الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفقاعات على أشكالها تقع

فينوس فائق

2004 / 8 / 17
الادب والفن


يقال أن الرقم 13 هو رقم شؤم ، و يقال أيضاً أنه لو صادف يوم جمعةٍ ما الثالث عشر من الشهر فهو أتعس الأيام ، و أساس هذا الإعتقاد يرجع إلى أن صلب المسيح صادف يوم جمعة الثالث عشر من الشهر ، فمابالك لو رزق أحدهم بطفل و بالأخص بطفلة أنثى ، اليوم حين إنتهيت من كتابة هذه القصيدة أو رزقت بهذه القصيدة إن صح التعبير وحيث أن القصيدة أنثى فقد رزقت بأنثى ، فإنتبهت بالصدفة أنه يصادف يوم جمعة و يصادف الثالث عشر من شهر آب 2004 ، مع أنني لا أذكر "اليوم" و غالباً أكتب "السنة" فقط على قصائدي و قلما أذكر "الشهر" ، لكن أحببت أن أبرهن لمن أطلق تلك الإشاعة التعيسة في التأريخ أن أقرب القصائد إلى الروح قد تكتب في مثل هذه الأيام التي توصف بأنها شؤم أو أيام توصف بأنها تعيسة ، و أن الأيام بريئة من تعاسة البشر و مزاعم البشر بالشؤم.
قصيدة كتبت في زمنين :
كتبت هذه القصيدة عام 1995 و قد ضاعت النسخة الأصلية مع ما ضاعت أثناء رحلة الهروب المليئة بالمخاطر و مغادرة كوردستان إثر أحداث 31 أب 1996 المؤلمة و الي أرغمتني على الإغتراب. وحيث أن الشعر لحظات من الهدوء المشوب بالجنون أو الجنون الهاديء فإن سطور هذه القصيدة تعود اليوم لتدغدغ ذاكرتي في لحظات تأمل مجنونة في مشاهد الرعب التي نراقبها من بعيد ، و بعد أن إكتشفت فعلاً أن هناك أشياء بل كل الأشياء في حياة الإنسان عبارة عن فقاعات و لا شيء سوى الفقاعات..
و بما أنني و للأسف الشديد لا أحفظ من قصائدي إلا القليل جداً و لأن القصيدة هذه بالنسبة إلي من القصائد القريبة من روحي أو كانت كذلك قبل أن تضيع ، ليس لسبب بذاته و إنما لأنها بمقاييس أخرى في نفسي تعني لي أشياء و حتى تلك الأشياء أيضاً كانت فقاعات و مرت بتجربة الإنفجار. و هذه القصيدة هي من القصائد التي كتبتها أصلاً باللغة العربية ، أعود اليوم فأعصر الذاكرة جاهدة علني أعيد صياغتها لكن بمعطيات تتناسب إلى حد ما مع ما أشعر به الآن حيال ما يحدث حولنا ، و أنا أشبه القصيدة في بعض الأحيان بالجريمة و حيث أن الجريمة تحيط بها ملابسات فنفس الشيء ينطبق على القصيدة ، هي أيضاً تحيط بها بعض الملابسات ، لذلك قد يلاحظ من قرأ القصيدتين الفرق بينهما ، ذلك حسب الملابسات التي تحيط بالقصيدة في الزمنين الذين كتبت فيهما ، وأضعها بين يدي القاريء العزيز و أتمنى أن يفهم القاريء من تلقاء نفسه السر من وراء حبي لها.

(1)

على لوحة الذاكرة الكالحة السواد
بحبر ناصع البياض
كبياض ذلك الصباح الذي
كان الضباب يلف جسد المدينة الرمادية
و صوت رصاص بعيد
من بندقية آخر المقاتلين
المتبقين من زمن البطولات المزيفة
يداعب جدران صمتي
و يغازل حزني على عتبة
رحيل أقسى من الموت

كبياض الكفن الذي كان يلف أجساد
الحقائق التي غادرتنا في زمن
أخذ معه حتى الأصوات

بذلك الحبر الساحري
أكتب آخر القصائد
أسجل آخر إنكساراتي
ألتقط أخر لحظات الإنفجار و أرحل


أكتب قصيدة شفافة كالماء
قصيدة كالوءلوء
تطفوا على سطح المعنى
تطفو في مخيلة طريقٍ
يبدأ عند كعب حذاء التأريخ

أتناول قرص مسكن الألم المر
و أرتشف كأساً من الهرب
و أخلد إلى الخيال و أطير

أصحوا
أكتشف نفسي من جديد
أتحسس تضاريس جسدي داخل فقاعة
لا تعترف إلا بتضاريس ما بعد الإنفجار
فقاعة تنفجر في اللحظة ألف مرة
و تشدني من شعري
و تمزق أخر فصل من فصول الخيال
و تكسر أبواب الحلم
و تحرق أخر بساتين العنب الأحمر
و تجرني وراءها كغنيمة
من معارك الأنفال و الفتوحات
و تتركني رائحة كريهة في حقل مسموم بالسيانيد *

أفقد وعي و أصحو
على صوت إنفجار
فقاعة مفاوضات وهم السلام
و التصفيق الذي يدوي في رأسي

على شرفة صباح ذهبي
في غرفة أشبه بالفقاعة
في مدينة في وطن
بعيداً عني في قارة تشبه الفقاعة
أقف و أرى الأشياء من جديد
من اليمين إلى اليسار
و من اليسار إلى اليمين
أكتب الأشياء
ألامس جدران الوجود الملطخ بالفناء
كل الأشياء ملطخة بالمستحيل
و النهايات المارونية
كل الأشياء تشبه الفقاعات
و الفقاعات في قاموس اللاجدوى على أشكالها تقع

(3)

تمر الغيوم من أمام عيني
دون أن تلقي التحية
تنقشع بصمت
و تختفي
تعلمني فن "الإنتهاء"
تسجلني حدثاً عابراً في مذكرات الريح
تحكي لي حكاية
النهايات المصلوبة على جدران الغياب المقدس
الحلم فقاعة و حتى اليقظة
"الأمس" كان فقاعة
و حتى الغد فقاعة
الوقت يمتطي اللحظة
و القدر يمتطينا
و اللحظات تسجلنا مشاهداً
في ألبوم الإنفجار الرهيب
(4)

في ضيافة الماء أجالس المساء
و ألقي بشباكي
و أصطاد البريق من عيون أسماك
لا تتقن فن الموت
و لا تجرء على الرحيل

تطفوا أفكاري فوق سطح التذكر
كفقاعات ...
على ضفة البكاء
أقف لا حول و لا قوة
تتطاير أوراق الخريف المتساقطة داخل عيني
أغدو فقاعة
و أنفجر خارج نفسي
خارج الـ(أنا)
خارج كل ما ينتمي إلى
أغدو فقاعة مرة أخرى
و أنفجر داخل عينيه
أنسكب بين يديه
و يفاجئني صوت الحرب
تمد يدها
وأصافح أزيز الرصاص
يقطع علي خلوتي
تغدو المدينة من حولي فقاعة
البيوت فقاعات
قاعات الإجتماعات و طاولات المفاوضات
و الشعارات و الأناشيد الوطنية
المكان فقاعة و اللامكان
الحضور فقاعة و حتى الغياب
الصوت فقاعة و حتى الصمت
أنا و أنت
ما نحن إلا فقاعة
ننفجر في حضرة وجود أحمق
في حضرة عدمٍ أصدق من وجود كاذب

فقاعات و فقاعات و فقاعات
فقاعات ، داخل فقاعات ، داخل فقاعات

يذهب دكتاتور
و يأتي آخر في ثوب نبي
و تتساقط الأقنعة
كتساقط أوراق التوت
عندما يبدأ فصل التعري

تقوم في الصباح
حكومات على شكل فقاعات
و تسقط عند المساء
كبصاق مليء بالفقاعات الكريهة

و أنا من هنا أزرع نظري
في مشهد الإنفجار الكبير
و أقف في الصف الخلفي
في مؤخرة الصف
أتراجع
و أعود إلى الوراء
لعلي أؤخر إنفجاري
دون أن أدري أني أراقب
من زمن ما بعد الإنفجار
ما بعد إكتشاف القدر
من خارج الفقاعات المتفجرة
و إنفجارات ما بعد إنفجار الفقاعات



* السيانيد : غاز سام إستخدمه النظام العراقي المقبور في إبادة الشعب الكوردي في كوردستان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - تفاصيل أول معسكر يجمع محمد صلاح وحسام وإبراهيم


.. كلمة أخيرة - تذاكر مباراة المنتخب خلصت.. الناقد محمد عراقي ي




.. لماذا فشلت ترجمة كلمة -الرحمن الرحيم- إلى الإنجليزية؟ | #حدي


.. عقد قران الفنانة جميلة عوض على المونتير ا?حمد حافظ




.. -تعالوا واكتشفوا الجزائر-.. خطة لتطوير المواقع التاريخية وال