور مسرحيه اسمها
- فلوس - وكانت مترجمه من التركيه وعرضت بقاعة الملك فيصل الثاني لانه لم يكن غيرها ببغداد وفي الفرصه بين فصلين تعلمت اول كلمة متمدنه وهي تواليت بمعنى مرحاض او ادبخانه ولان ابراهيم كان موظفا بالسكك فكان علي ان اقضي الوقت لوحدي حتى نهاية الدوام وسعان مااكتشفت ان الاستماع لمجريات المحاكمات الجنائيه كان شيئا رائعا وهكذا حضرت اول محاكمه بجريمة قتل ونادوا على الشهود وجاءت امراءه فساءلها القاضي - وكان يسمى عندئذ بالحاكم عدة اسئله روتينيه كانت بالنسبه لي كافيه لكتابة قصهفهي تسكن محلة الذهب-اكبر داردعاره في الكرخ وعن مهنته


2 - تكمله رجاء
اكاديمي مخضرم ( 2010 / 6 / 29 - 22:23 )
وكانت الامراءه الشاهده في جريمة القتل في منتصف العمر وممكيجه بشكل نادر في تلك الايام وحينما ساءلها القاضي عن مهنتها ساد قاغة المحكمه سكون وسكوت وانتظار مرعب
فادنت المراءة راءسها صوب الارض وقالت بهذوء وتردد - على باب الله
انا بكيت واعتبرت الله والقاضي ساديان لان القاضي راءسا املى على كاتب الضيط الذي يدون محضر جلسة المحكمه - اكتب مومس
بعد المحاكمه ذهبت افتش عن واحد بغدادي من قدامى شيوعيي الكرخ واسمه تركي محمد فوجدته وطلبت منه ان ياءخذني الى محلة الذهب فتمانع لانه يخشى ان يراه الناس فماذا سيقولون هل اصبح الشيوعيين ايضا - وهم الذين كان الناس يحلفون براسهم لشرفهم وعفتهم - انهم ايضا صاروا كحبجيه
اه يا محلة الذهب كم كنت واسعه وكم كنت فوق العرقيه والدينيه والطائفيه كنت توحدين كل ضحايا شعبنا الذي كان عندئذ وقبل ثورة تموز يعاني من الثالوث
القذر - الفقر والجهل والمرض
وبعد عام او عامين اخذ الحزب الشيوعي يستخدمني موزعا للبريد السري بين المركز والمحافظات واول واحد التقيه كان شابا سمينا ويظهر عليه اليسر فقال لي تاءتي عصرا الى المكان الفلاني وتاءخذ بريد الجنوب وعن هذا المكان اجلا


3 - امكنه تدعى نحن لماذا لاتكتبون عنها
اكاديمي مخضرم ( 2010 / 6 / 29 - 22:27 )
انا غير متاءكد ان الادباء العراقيين لايكتبون اولم يكتبوا عنها كما انا قراءت في الادب العالمي وراءيت في السينما العالميه حينما كنت شابا وعندي وقت فراغ وعيون صقريه
الان العمر والعيون لاتتيح القراءه الكافيه ولكني بعشر الوقت الذي اقراء فيه يوميا استطيع بفضائيات اوربا ان ارهم اكثر مئة مره مما ارى بالتسعين في المئه بفضائياتنا ومواقعنا الادبيه
استدعاني صديقي الكظماوي المرحوم ابراهيم - وهو ابن اخت الفنان الكبير الراحل جعفر السعدي حوالي سنة 1950 لزيارة بغداد ولحضور مسرحيه اسمها
- فلوس - وكانت مترجمه من التركيه وعرضت بقاعة الملك فيصل الثاني لانه لم يكن غيرها ببغداد وفي الفرصه بين فصلين تعلمت اول كلمة متمدنه وهي تواليت بمعنى مرحاض او ادبخانه ولان ابراهيم كان موظفا بالسكك فكان علي ان اقضي الوقت لوحدي حتى نهاية الدوام وسعان مااكتشفت ان الاستماع لمجريات المحاكمات الجنائيه كان شيئا رائعا وهكذا حضرت اول محاكمه بجريمة قتل ونادوا على الشهود وجاءت امراءه فساءلها القاضي - وكان يسمى عندئذ بالحاكم عدة اسئله روتينيه كانت بالنسبه لي كافيه لكتابة قصهفهي تسكن محلة الذهب-اكبر داردعاره في الكرخ وعن مهنته

اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً