الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرانكفونية: إيديولوجية استعمارية في عهد ما بعد الكولونيالية - 3 - الفرانكفونية في المغرب العربي

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2010 / 7 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


غزت الفرانكفونية جميع أقطار المغرب العربي –باستثناء ليبيا- و قد كان توجه فرنسا في البداية؛ يصب في اتجاه ربط المنطقة المغاربية بالمترو بول بشكل دائم؛ باعتبارها جزءا لا يتجزأ من فرنسا الأم .
و حتى يتحقق هذا الهدف؛ فقد كان التركيز منذ البداية على طمس كل معالم الحضارة العربية الإسلامية في المنطقة المغاربية؛ لغة و دينا و ثقافة... و قد كان الانطلاق من نظرة استشراقية استعلائية؛ تعتبر أن فرنسا هي منطلق الأنوار و التقدم و التحضر؛ و أن المستعمرات – و منها دول المغرب العربي- لم تصل بعد إلى هذه الدرجة من الرقي الفرنسي !
لذلك يجب فرض الاستعمار لإخراج المنطقة المغاربية من الظلمات إلى النور!!! و هذا الاستعمار يأخذ أشكالا متعددة؛ منها السياسي و الاقتصادي؛ الذي يتم عبر الإخضاع العسكري؛ و منها كذلك الاستعمار الثقافي؛ الذي يساعد على ترسيخ الأشكال الاستعمارية السابقة؛ و الذي يعتمد قفازا حريريا مخالفا تماما للقبضة العسكرية.
و قد كان منطلق الاستعمار الثقافي مرتبطا –منذ البداية- باللغة الفرنسية؛ باعتبار أن اللغة هي صانعة الهوية؛ و بالتالي هي صانعة الشخصية الإنسانية. و في هذا الإطار تم خوض معركة شرسة ضد كل معالم التواجد الغوي –و من ثمة الثقافي- العربي؛ لأنه يشكل عائقا أساسيا أمام الهيمنة الثقافية واللغوية الاستعمارية؛ خصوصا و أن اللغة العربية في المغرب العربي؛ هي أكثر من لغة تواصل؛ إنها تحمل إرثا حضاريا عظيما؛ لا يمكن اختراقه ببساطة من طرف الاستعمار.
لذلك نجد السياسة الاستعمارية الفرنسية موحدة؛ في تعاملها مع مجموع دول المغرب العربي؛ و بهدف واحد هو استئصال كل معالم الحضارة العربية الإسلامية؛ و تعويضها بمعطيات حضارية جديدة ترتبط بالاستعمار.
ففي المغرب يؤكد (بول مارتي) في كتابه: (مغرب الغد): ".. إن كل تعليم للعربية، وكل تدخل من الفقيه، وكل وجود إسلامي، سوف يتم إبعاده بكل قوة؛ وبذلك نجذب إلينا الأطفال الشلوح (البربر)عن طريق مدرستنا وحدها، ونبعد، متعمدين، كل مرحلة من مراحل نشر الإسلام" (1)
و نفس السياسة الاستعمارية كانت متبعة في الجزائر؛ يقول (دي روفيكو): " إني أنظر إلى نشر تعليمنا ولغتنا كأنجع وسيلة لجعل سيطرتنا في هذا القطر (الجزائر) تتقدم في إحلال الفرنسية تدريجياً محل العربية؛ فالفرنسية تقدر على الانتشار بين السكان خصوصاً إذا أقبل الجيل الجديد على مدارسنا أفواجاً أفواجا " (2)
أما بخصوص تونس؛ فهي تشكل نموذجا فرانكفونيا دالا؛ حيث تم احتضان الفرانكفونية من طرف رئيس الدولة الخارجة للتو من الاستعمار ( الحبيب بورقيبة).
لذلك يحضر النموذج التونسي – بخصوص المغرب العربي- في هذا السياق كنموذج دال على الوشائج التي أقامتها فرنسا مع النخب السياسية و الثقافية المغاربية .
فليس خفيا ما قدمه الزعيم التونسي/الفرانكفوني (الحبيب بورقيبة) من دعم للفرانكفونية في تونس و في كل المغرب العربي؛ و ذلك تحت غطاء و توجيه وزارة الخارجية الفرنسية؛ التي قدمت دعما سخيا للزعيم التونسي؛ باعتباره الزعيم الفرانكفوني؛ القادر على حماية المصالح الفرنسية؛ في منطقة المغرب العربي .
و قد كان الحبيب بورقيبة متحمساً لمفهوم اللغة المشتركة الجامعة للشعوب الناطقة بها، فكان اقتراحه عام 1965 بإنشاء "كومنولث فرنسي يضم كل الشعوب التي تتكلم الفرنسية؛ و هي في الأغلب مستعمرات فرنسا.
و قد كان بورقيبة يصرح بكل هذا في حواراته؛ و يفتخر أنه الأب الروحي للفرانكفونية في المغرب العربي؛ لا يقل قيمة عن الرئيس السنغالي سنغور. يقول في حوار له : " إن مستقبلنا مرتبط بمستقبل الغرب عموماً ومتضامن مع مستقبل فرنسا خاصة... ونحن نتجه اليوم من جديد إلى فرنسا. إنني أنا الذي تزعمت الحركة المنادية بالفرانكفونية؛ فالرابطة اللغوية التي تجمع بين مختلف الأقطار الإفريقية أمتن من روابط المناخ أو الجغرافيا ". وصرح في مقابلة صحفية : " إننا لا نستطيع الإعراض عن الغرب، إننا متضامنون مع الغرب بأكمله، متضامنون بصورة أخص مع فرنسا. وتدعيم الروابط مع فرنسا وبصورة أخص في ميدان الثقافة، وفكرة بعث رابطة للشعوب الفرانكفونية تولدت هنا ". (3)
لقد كان الزعيم التونسي –إذن- من أذيال الفرانكفونية في منطقة المغرب العربي؛ و هذا ما تؤكده مواقفه السياسية و الفكرية و الإيديولوجية؛ في علاقة تونس بامتدادها العربي الإسلامي؛ فقد كان بورقيبة و من خلال الارتباط بالإيديولوجية الفرانكفونية؛ يسعى إلى ربط تونس و من خلالها منطقة المغرب العربي بالنموذج الفرنسي سياسيا و فكريا و دينيا (تأبيد الاستعمار) بهدف المحافظة –طبعا- على المصالح الاستعمارية في المنطقة.
لذلك فإذا كان بورقيبة يشترك في نزعته الفرانكفونية مع الرئيس السنغالي سنغور؛ فإنه في الوقت ذاته يشترك في نزعته العلمانوية laïcisme المتطرفة (4) مع الزعيم التركي كمال أتاتورك . فقد حضرت الفرانكفونية عند بورقيبة باعتبارها تصفية للإرث الحضاري (ثقافة و لغة و دينا) العربي الإسلامي من تونس؛ من خلال انتزاعها من امتدادها الحضاري؛ و ربطها بامتداد حضاري مزيف؛ بادعاء الحداثة و الديمقراطية؛ و كأن هذه القيم؛ قيم فرانكفونية خالصة؛ لا وجود لها خارج الإرث الاستعماري الفرنسي !
( و للحديث بقية )
الهوامش:
1- P. MARTY - Le Maroc de demain, Comité de l Afrique française, Paris, 1925- P :38
2- دي روفيكو – نقلا عن إدريس الكتاني- ثمانون عاما من الحرب الفرانكفونية ضد الإسلام و اللغة العربية- منشورات نادي الفكر الإسلامي- الرباط – ط – 2000
3- أنظر: محمد الهادي الزمزمي – تونس : الإسلام الجريح
4- يميز الأستاذ محمد أركون بين العلمانية laïcité و العلمانوية laïcisme . و إذا كانت الأولى تحيل على الفصل بين السلطتين الدينية و السياسية فصلا معقلنا؛ فإن الثانية تكرس مشهد العداء و المواجهة بين المكونين؛ و هي بذلك تبرهن على طابع إيديولوجي . أنظر:
محمد أركون – تاريخية الفكر العربي الإسلامي – ترجمة : هاشم صالح – المركز الثقافي العربي – ط: 2 – 1996








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتماع مصري إسرائيلي أميركي مرتقب بشأن إعادة فتح معبر رفح| #


.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: الكرة الآن




.. رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن أن نتنياهو سيلقي كلمة أمام ال


.. أربعة عشر متنافسا للوصرل إلى كرسي الرئاسة الإيرانية| #غرفة_ا




.. روسيا تواصل تقدمها على جبهة خاركيف وقد فقدت أوكرانيا أكثر من