الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعترفات على صدر ابنة توسيوس-3-

عبدالحق فيكري الكوش

2010 / 6 / 30
الادب والفن


–ابنة توسيوس-
لا بد أن اعتذر عن التقصير في حقك يا ابنة زبد البحر. وقد تتسائلين وما الذي شغل هذا الجني عن بعث ولو بنفسجة الى قلبي الشفاف، أو رمي كومة من المشاعر المرهفة من نوافذه المهشمة، أو زنبقة إليه، هذا القلب الذي تحول الى مقبرة للنسيان،...؟
أجيبك: أني آسف جدا، سؤالك عن الولادة حرك مشاعري الكئيبة، في أن أهرول الى الغروب الدافئ، بعيدا عن سؤال يشبه حشرجة الموت، وبعيدا عن أسئلة ماوراء العقل، يؤرقني التفسير ويؤرقني التأمل !
هاته الولادة مثل قوافل الوجع، تذكرني بأشياء مجروحة ومشروخة، بالبدايات الأولى لكل الولادات، ولادة الانسان والحياة ، وبصورة وطن بعيد، يسكن ويتناسل من كل ولادة، وطن لم يكن لعابه مسموما، بل كان وطنا يتسع ويتمدد، يرتدي نعلا أنيقا وجلبابا واسعا وأصيلا، يشبه شجرة الليمون وشجرة الرمان وممتلئ بالرغبات الحارة، يغضب ويحنق وينتقم ويغني ويرقص وله أجنحة.. لم يكن وطنا كومة من العجز الباردة، ينام مبكرا، ويجهش بالبكاء عند أول معركة.. !
وطن كان يشرب كوب قهوته المعتاد -إن شاء- في عين الشمس وتسمع زئيره تومبوكتو وطرابلس والخرطوم والجزائر...، وينام في أحضان عرائس البحر المفضلات وربات القدر : اشبيلية وبلنسية، وترتعد من خشيته الشمس.. ! وقد صار كالأرمل جسده ملطخ بالدم والخوف، يرتدي ثياب جلاد وأسقف مسيحي ومحكمة تفتيش، قلبه كالأقاصي المجهولة، يرتشف من جرح مشاعري كوبا من الحنق، ... !
الولادة –يا ابنة توسيوس- تذكرني بولادة العيد، وبرصاصات العيد، برائحة البارود وبتركة عظيمة من الأعياد المؤجلة، وأكوام من الخيانة، بالرعب يعوي في ضوضاء تلك السحب البعيدة.. وفيلق من الشياطين تتعبد في تعاستنا، بالقبور ترتدي ملابس خليعة، وتبتلع هؤلاء المغدورين، وبسلالات شاحبة من الموتى تزحف نحو المشانق، وبنساء شاحبات بلون القهوة المسحوقة يلطمن صدورهن العارية،... الولادة تذكرني بكل الوطن !!
الولادة توقظ في صدري وحوشا ضارية، لها عيون تتلصص كالذئاب !
لا بد أن اعتذر –يا ابنة زبد البحر- عن التقصير، ولا املك غير الاعتذار والأسف، شغلني عنك بعض التعب وكميات من الأرق، وشغلتني عنك رغباتي المتلونة، في أن أسافر الى المستقبل، وكم اعشق الهروب الى الأمام !
متعب أنا وجدا من هذا الغياب ومن هذا الهروب القسري، متعب من قرع أجراس وأسئلة الولادة، مثل كوازيمودو قارع الأجراس في الكنيسة الخرساء، لا يولد ولا يتجدد الا مع قرع تلك الأجراس، وقلبي مثلك بقعة مهجورة من ثلاث أسئلة مؤنثة وسؤال ذكوري لا يشغلني ولا يهمني، متعب هذا القلب المهجور وكأني وهذا القلب جزيرة تسمى جزيرة ماعز ...
متعب كالعروبة، مرهق كتجاعيد وجه أمي، هادئ وأحمل كميات من القلق، نبيل، أكره الدهماء والعتمة والخوف، ومزاجي جدا كالقدر، حكيم حسب القوانين والأعراف الفيزيائية، أتقن شنق الظلال ولا أتحمل رؤية الآخرين مهزومين في المرايا...هكذا أنا بين مطرقة وسندان !
متعب ويؤلمني أن أشاهد وطني لا يولد ولا يتجدد، يرتدي قميصا قديما ومسموما، لكني لا أملك غير ترياق من الأمنيات الناعمة، تنقذ هذا الوطن المحتضر، أن أسحره طبقا من الفاكهة الحبيبة لهؤلاء المقهورين، في شكل قميص رخيص يستر تعب هؤلاء المتعبين الكادحين الذين يشبهونني، وفي شكل وسائد ناعمة لهؤلاء المشردين ذوو الأذرع الضامرة..
وأنتظر الكثير والكثير، الولادة ثم الولادة، هزيمة الشجى والأنين المنبعث من الظلال المشنوقة، هزيمة طيور ستيمفالوس الشريرة.. انتظر الانتظار والولادة نفسهما، وليس غودو..
والى أن يقدم هذا الانتظار والولادة، سأجتر نفس الأحجيات ونفس الحكايات: "إيريس" في معبدها كالمعتاد، "أهريمن" عاريا يدمن الخطيئة والشقية " أفروديت" يدهسا جنينا لقيطا أنجباه معا ليلة عيد وفي معبد" الخوف"، "ديونيسيوس " و "هيفيستوس" في قداس جماعي أو مؤامرة،...
سأدمن مشاهدة نفس الحلم "العقدة" "إيريس " تضع طفلها خلف ستار، وتخلع عليه ثيابها القزحية، ترضعه من ثديها الأيمن "أسفار الوجع" و من ثديها الأيسر" فحم الغواية "، وتمنحه عصا يكسر بها أضلع الليل، ومسودة إصحاحات لترويض الأفلاك والكواكب، وتعويذة وطلاسم لهزم الموت...
هكذا أنا مزاجي- ابنة توسيوس- وقد لا تدرين بمزاجيتي، هاته الكميات من الأسئلة، التي تطوق عنقي كالحجر الكريم..
ألتهم هاته الأسئلة –فلذات كبدي_ وأتفقد جمجمتي التي لا زالت على رأسي، جمجمة فيها فواكه وحوريات وجنيات وقوس قزح وفصول أربعة، هي جمجمة حية وتحدث فيها الولادات المتكررة، وفيها أيضا أفكار بنظرات جادة، وأجهد نفسي كثيرا وأقاتل من أجل طرد الغزاة والمحتلين منها، بعض الحنق والكراهية والخوف، وأن أشيد فيها حلما، يتوالد و ينجب سلالات يمكنها ان تتناسل وتتوالد..
أخشى على جمجمتي من ألا تحدث فيها ولادة!
أنا هكذا مزاجي- ابنة توسيوس- أجهد الطبيعة بأسئلتي، مثلما تجرحي مشاعري هاته الطبيعة نفسها، بأسئلة تراودني عن نفسي، الشر ينشر الاضطراب، هؤلاء المقهورون الذي يسقطون من عرق البرجوازية الحقيرة والارستقراطية الجشعة، هؤلاء المحظوظون في شكل بعوضات مستنقع، تخلت عن الهرولة خلف ذيول الأنعام، لها قوائم تجفف منابع الدهشة والفرح والهدوء والرحمة والأمل...
هكذا أنا سيدتي أقاتل أشباحا في العتمة- هي مزاجيتي-وألقي بها كل يوم من الطابق العاشر؟؟؟؟ لكن ثمة محاولة بحث عن حواسي الخمس، وعن حاسة شم تمكنني من أشتم رائحة رجل في البيت، لعلها تحدث الولادة الموعودة!
عفوا يا ابنة توسيوس سأستريح قليلا، وسأرقص بمهارة أكروباتية ، رقصة فوق السحب والأنواء، لعلي أعود إليك في شكل قارورة عطر وفارس نبيل مطرز بالشجاعة والنبل والوفاء..
لكن في كل حالات وأنواع مزاجيتي، أكون الإنسان وسأكون، وسأوزع النبل والموسيقى في قلوب الأزهار والحشائش، وكل امرأة عندي نوع من فصيلة الطيور البهيجة، أنا مثلما، حدثتك عني، مسودة من الأحلام الناعمة التي تستعجل بزوغ ضوء النهار، وتحقيق حزمة من الأحلام المؤجلة الحبيبة، في شكل ولادات..
والى اعتراف رابع...











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا