الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محو العماء

علي شايع

2010 / 6 / 30
الادب والفن


دعيت قبل أيام إلى حفل ربما يكون الأهم في حياتي إلى الآن، رغم حضوري السابق لفعاليات باللغتين العربية والهولندية، ولعل من بين هذه الندوات ما يدور في مجالات الفكر والمعرفة الرحبة، إلا إن هذه الفعالية تميّزت عن سابقتها بما أضافته من شعور بالحبور والطمأنينة، وما أجمل أن يجعلك تشعر بمثل هذا الإحساس العميق بفضل الآخر عليك؛منجز لإنسان مبدع من ذوي الاحتياجات الخاصة، يميّزه عنك إبداعه ويرجحه عليك إصراره الشديد على الجمال، حتى ليشعرنّك بكماله وسمو نفسه، بين الكائنات المجبولة على العطاء.
كان الحفل، بمشاركة فنانين موسيقيين من هذه الشريحة غير المنسية، و التي لا يميزها في أوربا عموما سوى توفير الدولة لما يخدمهم بشكل ترى فيه (على سبيل المثال لا الحصر فلا حصر للسبيل الإنساني في أوربا) إن الرصيف مرصوف في إحدى جوانبه بحجر مميّز يستطيع الأعمى أن يدفع بعصاه في امتدادات شقوقه ليتبع بها الطريق، طريق سينتهي عند الإشارة الضوئية التي تطلق صوتا يعرف من خلاله السامع أوامر السير وعبور الطريق.
هؤلاء الناس يستمعون فقط، لا يرون، لكنهم يبصرون في قرارة أنفسهم، وينطلقون مجددا ليمتعوا الآخر بالسمع مثلما يستمتعون بنعمائه. الدولة وفرت لهم هذا الحق، بل هي ممتنة لإبداعهم المُثمن بالدعم والمساعدة..مساعدة مسبوقة بمثيلاتها في طريق التمكين وتعضيد الإرادة.

وتصور إن شخصا أعمى ولا يتكلم يستطيع أن ينقلك عبر عزفه على آلة (الساكسفون) إلى عالم موسيقي ينطق بلسان هذا الفتى العشريني..وآه كم شعرت بالعجز، وأنا أطارد ألحانه، أحسست بمسؤولية احترام قدرة الآخر على محو عماه، وتلمس روحك وجعلك مكشوفا لديه، قدرة تليق بمبدعين كبار، لكن القضية هنا لا وجود لإعجاز فردي فيها بل هي قدرة استكشاف لقدرات مبثوثة بين هذه الشريحة التي سنجد فيها أيضا من يؤلف ألحاناً وآخر يكتب في النقد، وإنسان مبدع في الاستماع والتلقي، وكم من مبدع في استماعه أكثر عطاءً من دعي إبداع مهذار يستسهل الإنجاز.
شخص يبصر ولكنه لا يسمع ويتكلم بصعوبة، رأيته يضبّط الصوت من خلال جهاز يعلوه مقياس ضوئي تعرف من خلال الأشعة الضوئية فيه صعود الصوت وهبوطه.
أحسست إن إبداعاً شغوفاً بالوصول أخترق حواسي كلها، وجعلني أسأل بحرقة وألم عن إبداع تكسّر في نفوس الكثير من أمثال هؤلاء في بلدي، بلد الإبداع كما أدعي مع نفسي وفي كلّ محفل للتباهي أو التذكّر.حتى قلت آه لم هذا الغلو في الطموح وهل يلقى أصلا مثل هؤلاء حياة كريمة للعيش، وهل يلقى ضحايا الحرب ومقطعي الأطراف أطرافاً تعينهم في مشقة حياة لا زال عليهم الكدّ والتعب في عماءها الشاسع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب