الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصير مملكة الرعب الأسدية

جان كورد

2010 / 6 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


لو نظرنا إلى الوراء في التاريخ البشري، لوجدنا توالي الحكومات والدول، لم يبق من أملاك من في أيديهم سلطان سوى أطلال القصور وعلائم القبور... وهكذا الأيام يتداول فيما بينها الأقوياء السلطان هنا وهناك، بنسب زمنية متفاوتة وضئيلة بالنسبة إلى مسار التاريخ الطويل، ولكن سرعان ما تفقد قواها وتصاب بالهزال فينتزعها آخرون ليأخذوا بأيدي من سبقوهم ويرموهم إلى حفرة الفناء، كالنجوم التي تنتهي إلى الثقب الأسود في السماوات الفسيحة. ولايمكن أن يشكّل النظام البعثي – الأسدي في سوريا استثناءً تاريخياً بأي حال من الأحوال. إذ أنه أضعف من أن يستمر كتلك الامبراطوريات العظيمة، الصينية والهندية والمنغولية والأموية والعباسية والعثمانية والرومانية...وغيرها، وكلها كانت أقوى من نظام الأسد وأشد بأساً وأبرع في الحكم والادارة...
وكما في كتاب الله العزيز القدير: ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض.)) (سورة البقرة– 251)

فما الذي يشير إلى قرب نهاية الحكم الأسدي؟
قبل كل شيء، يجب الاعتراف بأن هذا الحكم الشاذ في كل ممارساته السياسية تجاه شعبه، لم يكن ليبقى إلى الآن لولا ايهامه العالمين الشيوعي والامبريالي ايهامات أقنعتهما بأن الابقاء عليه ضرورة استراتيجية لهما. فكلا النظامين العالميين منذ قيام ما يسمى ب"الحركة التصحيحية" في عام 1970 والسيطرة التامة على مقاليد الحكم من قبل أبناء وبنات الطائفة العلوية في البلاد، كانا يعتبران نظام الأسد عنصر "أمن واستقرار" في المنطقة، على الرغم من أن النظام الشيوعي كان يستفيد من تصدير الأسلحة وقطع الغيار وتطوير الصناعة السورية واستخراج البترول في الجزيرة وبناء السدود أكثر من استفادة الغرب الذي فقد موقعه في سوريا بوصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الحكم عام 1963عن طريق انقلاب عسكري.
و"الأمن والاستقرار" بالدرجة الأولى هو لاسرائيل التي اعترف بها الاتحاد السوفييتي أيضاً كالدول الكبرى الأخرى منذ زمن بعيد، وكان يرفض القضاء عليها من قبل العرب رغم كل علاقاته الراسخة مع الدول العربية، والمجاورة لاسرائيل بوجه خاص، ومنها سوريا. وازدادت فكرة أن النظام السوري عنصر "أمن واستقرار" بتمكّن السيد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر من عقد اتفاقية هدنة بين سوريا المنهزمة في حرب الأيام الستة في حزيران 1967 مع اسرائيل، وأخذه وعوداً من السيد الرئيس الراحل حافظ الأسد بعدم السماح باطلاق قذيفة واحدة عبر هضبة الجولان المحتل باتجاه المواقع الاسرائيلية، طالما هو على قيد الحياة. وصدق الأسد الأب وعده.
ويُقال بأن الأسد كان يهمس في أسماع الغربيين والسوفييت أيضاً في لقاءاته:"إنكم لن تجدوا من هو أفضل مني، فالبديل لي هو الإخوان المسلمون، وهم أعداؤكم." وظل في الحكم عقوداً من الزمن بممارسة هذه اللعبة "الحيلة"، مستفيداً من أخطاء الخصوم، ومستثمراً موالاة "الأصدقاء!" له من ناصريين واشتراكيين ووحدويين وقوميين عرب وبعض زعماء الأكراد أيضاً...حتى أن الدول العربية غير الراضية عن السلوكيات السياسية والعقائدية لنظامه، والقلقة بصدد العنف الواسع النطاق لآلته الحربية وأجهزته الأمنية ضد الشعب، كانت تدعمه بأموال وفيرة، بذريعة أنه من دول المواجهة، على خط النار، قبالة اسرائيل.
ترأس الأسد الابن البلاد، الدكتور بشار الأسد، وريثاً لعرش أبيه الجمهور- ملكي وهو لا يزال في الرابعة والثلاثين من العمر، وأضطر نواب أبيه إلى تعديل الدستور السوري "من أجل خاطره" ليصبح رئيساً شرعياً للبلاد، وقائداً أعلى للجيش والقوات المسلّحة وأميناً عاماً لحزب البعث العربي الاشتراكي ورئيساً للجبهة الوطنية التقدمية في الوقت ذاته، وليتسلّم بذلة عسكرية بنياشين جاهزة تثبت جدارته في دورات قيادة الأركان وعبقريته العسكرية في وضع الاستراتيجيات وظفره في الحروب الداخلية والخارجية (!)... فغرقت البلاد في دهشة شاملة، وعقدت الآمال على هذا الذي درس في بريطانيا وتعلّم بالتأكيد هناك كثيراً من شؤون الحريات السياسية وحقوق الإنسان والديموقراطية، فتم الترحيب به من سائر الفئات الاجتماعية والاتجاهات السياسية، عساه يحرّك ساكناً صوب حياة أفضل في سوريا...ووافق الأوروبيون والأمريكان والاسرائيليون والروس الذين انفرط عقد اتحادهم السوفييتي، وكذلك العرب على تنصيبه رئيساً ملكياً للجمهورية السورية خلفاً لأبيه، والمهم كان أن لا يؤدي رحيل الأسد الأب إلى حدوث تصدعات كبيرة تسبب قلقاً دولياً بشأن "الأمن والاستقرار" في المنطقة...
إلاّ أن الأسد الجديد قد خاب آمال الكثيرين، وفي مقدمتهم الشعب السوري الذي شرع يتلمّس مزيداً من "الإرهاب السياسي المنظم" الذي يمارسه النظام، بشكل سافر، وبخاصة بعد انتهاء "ربيع دمشق" القصير العمر، والذي تم الاعلان عنه من قبل المتفائلين باعتباره تمهيداً لاصلاحات سياسية حقيقية، إلاّ أنه كان مجرّد حقنة مورفين ل"تهدئة الأعصاب" حتى يترسّخ الحكم الجديد من وجهة نظر العارفين بالأمر. وسرعان ما ذبل الربيع الدمشقي، وأصفرّت أوراق الذين كانوا يتباهون بعصر"المنتديات" الثقافية والسياسية، ومنهم مثقفون كورد كانوا متحمسين للغاية لظهور عهد جديد مزدهر وديموقراطي المستقبل بالتأكيد.
منذ وصول الأسد الابن إلى حكم سوريا حكماً رئاسياً يمنحه العديد من الصلاحيات، ازدادت البطالة نسبة وارتفع مستوى الفقر المدقع واتسع نطاق الجرائم الجنائية والاقتصادية (ومنها عمليات ارهابية مدبّرة من قبل رجال النظام ذاته!)، وتفاقم الفساد الإداري والحكومي، وتعاظمت الهجرة الداخلية من الأرياف إلى المدن، وبخاصة من المناطق الكردية، نظراً للسياسات الشوفينية التي تستهدف علناً وصراحة وبمراسيم وقوانين واجراءات استثنائية انتزاع الأرض من أصحابها الكورد، وطبقت بعض الدول الخارجية، منها الولايات المتحدة الأمريكية، عقوبات قاسية على البلاد، وتحوّل البؤس العام إلى ظهور أشكال مختلفة من المعارضة التي تعبّر عن نفسها بشكل أو بآخر، رغم أنها تتلّقى ضربات متتالية من الأجهزة القمعية للنظام، بحيث يبدو الانزعاج من هذه التصرّفات اللاإنسانية واضحاً في تقارير منظمات حقوق الإنسان السورية والعربية وحتى الدولية الهامة، مما يدفع بالمهاجرين السوريين خارج البلاد، وبخاصة في أوروبا، إلى الاحتجاج والتظاهر، وتقديم المذكرات بذلك إلى الهيئات الدولية المختصة بحقوق الإنسان، وإلى الحكومات... ولايمكن أن يطول عمر نظام ينخر أسسه الفساد، وتنتشر في ظله الجرائم ويرتفع منسوب البطالة، وبالتالي يشعر المواطن بأن حياته وحياة أسرته ومستقبل أطفاله في خطر، فلا بد وأن يلجأ إلى السير في الاتجاه الرافض لهذه السياسات وهذا النهب المنظّم الذي تمارسه فئة الحكم وشرائح متملّقة تابعة له، في حين يعاني المواطن معاناة أليمة من جرائه. وأحياناً يتخذ هذا السير المعاكس أشكالاً متطرّفة من الممارسة، كما هو الحال في بلدان أخرى، نرى فيها عنفاً واسع النطاق في مواجهة عنف الأنظمة التوتاليتارية الظالمة.
الحقيقة المفزعة هي أن النظام الجديد هو نسخة رديئة للغاية عن النظام القديم، حتى أن اثنين من نواب الرئيس الراحل تبرءا من هذا العهد وانتقلا، طوعاً او كرهاً، إلى ممارسة "المعارضة" بصورة واضحة، وهما الدكتور رفعت الأسد، عم السيد الرئيس، الذي فارق الحكم منذ فترة سابقة لرحيل شقيقه حافظ الأسد، وكرر لمرات بأنه مع اقامة نظام ديموقراطي تعددي، وغير موافق على كثير من سياسات الحكم، والأستاذ عبد الحليم خدام، الذي أعلن رفضه أيضاً لسياسات النظام ووجد حججاً عديدة للانتقال من صف النظام إلى صف معارضته، ومن تلك الحجج أن أيادي النظام هي التي اغتالت السيد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وأكثر من عشرين إنساناً كانوا معه في موكبه... وفي الحقيقة فإن ملّف اغتيال الحريري كان السبب في طرد الجيش السوري من لبنان، وتسبب له بمشاكل مختلفة في المحيط العربي وعلى الصعيد الدولي، ولايزال مصدر قلق كبير للنظام في دمشق، حيث أن المحكمة الدولية الخاصة بذلك تقترب من مرحلة إصدار لائحة الاتهام علناً في المستقبل القريب. وعلى الرغم من أن النظام أصلح إلى حد كبير ما فسد من علاقاته مع الكتل اللبنانية التي كانت تتهمه بممارسة "الإرهاب" ضد اللبنانيين، فإن اغتيال السيد الحريري وبعض السياسيين الآخرين قبله وبعده في لبنان يشكّل مبعثاً لعدم الثقة بين بيروت ودمشق، إلى أن تتضح الأمور في المحكمة الدولية المذكورة.
من جهة أخرى، لعب النظام أدوراً مقلقة لكل من اسرائيل وبعض الدول العربية الهامة مثل مصر والعربية السعودية والمجتمع الدولي، وبخاصة تجاه العراق وفلسطين، بدعمه المنظمات المتطرّفة، وتعاونه التام مع ايران الساعية لبسط نفوذها السياسي – الطائفي على المنطقة، في مجال دعم حزب ألله وتعكير الأوضاع في غزّة...بل وربطه سوريا بعجلة نظام الملالي في طهران من نواحٍ مختلفة ربطاً محكماً.
وهكذا فإن النظام الذي يحاول بشتى السبل رأب الصدع بينه وبين الإخوة العرب، بينه وبين المجتمع الدولي، بينه وبين العراق، وكذلك بينه وبين تركيا التي لا تعطي سوريا حقوقها المائية، لم يتمكّن حتى الآن من العودة إلى مقعده الهام الذي كان يشغله بين دول المنطقة في العهد السابق. والعلاقات الدولية المتوازنة ومع دول الجيران خاصة أساس لبقاء أي نظام من الأنظمة السياسية. وفيما إذا اتضح أن للنظام السوري أصابع في قضية اغتيال السيد الحريري حقاً، فإنّ الوضع سيزداد سوءاً، وستجد سوريا الأسد نفسها في عزلة قاتلة بالتأكيد.
وفي الختام، يمكن القول بأن الأوضاع في مملكة الأسد تسير نحو الأسوأ، يوماً بعد يوم، وعزلة النظام داخلياً ستكون في المستقبل أشد وطأة من عزلته الخارجية، وبذلك يفقد أسباب حياته وسبب بقائه حتى الآن كعنصر "أمن واستقرار"، لأن البلاد التي ليس فيها أمن واستقرار لاتستطيع أن تقوم بدورها في ذلك تجاه الجيران.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك